رحيل الدكتور هيثم الزبيدي المؤسس الثاني لـ"العرب"

فقدت صحيفة “العرب” السبت رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير المسؤول الدكتور هيثم الزبيدي عن عمر واحد وستين عاما. عرفت “العرب” في عهده عصرا مختلفا كليا عما سبقها.
ويصفه العارفون بشؤون الصحف العربية بأنه المؤسس الثاني لـ”العرب” في 2012 بعد المؤسس الأول الفقيد الحاج أحمد الصالحين الهوني، الذي أسس الصحيفة في العام 1977 في وضع عربي صعب ومعقد وترك بصمة كبيرة بالتأسيس لصحافة المهجر باللغة العربية.
والتأسيس لا يعني عهدا زمنيا يمتد لعقد أو أكثر. المقصود هو بناء مقاربة صحفية وإعلامية تخرج بالصحيفة من مرحلة الإعلام الذي يقف عند نشر الخبر والمعلومة إلى مرحلة جديدة تقوم على التحليل وطرق زوايا مختلفة عمّا يقدمه الإعلام التقليدي الذي ما يزال يكرر نفس الأساليب رغم التطورات الكبيرة التي شهدها الإعلام بدءا من الفضائيات الإخبارية المتخصصة في نقل الخبر أولا بأول وصولا إلى الإعلام الجديد الذي يعتمد على وسائل التواصل الحديث.
لقد نجح الفقيد الزبيدي بالشراكة مع الأستاذ محمد الهوني رئيس التحرير والمدير العام، ومنذ وقت مبكر، في إرساء آليات تحريرية غير تقليدية تقدم للقارئ الإفادة والإضافة بالرغم من المنافسة الكبيرة مع الفضائيات ووسائل الإعلام الحديثة.
كما أعطى المؤسسة بعدا أكبر وأوسع حين ركز على إنشاء مواقع وصحف بلغات مختلفة من الإنجليزية إلى الإسبانية والتركية لإيصال مقاربة “العرب” التي تتأسس على العقلانية والتسامح ونبذ التطرف والإرهاب إلى القارئ غير العربي بهدف المساهمة في تغيير الصورة السلبية التي انطبعت في أذهان الكثيرين عن الشعوب العربية وأفكارهم وقيمهم في ظل اتساع موجة التطرف شرقا وغربا في مرحلة ما بعد الربيع العربي.
وتحولت صحيفة “العرب” خلال فترة وجيزة من استلام الدكتور الزبيدي لها إلى مصدر من مصادر الخبر العربي في وسائل الإعلام الأجنبية التي كانت تبحث عن إعلام عربي يفكر ويكتب بالطريقة التي تقدم الإجابات وتفهم كيف يفكر القارئ الغربي وطريقة مخاطبته وإقناعه.
لقد خرجت الصحيفة من بُعد الاهتمام بقضايا المهاجرين العرب والتعريف بها والدفاع عنها ومتابعة التطورات السياسية العربية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي على يد الحاج الهوني، وكان صوتا قويا وصادحا باسم المواطن العربي باعتماد النقد الذكي والهادف دون شعارات أو مزايدات.
خرجت “العرب” في عهد الدكتور هيثم إلى مرحلة جديدة أكثر شمولا وتماشيا مع تطورات المرحلة خاصة في فترة الربيع العربي التي تكاثرت فيها الأزمات والتوترات وكانت تحتاج إلى جرأة في التحليل والرأي والتخصص في فهم الإسلام السياسي والدفاع عن قيم التسامح والحوار بين الأديان والمذاهب باعتباره المعادل الموضوعي القادر على هزيمة المتشددين وكشف خطرهم.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المؤسسة، التي كبرت سريعا وتحولت إلى مرجع، لم تصل إلى ذلك بالصدفة، فقد نجحت في اختيار فريق تحريري تدعّم مع الوقت وتدرب وتطور وتشرّب آليات العمل وروح المؤسسة وثقافتها وقيمها، وهو أمر تم بأسلوب السهل الممتنع، الذي كان الدكتور الزبيدي يتقنه، بتحويل المحررين والفنيين والمدققين وبقية الموظفين بمختلف مستوياتهم إلى فريق واحد، إلى عائلة تدير تفاصيل عيشها بالحوار.
وكان الدكتور الزبيدي، رحمه الله، يقف على كل صغيرة وكبيرة ليس في الجانب التحريري فقط ولكن في ما يتعلق بوضع الموظفين وظروف عيشهم وعملهم وكان يتدخل هو والأستاذ الهوني ليقفا في صف الموظفين بدعمهم ماليا ونفسيا على تحدي الصعوبات التي يمرون بها في حياتهم الخاصة.
واستمرت المؤسسة في لعب هذا الدور حتى في أصعب الظروف التي عايشتها خلال فترة كورونا وما بعدها، والتي أفقدتها جزءا من مواردها وقدراتها، ورغم التقشف، إلا أن “العرب” ظلت تسند موظفيها وتدعمهم على تجاوز صعوبات الحياة، وهذا هو سر نجاحها واستمرارها قوية ومتماسكة، وهو ما يعبر عنه الدكتور الزبيدي باستمرار خلال لقائه بالموظفين بقوله “نحن إخوة، وعائلة، والعائلة تتضامن وتتماسك وقت الشدائد، وليس فقط وقت الرخاء.”