رجل أعمال مقرب من ماكرون في مهمة إنقاذ التبادل التجاري مع الجزائر من الانهيار

يحاول رجل أعمال فرنسي مقرب من الرئيس إيمانويل ماكرون التكفل بمهمة تجاوز التوتر السياسي والدبلوماسي القائم منذ أشهر بين فرنسا والجزائر وتجاوز القطيعة التي أثرت على مردودية القطاع الزراعي الفرنسي.
الجزائر - استقبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون رجل الأعمال والرئيس المدير العام للشركة البحرية لنقل الحاويات والشحن سيما سي.جي.أم، الفرنسية رودولف سعادة، بمقر رئاسة الجمهورية، ليكون بذلك أول كسر لوتيرة الأزمة المتفاقمة بين البلدين، بواسطة أحد رجال المال والأعمال المقربين من الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يبدو أنه في مهمة تحييد النشاط الاقتصادي والتجاري بين البلدين عن تداعيات الأزمة القائمة وإنقاذ الموقف من الانهيار، بعد توجه الجزائر إلى التخلي عن منتوجات فرنسية كالقمح واللحوم.
وحل رجل المال والأعمال ورئيس مجموعة “سيما سي.جي.أم” للشحن البحري الفرنسية رودولف سعادة بالعاصمة الجزائرية، حيث حظي باستقبال الرئيس تبون، وهي زيارة مؤجلة، كانت مبرمجة قبل عدة أسابيع، لكنها أرجئت بسبب تفاقم الأزمة السياسية بين البلدين.
وتأتي الزيارة في مناخ سياسي ودبلوماسي متوتر بين البلدين منذ عشرة أشهر، بدأ بإلقاء ظلاله على التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين، مما سيدرجها في خانة إنقاذ النشاط من الانهيار، لاسيما في ظل التوجه التدريجي للجزائر لمقاطعة المنتوجات الفرنسية الإستراتجية، على غرار القمح واللحوم وغبرة الحليب.
وكان رجل الأعمال ذو الأصول العربية اللبنانية، والمعروف بقربه من الرئيس الفرنسي، بصدد إقامة ملحق لشركة الشحن التي يمتلكها بمدينة وهران الجزائرية، قبل أن يتأثر المشروع بتداعيات الأزمة السياسية، لكن الرجل مصمم على ما يبدو على تنفيذ مشروعه، والمساهمة في إنقاذ العلاقات الاقتصادية بين البلدين من خطر الشلل الذي يهددها.
وكشفت بيانات للجمارك الفرنسية حول المبادلات التجارية بين الجزائر وفرنسا، عن تراجع ملحوظ خلال الربع الأول من العام الجاري، وقدرته بين 18 و25 في المئة، مقارنة بالعام الماضي، حيث سجل الرقم نزولا من مليار و250 مليون يورو، إلى حوالي 990 مليون يورو.
وتحدثت تقارير فرنسية عن تداول البنوك التجارية بالجزائر لتعليمات سرية، حول رفض التوطين للمعاملات التجارية من الأسواق الفرنسية، وهو ما لم تعلق عليه الجزائر ولم تكذبه، مما يبقي الفرضية قائمة، بعد دخول قطيعة تدريجية لمواد إستراتجية تدخل ضمن نشاط قطاعات وشركات فرنسية هامة.
وكشف المدير العام لاتحاد “سيرافيا” الفرنسي، وهو تنظيم مهني يضم أربعة تعاونيات، آلان كاكيرت أن الجزائر لم تعد تشتري القمح الفرنسي، وأن المنتجين المحليين لم يحصلوا على أي طلبية شراء، مما يعني غلقا غير معلن من الطرف السلطات الجزائرية للسوق المحلية أمام المنتوج الفرنسي، وهو ما يشكل ضربة قاصمة، قياسا بكميات التوريد التي كانت تصل أحيانا إلى تسعة ملايين طن سنويا.
وصرح آلان كاكيرت لصحيفة “لو بيان بيبليك” بأن “الجزائر لم تعد تشتري القمح الفرنسي بأي كمية، مما أثار ارتباكا في الأوساط الزراعية الفرنسية، وأن الجزائر كانت شريكا مفضلا لصناعة القمح الفرنسية، خاصة في منطقة بورغوني، إلا أن هذه السوق أغلقت بالكامل اليوم.”
بيانات للجمارك الفرنسية حول المبادلات التجارية بين الجزائر وفرنسا كشفت عن تراجع ملحوظ بين 18 و25 في المئة
وجاء هذا التصريح ليعزز مخاوف سابقة عبّر عنها كل من رئيس المجلس الفرنسي للمحاصيل الكبرى فرانس أغري مار، مطلع العام الجاري، لما قال إن “الجزائر أغلقت بشكل شبه كامل باب استيراد القمح من فرنسا بسبب توتر العلاقات الدبلوماسية.”
في حين حذر الأمين العام للجمعية الفرنسية لمنتجي القمح فيليب هيوزيل من “خطر فقدان فرنسا لحصتها في مبيعات القمح في الأسواق الخارجية، خاصة في شمال أفريقيا والصين”، الأمر الذي يزيد من حدة الضغوط على المزارعين الفرنسيين، في ظل تراجع الطلب الصيني وتدفق القمح الأوكراني إلى أوروبا.
ويرى متابعون للملف أن خسارة فرنسا للسوق الجزائرية في مجال القمح ستشكل منعطفا مستجدا في خارطة التجارة الحيوية، فالجزائر التي تعد ثاني أكبر مستورد لقمح الطحين في العالم بعد مصر، وتصل حاجياتها في بعض المواسم إلى 12 مليون طن، تمثل سوقا مغرية ظلت لعقود محل احتكار فرنسي، قبل أن تغير وجهتها إلى أسواق البحر الأسود.
ولم يعد الأمر محصورا على مادة القمح اللين فقط، بل امتد أيضا إلى تجارة العجول واللحوم، وحتى غبرة الحليب، حيث يتحجج المستورد الجزائري بمعايير معينة، تقصي البضائع الفرنسية، في حين لم يعلن الأمر بشكل رسمي من طرف الجهات الرسمية.
وذكرت تقارير جزائرية أنه تقرر “الاستغناء عن فرنسا في تموينها بمادة غبرة الحليب، وأن القائمين على السوق المحلية توجهوا إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء لتعزيز التعاون الغذائي، وبالتحديد أوغندا التي تعتبر أحد أكبر المنتجين للألبان في المنطقة، حيث تم إطلاق أول شحنة من مسحوق الحليب الأوغندي نحو السوق الجزائري، في خطوة تعكس تحوّلا إستراتيجيا في خارطة واردات البلاد من هذا المنتج الحيوي”.
وأطلقت الجزائر رسميا عملية التموين من أوغندا، في خطوة تعكس رغبتها في تقليص الاعتماد على السوق الأوروبية والفرنسية تحديدا، وتنويع مصادر تموينها بهذا المنتج الحيوي الذي يمس الأمن الغذائي الوطني.
وكان الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني قد أكد أن “الجزائر أبدت اهتماما بشراء كميات من الحليب تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار، وأن هذا التعاقد يشكل فرصة إستراتيجية لبلده بعدما رفضت كينيا، في وقت سابق، استقبال الحليب الأوغندي بسبب تأثيره السلبي على السوق المحلية، ما دفع كمبالا إلى فتح قنوات تجارية جديدة مع شركاء غير تقليديين على غرار الجزائر.”