رحيل الشاعر شوقي أبي شقرا أحد رواد الشعر السريالي في لبنان

أبي شقرا بقي حتى آخر أيامه منهمكا بالكتابة والنقد وصدر له أخيرا "سائق الأمس ينزل من العربة".
الجمعة 2024/10/11
أسس أول صفحة ثقافية يومية في الصحافة اللبنانية

بيروت - توفي الخميس في بيروت الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا الذي كان من رواد الشعر السريالي في لبنان ومن أوائل من كتب قصيدة النثر العربية. وكتب صديقه الشاعر عقل العويط في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي الخميس "وقع الشاعر الكبير شوقي أبي شقرا من البرج. الشعر في حزن عميم".

وتعرّض أبي شقرا، 89 عاما، لجلطة دموية في الأسابيع الأخيرة دخل على إثرها في غيبوبة، ومع أنه أفاق منهأ فارق الحياة الخميس في أحد المستشفيات جرّاء مضاعفات. وُلد الراحل في العاصمة اللبنانية عام 1935، وعاش طفولته في رشميا ومزرعة الشوف بسبب عمل الوالد في سلك الدرك، والذي فقده في سن العاشرة بسبب حادث سيارة، وتابع دراسته حتى تخرّج من “معهد الحكمة” البيروتي سنة 1952.

وتنوعت كتابة أبي شقرا بين النثر والشعر والترجمات والنقد الأدبي. ويعتبر من رواد الشعر السريالي. بدأ أبي شقرا كتابة الشعر في مرحلة مبكرة من حياته، وكانت بدايته مع القصيدة العمودية وشعر التفعيلة اللذين ظهرت نماذجهما في أول مجموعتين نشرهما، وهما “أكياس الفقراء” (1959) و”خطوات الملك” (1960)، كما كانت له محاولات في كتابة الشعر العمودي باللغة الفرنسية آنذاك، وضمن توجّهاته الكلاسيكية أسس “حلقة الثريا” مع ثلاثة آخرين هم جورج غانم وإدمون رزق وميشال نعمة.

يعدّ أبي شقرا أحد أبرز أركان مجلة “شعر”، وكان سكرتير تحرير المطبوعة التي جمعت أدونيس ومحمد الماغوط ويوسف الخال وأنسي الحاج. وتطبع أجواء الريف قصائده، إذ يستوحي مشاهده الشعرية من النبتات والأزهار والحيوانات الأليفة. وحاز ديوانه “حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة” جائزة مجلة “شعر” في عام 1962. وترجم أبي شقرا نصوصا لشعراء مثل ريمبو ولوتريامون، وأبولينير وريفيردي. وأسس أول صفحة ثقافية يومية في الصحافة اللبنانية، وتسلّم منذ 1964 وطوال 35 عاما إدارة الصفحة الثقافية في صحيفة “النهار”. وكتب مقالات نقدية في المسرح والأدب والفن التشكيلي.

◙ تجربة أبي شقرا الرائدة حظيت بالكثير من النقد والتحليل من نقاد وشعراء
◙ تجربة أبي شقرا الرائدة حظيت بالكثير من النقد والتحليل من نقاد وشعراء

أصدر الشاعر الراحل مجموعات شعرية عدّة منها: “سنجاب يقع من البرج” (1971)، و”يتبع الساحر ويكسر السنابل ركضا” (1979)، و”حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة” (1983)، و”لا تأخذ تاج فتى الهيكل” (1992)، وثياب سهرة الواحة والعشبة” (1998)، و”سائق الأمس ينزل من العربة”، و”تتساقط الثمار والطيور وليس الورقة” (2005)، و”أبجدية الكلمة والصورة” (2005)، و”عندنا الآهة والأغنية وجارنا المطرب الصدى” (2021). وبقي أبي شقرا حتى آخر أيامه منهمكا بالكتابة والنقد. وصدر له أخيرا “سائق الأمس ينزل من العربة".

وفي آخر حوار نشر معه بتاريخ أغسطس الماضي، عاد الشاعر إلى بداياته حيث قال “كنتُ أول من كتب قصيدة النثر وأول من أطلق المصطلح. في 28 نيسان (أبريل) 1959 نشرت أربع قصائد في جريدة ‘النهار’ تحت عنوان ‘رب البيت الصغير’ وقلت في مطلع القصيدة: القهوة على الأرض ما الصراخ ورب البيت يحزو… من أوحى للزوار أن يأتوا عنده للمحة لسهرة؟ القهوة ثمينة ومعاشه خفيف كمفكرة لا يقوى أن يخدم ويرحب والستائر لا تغطي الشمس والفقر".

وعبر الراحل عن خوفه “على القصيدة وأن يأتي شعراء أقل من القصيدة. وهذا يجعلني أحزن حين أقرأ قصيدة غير ناجحة. ليس هناك أصعب من الفشل في كتابة القصيدة. لا تهمني الاتجاهات بقدر ما يهمني الشعراء. عندما يكون هناك شعراء حقيقيون يصير لدينا اتجاهات. ومن ألوانهم يكثر الأرجوان وتكثر الألفاظ. كيف تنجو القصيدة؟ كيفية تركيب الصورة. دائماً أنظر إلى الحركة الفنية للشيء، للصورة واللفتة، والتركيب قبل الموضوع. الكيفية في اللعب على الشكل قبل المضمون. وعندما أقول حركة الشكل فهذا يعني مضمونا آخر. كل الفنون في النهاية تطمح إلى الشعر. طموح كل كتابة أن تصل إلى النفحة الشعرية".

حظيت تجربة أبي شقرا الرائدة بالكثير من النقد والتحليل من نقاد وشعراء، ومن بينهم الشاعرة اللبنانية ميشلين مبارك التي كتبت في مقال لها تناولت فيه تجربته انطلاقا من ديوانه "عندنا الآهة والأغنية وجارنا المطرب الصدى”، وقالت "باختزال ودهشة، يكتب أبي شقرا قصيدته، يقهر الشيخوخة بالشعر، يظل يكتب حتى لنخاله دائم الشباب والحداثة والتطور بالعمر الفعلي، بالمعنى وباللغة. منذ ديوانه النثري الأول، كسّر الروتين بتفرده، وأذاب جليد الشعر بدموع مشاعره، فإذ بالشمس تشرق من لدن لغته، والجماد يتحول إلى بشر كرمى لقصيدة أبي شقرا.. لا شك في أنّ شعر أبي شقرا صعب وصعوبته تكمن في فرادة لغته، وربما هذه اللغة لا تروق للبعض وربما راقت لجيل ثائر لا ينظر إلى اللغة كعائق بل يجعلها طواعية المعنى والبناء ليصل الشاعر إلى مبتغاه”.

تجربة رائدة

14