رجل برائحة امرأة أخرى

الاثنين 2016/09/05

لا عجب إن رأيت امرأة مطلقة أو أرملة تقبل بالزواج من رجل متزوج، فهي ظروف اجتماعية طاحنة، ضاغطة، تسحقها وتجرها في طريق الموافقة إذ أنه في بعض الأحيان يكون هو الحل الوحيد، وهذا ما يسمى باللهجة الشعبية (الزواج على ضرة) أو القبول بمشاركة زوجة لزوجها، فتفوز بنصف رجل بدلاً من لا شيء.

وقد ترفض حتى المطلقة والأرملة نصف الرجل وتظل تبحث عن رجل كامل وحياة قويمة، ولكن العجب كل العجب من فتيات صغيرات عذارى لم يسبق لهن الزواج يرغبن في الزواج من رجل يحمل رائحة امرأة أخرى، تفوح من مسام جسده رائحتها وعطرها، يسكن عينيه وجهها وتسريحة شعرها، يعيش تفاصيلها في كل لحظة، يحفظ ردود أفعالها، ومفرداتها، رجل مسكون بحبه الأول لزوجته ودفء اللحظات البكر حين تعرف لأول مرة على حرارة العشق في أحضانها، رجل يذهب كل مساء لبيته وعائلته، ومسؤولياته، رجل بطعم وبنكهة امرأة أخرى، خاصة وأنه إن كان يكرهها لما أكمل مشوار الحياة رفقتها، كان الطلاق هو النهاية الحتمية لملحمة عذابه إن وجد.

صدمتني رغبة فتاة جامعية عشرينية حسناء في الزواج من رجل متزوج من أخرى وأن تكون هي الزوجة الثانية، فتاة تبحث عن بيت هادئ، هانئ، مستقر لتتغلغل داخله وتحصل على نصف حياة، نصف رجل، نصف قلب، وكل الرفاهية المادية، تريد لقب زوجة دون مسؤولية، تحدثت إليها طويلا لعلها تملك مبررا يمسد الطريق لرغبتها العجيبة والجديدة على مسامعي، سألتها عن سبب هذه الرغبة فإذا بها وبكل تفاخر تتحدث عن رجل ناجح، متحقق، لديه القدرة المادية على شراء الشقة التمليك والسيارة الفارهة وتوفير مقومات الحياة الرغدة، تبحث عن سعادة مجوفة قلبها فارغ، وهيكلها مجرد ضحكات عالية وساعات من متعة تنتهي سريعا، ظننت أول الأمر أنها من دعاة تعدد الزوجات وما أكثرهن إذ يحببن التعدد ويزينه في قلوب فتيات باحثات عن الجنة، ولكنها ليست كذلك، وإنما هي مجرد فتاة من العشرات وربما المئات من فتيات يرغبن في مميزات الزواج دون تحمل تبعاته الاجتماعية والعائلية.

تقول “لا أرغب في أن يترك الرجل زوجته الأولى من أجل الزواج بي ولا أن أستأثر به وحدي، إنما أرغب في بعض المتعة، وبعض الوقت، والكثير من المال، فهو إن ترك زوجته من أجلي سأظل أدفع فاتورة انهيار حياته من أجل البقاء معي، سيطاردني بعقدة الذنب كثيرا، وكم ضحى وعانى من أجلي، ويلقي على عاتقي بالمسؤوليات والأعباء ورويدا رويدا سأتحول إلى شبيهة بالزوجة الأولى فيبحث عن الثالثة، ولكن إن ظلت هي في حياته ستكون رمانة الميزان، هي للبيت والأعباء وتربية الصغار وأنا للدلع والحب والهدايا، ستكون الأولى للنكد وأنا للفرفشة، مع الاحتفاظ بكل مزايا الزواج، هي غسالة بالكهرباء وطباخة وممرضة ودادة للصغار بالمجان، وأنا الحب كله، ووقتها سيكون حريصا كل الحرص على إبعاد كل منا عن الأخرى حتى لا يفتح بابا للمشكلات، فالرجل الذي يشعر بالذنب يكون ضعيفا ووقتها يلبي كل المطالب طائعا مختارا. كما أنني لا أبحث عن رجل يحمل تفاصيل معاناة زواج فاشل وإنما رجل ناجح خبير بالحياة الزوجية، رجل سعيد لديه الخبرة في صنع السعادة”.

تركت الفتاة وقدماي لا تقويان على حمل جسدي، وذهني شارد، إذ كيف بحسناء مثلها لا تسعى في بناء عش تكون فيه الملكة المتوجة على عرش قلب زوجها، كيف تقبل بحياة الظل، وتتخلى عن الحلم الذي طالما راود جميع الفتيات وهن يحملن عرائسهن البلاستيكية في الطفولة الغضة، ويمثلن دور الأم التي تمشط شعر صغيرتها، وتحتضنها بحب وحنان.

ما أخشاه أنها تكون بداية لانفجار ظاهرة الزواج السياحي من جديد كنتيجة طبيعية للفقر واليأس في الحياة السوية، وعلى عاتق الأمهات يقع العبء في إعادة التكوين النفسي للفتيات وتغيير النمط السائد في التربية بأن الزوج يجب أن يكون ثريا يحمل عصا موسى أو مصباح علاءالدين.

كاتبة من مصر

21