رحيل العمالة السورية يربك صناعة النسيج في تركيا

مخاوف في أوساط القطاع من ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوظيف جراء الديناميكيات الجديدة للسوق.
الخميس 2025/02/13
هؤلاء اللاجئون هم المحرك الحقيقي للاقتصاد

يعم القلق قطاع النسيج في تركيا بسبب احتمال فقدان اللاجئين السوريين والذي من المتوقع أن يعودوا إلى بلدهم، حيث شرع أصحاب الأعمال في إعادة حساباتهم وتحديد حجم الخسائر التي قد يتكبدونها جراء فقدانهم لهذه القوى العاملة التي ظلت لسنوات تخدم الاقتصاد التركي.

غازي عنتاب (تركيا) - بدأت الأعمال التجارية المعتمدة على السوريين في تركيا باحتساب الخسائر التي قد تترتب على ذلك، بعدما سادت الحماسة في أوساط هؤلاء اللاجئين للعودة إلى بلادهم بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد أواخر العام الماضي.

ويقول علي غوزجو، وهو يعكس القلق واسع النطاق الذي يجتاح صناعة النسيج، “قدم السوريون مساهمة كبيرة لقطاع النسيج هنا. إذا غادروا، ستكون هناك مشكلة عمالية خطيرة.”

ويدير غوزجو “أل.أل.جي تيكستيل” وهي شركة ملابس في غازي عنتاب، وهي مدينة تقع في جنوب شرق تركيا وتضم نصف مليون سوري. وقال لوكالة فرانس برس “لا نتوقع رحيلًا مفاجئًا، ولكن إذا حدث ذلك، فسنعاني من خسارة كبيرة في العمالة،” مؤكدا أن 70 في المئة من عماله سوريون.

علي غوزجو: إذا حدث ذلك، فسنعاني من خسارة كبيرة في العمالة
علي غوزجو: إذا حدث ذلك، فسنعاني من خسارة كبيرة في العمالة

وهو ليس الوحيد. و”كل العمال هنا سوريون”، هذا ما اتفق عليه يوسف ساميل قنديل، مراقب الجودة في شركة “بيني جي للملابس”، في إشارة إلى منطقة أونال.

وتصطف في المنطقة شركات النسيج في الشوارع المهجورة وتقف عارضات الأزياء القديمة في واجهات المتاجر المتربة إلى جانب رفوف الملابس.

وقال قنديل لوكالة فرانس برس “إذا غادر السوريون، سترتفع تكاليف العمالة لدينا بشكل كبير، وكذلك تكاليف إنتاجنا.”

وتعد تركيا هي سادس أكبر مصنع للنسيج في العالم، وتستند صناعتها في المناطق الجنوبية التي تستضيف معظم المهاجرين السوريين البالغ عددهم حوالي 2.9 مليون مهاجر.

وتظهر الأرقام الحكومية أن حوالي 100 ألف سوري لديهم تصاريح عمل، لكن الخبراء يعتقدون أن حوالي مليون سوري نشطون في الاقتصاد التركي، ومعظمهم في وظائف غير رسمية كثيفة العمالة في البناء والتصنيع والمنسوجات.

وسجلت صادرات النسيج التركية إيرادات العام الماضي بقيمة 9.49 مليار دولار، وفق معطيات نشرها مجلس المصدرين الأتراك الشهر الماضي.

وتظهر بيانات المجلس أن حجم صادرات قطاع النسيج ومواده الخام سجل في عام 2024 نحو 2.44 مليون طن.

ويقول خبراء وأصحاب الأعمال في تركيا إن رحيلهم قد يخلف أثراً كبيراً على قوة العمل في صناعة تكافح ضغوط التضخم وارتفاع التكاليف.

وحتى الآن، عاد ما يزيد قليلاً على 81 ألف شخص، وفقاً لأرقام وزارة الداخلية، رغم أن المراقبين يتوقعون زيادة في يونيو خلال عطلة عيد الأضحى.

وعلى أرضية مصنع “أي.أل.جي” يجلس العشرات من الشباب والفتيات منحنيين على آلات الخياطة الصناعية أو ماكينات التغليف، وينتجون آلاف القمصان.

100

ألف سوري لهم تصاريح عمل، لكن مليون سوري نشطون في الاقتصاد التركي

ويعلق علم سوري جديد على الحائط وهناك إعلان باللغة العربية على باب المرحاض. وقال أحد عماله، زكريا بوزو البالغ من العمر 55 عاماً، والذي يريد العودة إلى سوريا و”إنشاء عمل تجاري جديد هناك”، “إذا غادر السوريون، فلن يتبقى أحد للعمل هنا.”

لكن الخبراء يقولون إنها صورة معقدة بالنسبة إلى السوريين، مما يشير إلى أن المخاوف من رحيل جماعي لا أساس لها من الصحة بسبب حالة عدم اليقين التي تحيط ببلد مزقته 13 عاماً من الحرب.

و”رغم سعادتهم الكبيرة برحيل الأسد، إلا أن ذلك لم يكن سوى عائق واحد أمام عودتهم”، هذا ما قاله الأستاذ مراد أردوغان، الذي أشار استطلاعه الذي أجراه عن السوريين إلى مخاوفهم بشأن السلامة، واحتمال اندلاع صراع، والبنية التحتية المدمرة في سوريا.

وأسس معظم السوريين اللذين فروا من بلدهم خلال سنوات الحرب حياة في تركيا، حيث ولد أكثر من 970 ألف طفل على مدى السنوات الـ12 الماضية.

ويتعين على السوريين الذين يناقشون ما إذا كانوا سيعودون إلى ديارهم أن يواجهوا أيضا الدمار الاقتصادي الناجم عن سنوات من الحرب، وسوء الإدارة الحكومية والفساد، والعقوبات الدولية المفروضة على دمشق.

وشلت العقوبات التي تمنع دخول الأدوية والمعدات، إلى جانب قصف الأسد للبنية التحتية طوال الحرب، النظام الطبي في البلاد. وفي عام 2024، كان 16.7 مليون سوري، أكثر من نصف سكان البلاد، في حاجة إلى مساعدات إنسانية أساسية، حتى مع توفر القليل جدا منها.

ورغم ظروف العمل الصعبة في تركيا، فإن اللاجئين السوريين يدركون أنه من غير المرجح أن يجدوا شيئاً أفضل في وطنهم، وفق ما أكده أردوغان لوكالة فرانس برس.

كمال كيريتشي: ثمة إمكانية لتطوير روابط تجارية بين البلدين مستقبلا
كمال كيريتشي: ثمة إمكانية لتطوير روابط تجارية بين البلدين مستقبلا

وأضاف “قالوا لنا إنهم يعانون من الكثير من المشاكل في تركيا ويعملون بجد مقابل القليل من المال. ولكن إذا عادوا، حتى لو وجدوا وظائف، قالوا إنهم سيحصلون على 14 دولاراً فقط في الشهر.”

ومن الواضح أنهم يكسبون أكثر من ذلك بكثير في تركيا. وأوضح أردوغان أن “العودة قرار ضخم. ولهذا السبب، أعتقد أن 20 في المئة منهم كحد أقصى سيعودون، وهذا سيستغرق الكثير من الوقت.”

ورغم حالة عدم اليقين، يبحث غوزجو عن طرق عمل جديدة قد تستوعب عودة بعض السوريين، الذين ينحدر نصفهم تقريبا من منطقة حلب الواقعة على الجانب الآخر من الحدود من غازي عنتاب.

وقال لوكالة فرانس برس “لقد أصبحنا قريبين جدا من عمالنا السوريين.” وأضاف إذا لزم الأمر “سنفتح لهم ورش عمل في سوريا وسنواصل إنتاجنا هناك.”

ورغم أن أجزاء كبيرة من سوريا أصبحت في حالة خراب، إلا أن كمال كيريتشي، الخبير في شؤون الهجرة في مؤسسة بروكينجز ومقرها واشنطن، أكد أن هناك إمكانية لتطوير روابط تجارية في المستقبل.

وقال لوكالة فرانس برس إن “سوريا مكان واعد للغاية في الأمد البعيد. ومن الناحية المثالية، يمكن أن تكون لدينا حدود اقتصادية مفتوحة للغاية حتى يتمكن الناس من التحرك ذهابا وإيابا.” وأضاف “سيكون ذلك فوزا للصناعة التركية، وللاقتصاد، وفوزا لسوريا وللنظام الجديد.”

وقد يكون هناك في نهاية المطاف إحياء لما يسمى بمنطقة “شامجن” للتجارة الحرة والتنقل دون تأشيرة بين سوريا والأردن ولبنان وتركيا، والتي استلهمت من منطقة شنجن في الاتحاد الأوروبي ولكنها انهارت في بداية الحرب في عام 2011.

وقال كيريتشي “تمكن إعادة إحياء كل ذلك بسهولة تامة، لكن المفتاح في أيدي النظام الجديد” في سوريا.

11