"رافل".. ملحمة بصرية تحكي وجع تونس المنسي

مسلسل "رافل" سيترك بصمة في تاريخ الدراما التونسية، كونه ليس مجرد مسلسل تلفزيوني، بل هو ملحمة بصرية فريدة من نوعها.
الأربعاء 2025/03/26
قصة حقيقية لرجل عاش أخطر الأزمات

تونس- حقق المسلسل التونسي “رافل” الذي يعرض على قناة “الوطنية الأولى” (التلفزيون الرسمي التونسي) نجاحا لافتا أثناء عرضه في شهر رمضان.

ويتناول المسلسل قصة حقيقية لشاب ولد في تونس، وهاجر مع والديه إلى إيطاليا في سن العاشرة خلال ستينات القرن الماضي، لكنه فقد والديه، وعاش في دار للأيتام حيث قضى طفولته.

وعند وصوله إلى مرحلة الشباب عاد إلى وطنه، فاعتقلته الشرطة التونسية وألحقته بالتجنيد الإجباري، المعروف باللهجة التونسية بـ”الرافل”، وأرسلته إلى التدريب جنوب غرب تونس، ليعيش هناك أحداث قفصة الأليمة سنة 1980 والتي تعرضت فيها تونس لمحاولة خطيرة لزعزعة أمنها ووحدتها.

ربيع التكالي: المسلسل يجمع بين القصة المؤثرة والصورة والأداء المميزين
ربيع التكالي: المسلسل يجمع بين القصة المؤثرة والصورة والأداء المميزين

المسلسل بطولة أسامة كشكار وعبدالمنعم شويات، ومحمد السياري، وناجية الورغي، والصادق حلواس، ومرام بن عزيزة، وروضة المنصوري، وإخراج ربيع التكالي.

وقال التكالي في تصريح له إنه لم يعتمد في “رافل” على الحوارات المطولة أو المشاهد الميلودرامية المعتادة، بل اعتمد على الصورة البصرية كأداة أساسية للتعبير عن معاناة الشخصيات وهمومها، وكل لقطة في المسلسل تحمل في طياتها دلالات عميقة، وتعكس حالة نفسية أو اجتماعية معينة.

وأضاف “استخدمت في المسلسل تقنيات سينمائية متقدمة، مثل حركة الكاميرا المعقدة وزوايا التصوير المبتكرة، لخلق أجواء مشحونة بالتوتر والغموض، كما تم توظيف الإضاءة والألوان لخلق تباين بصري يعكس التغيرات الزمنية والمكانية في القصة.”

وتابع التكالي أن مسلسل “رافل” سيترك بصمة في تاريخ الدراما التونسية، كونه ليس مجرد مسلسل تلفزيوني، بل هو ملحمة بصرية فريدة من نوعها، جمعت بين القصة المؤثرة والصورة البصرية المبتكرة والأداء التمثيلي المتميز.

وعبّر التكالي في تصريح له إثر عرض عمله الدرامي الجديد عن سعادته بالتفاعل الإيجابي من الجمهور التونسي بعد عرض المسلسل، مؤكدًا أن هذه الدراما مستوحاة من قصة حقيقية، ما جعلها أكثر تأثيرًا لدى المشاهدين. وكشف عن تواصله مع الشخصية الحقيقية لرعد، الذي تابع الحلقة الأولى لكنه رفض الظهور في أيّ مشهد من العمل.

أما بطل المسلسل أسامة كشكار، فقد أوضح في تصريح إعلامي سابق أن شخصية “رعد” استحوذت على اهتمامه منذ تسلّمه للسيناريو، معبرًا عن فخره بالتعاون مجددًا مع المخرج ربيع التكالي للمرة الرابعة.

وتدور أحداث “رافل” في ثلاث مراحل زمنية مختلفة من تاريخ تونس: الستينات، والثمانينات، والألفينات، متناولًا التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها البلاد وهو يتابع شخصياته ومصائرهم التي تتقاطع وتتوازى، وهو ما يجعل من العمل نافذة على مراحل مؤثرة من تاريخ تونس، واستعادة خيالية لأحداث تاريخية حقيقية ربما نسيها التونسيون.

عمل يسلط الضوء على حدث تاريخي منسي
عمل يسلط الضوء على حدث تاريخي منسي

يعود المسلسل إلى أحداث قفصة قبل خمسة وأربعين عاما من الآن، وهي عملية مسلحة وقعت في الليلة الفاصلة بين 26 و27 يناير 1980 وهي نتيجة لتبعات إلغاء اتفاقية الاتحاد بين تونس وليبيا سنة 1974 التي أمضاها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والعقيد معمر القذافي وقد قام بتنفيذها ستون مسلحا دخلوا الأراضي التونسية عن طريق أقصى جنوب الحدود الجزائرية وكانوا قادمين من طرابلس الليبية.

وهاجمت هذه المجموعة مراكز الشرطة والحرس وثكنتين بمدينة قفصة وتمكنوا من السيطرة على بعض المواقع ثم وجهوا دعوة لأهالي قفصة للانضمام للثورة المسلحة والإطاحة بالنظام البورقيبي ظنًا منهم أن العملية ستتحول إلى ثورة عارمة تنطلق من قفصة إلى سائر مناطق البلاد لكن السكان لم يستجيبوا لنداء التمرد ففشلت المجموعة خاصة مع تدخل قوات الأمن والجيش.

هذا الحدث التاريخي المنسي لا يمثل محور مسلسل “رافل” بقدر ما يعتبر مساحة للإطلالة على التاريخ الاجتماعي والسياسي لتونس، واستعادة لفترة تاريخية مهمة بكل تفاصيلها، خاصة منها العلاقات بين الأفراد وحركية المجتمع التونسي الذي كان يبني حداثته رغم كل التقلبات التي مر بها.

ورغم أن المسلسل يعتمد على التاريخ في جزء منه فلا يمكننا اعتبار “رافل” دراما تاريخية، إذ لم يكن الهدف الأساسي التوثيق للأحداث وإعادة تقديمها أو حتى صياغتها، وإنما كان التاريخ مساحة للخيال لإعادة رسم ملامح المجتمع التونسي وتونس التي كانت تشق طريقا مختلفا في بناء خصوصيتها الحضارية التي تمكنت من الصمود في وجه كل الأحداث والاضطرابات.

وقد لعبت الإضاءة والألوان دورا هاما في خلق الأجواء البصرية للمسلسل، الذي نجح في العودة إلى الماضي بأسلوب سلس ودون افتعال، فقد استخدم “التكالي” الإضاءة والألوان بشكل بارع لخلق تباين بصري يعكس التغيرات الزمنية والمكانية في القصة، وللتعبير عن الحالة النفسية للشخصيات.

13