رحيل اللحيدان: القطيعة الكاملة مع التشدد في السعودية

السعودية احتاجت إلى وقت للتخلص من نفوذ رجال الدين الذين كانوا يظهرون في الصورة كممثلين رسميين للدولة.
الجمعة 2022/01/07
سعودية معاصرة

الرياض – اعتبر متابعون للشأن السعودي أن رحيل الشيخ صالح اللحيدان، عضو هيئة كبار العلماء، يؤشر على قطيعة سعودية تامة مع مرحلة سلفية هيمن فيها المتطرفون وتحكموا في مواقف المملكة وروجوا عنها صورة سيئة.

وكان اللحيدان أحد أصحاب المواقف المتشددة الذين خيرت السلطات السعودية عدم مواجهتِهم مواجهةً صداميةً بالرغم من مواقفهم التي كانت محرجة بالنسبة إليها داخليا وخارجيا. لكن الأمور تغيرت في السنوات الأخيرة بعد أن خطت المملكة خطوات كبيرة نحو تثبيت خيار الإصلاحات الكبرى، بما في ذلك الإصلاحات المتعلقة بالمجال الديني.

وقد دفعت آراء اللحيدان المتشددة إلى إقالته في 2009 من منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى السعودي بعد أن احتل عناوين الصحف الدولية إثر إدلائه بتصريحات اعتبرت بمثابة هدر دم للمسؤولين عن القنوات الفضائية التي تعرض المسلسلات والبرامج الترفيهية، خاصة خلال شهر رمضان.

الهدف من تعويد السعوديين على حياة جديدة تجمع بين العمل والدين والترفيه، هو صياغة ثقافة جديدة تقبل على الحياة، وذلك يناقض تماما الصورة التي عكسها المتشددون

وقال اللحيدان في حوار مع إذاعة محلية إن “من يدعو إلى الفتن إذا قُدر على منعه ولم يمتنع قد يحل قتله، لأن دعاة الفساد في الاعتقاد أو في العمل إذا لم يندفع شرهم بعقوبات دون القتل جاز قتلهم قضاءً”.

ولم يخف معارضته لإصلاحات حذرة كان أعلن عنها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز في سياق تحسين أوضاع النساء وفتح الباب أمامهن للمشاركة في الحياة السياسية من خلال التصويت والترشح لانتخابات المجالس البلدية والتعيين في مجلس الشورى.

ولمّا قال الملك عبدالله آنذاك إن قراره اتُّخذ بعد مشاورة كبار العلماء ظهر اللحيدان ليقول إنه لم تتم استشارته في الأمر، ما اعتبر تحديا لإرادة الملك وإحراجا له أمام السعوديين، وهو ما أظهر حجم النفوذ الذي يمتلكه الشيوخ السلفيون في البلاد، خاصة وأنهم كانوا يسيطرون على مختلف المنابر الدينية.

وتسبّب تسجيل صوتي كان فيه الشيخ اللحيدان يشجع السعوديين الشباب على الذهاب إلى العراق لشن حرب ضد الأميركيين عام 2006 في إحراج بالغ للسلطات السعودية في الوقت الذي كان فيه العشرات من المتشددين يتدفقون على العراق للانضمام إلى تنظيم القاعدة تحت تأثير فتاوى الجهاد المختلفة.

ويقول المتابعون إن السعودية احتاجت إلى وقت طويل للتخلص من نفوذ المتشددين، وخاصة رجال الدين الكبار الذين كانوا يظهرون في الصورة كممثلين رسميين للدولة في حين أنّ مواقفهم تتعارض مع مصالح السعودية والتزاماتها الخارجية، ومثّل نفوذهم غطاء لانتشار تيارات متشددة أخرى مثل التيار السروري (أو السروريّة).

وكان المتشددون يحتمون بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت بمثابة وزارة للداخلية تطارد الناس وتحد من حرياتهم الخاصة والعامة تحت مظلة فتاوى جاهزة تحرّم كل مظاهر الترفيه. لكنها تفككت على يد المشروع الجديد لسعودية معاصرة.

ودعا هؤلاء المتشددون إلى عدم السماح للمرأة بتقلّد الوظائف العامة أو قيادة السيارة أو ممارسة الرياضة أو السفر دون ولي أمر من الرجال. وفرضوا فصل الرجال عن النساء في المطاعم، مع طرد النساء اللاتي يضعن طلاء الأظافر أو يظهرن وجوههن من مراكز التسوق، ومنعوا الموسيقى.

قطع تام مع التشدد
قطع تام مع التشدد

وشهدت المملكة منذ تولي الأمير محمد بن سلمان منصبه وليا للعهد سلسلة من الأنشطة الموسيقية والترفيهية غير المسبوقة، ومن بينها إقامة حفلات لفرق ومغنين غربيين، وإعادة فتح دور السينما. وتزامنت هذه الأنشطة مع خطوات تعبر عن انفتاح اجتماعي متسارع، من بينها السماح للمرأة بقيادة السيارة ووضع حد للفصل بين الجنسين في الأماكن العامة.

ويشير متابعون للشأن السعودي إلى أن الهدف من تنويع التظاهرات والسماح بإقامة الحفلات الموسيقية ومختلف العروض الفنية، وتعويد السعوديين على حياة جديدة تجمع بين العمل والدين والترفيه، هو صياغة ثقافة جديدة تقبل على الحياة، وذلك يناقض تماما الصورة التي عكسها المتشددون، والتي قادت عددا هاما من شباب السعودية إلى الالتحاق بالجماعات المتطرفة.

ويعتبر المتابعون أن كف يد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعروفة بالمطاوعة كان الخطوة الأولى في طريق كف يد التشدد الاجتماعي بحجة الدين، وهي الخطوة التي اتخذها الأمير محمد بن سلمان بدعم ملموس من أبيه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.

وقال الأمير محمد بن سلمان “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب”، مضيفا “نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة وهذا أمر أعتقد أنه اتخذت (في إطاره) خطوات واضحة في الفترة الماضية، وأننا سوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل”.

1