راشد الغنوشي قيادي إسلامي انفض من حوله الشارع التونسي

زعيم حركة النهضة أوقف غداة تصريحات هاجم فيها داعمي الرئيس التونسي قيس سعيد.
الأربعاء 2023/04/19
الغنوشي يدفع ثمن مواقفه المتقلبة

تونس - لاقى خبر إيقاف زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي تفاعلا كبيرا في الشارع التونسي، ولم يخف كثيرون ارتياحهم لخبر الإيقاف، في موقف لم يبدُ غريبا، حيث إنه تربع خلال السنوات الأخيرة على عرش أسوأ السياسيين في تونس، وفق استطلاعات الرأي.

ولعب زعيم الحركة الإسلامية الذي تم توقيفه الاثنين، طويلا دور صانع الرؤساء بعد “الربيع العربي” في تونس، لكن صورته تشوّهت بفعل الممارسة السياسية، وباتت شريحة واسعة من التونسيين تحمّله مسؤولية مشاكل كثيرة آلت إليها البلاد في السنوات الأخيرة.

وأوقف الغنوشي (81 عاما) في منزله مع موعد الإفطار في شهر رمضان غداة تصريحات هاجم فيها داعمي الرئيس التونسي قيس سعيد، الذين وصفهم بـ”الاستئصاليين” و”الإرهابيين”.

وأضاف الغنوشي “لا تصوّر لتونس بدون طرف أو ذاك، تونس بدون نهضة، تونس بدون إسلام سياسي، تونس بدون يسار، أو أي مكوّن، هي مشروع لحرب أهلية، هذا إجرام في الحقيقة“، وأن “لا تسامح معه”.

والغنوشي الذي كان رئيس مجلس النواب المنحل، يعد أبرز معارض إن لم يكن أشدهم للرئيس سعيّد ويتهمه “بالمنقلب على ثورة 2011” التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العادين بن علي.

راشد الغنوشي شخصية مثيرة للجدل، فالبعض يصفه بالإسلامي المتشدد في حين يرى فيه آخرون سياسيا براغماتيا متلونا

وسعى الغنوشي الذي تجمعه علاقات متطورة مع قطر وتركيا إلى التواجد في السلطة منذ 2011، وإلى أن يكون حزبه ورقة أساسية في كل التحالفات السياسية التي تتولى السلطة في البلاد.

وكان تبعا لذلك حليفا مع الحزب الليبرالي “قلب تونس” ورئيسه رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي الملاحق قضائيا في تهم فساد وتبييض أموال، كما كان داعما للرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي في إطار ما عرف بـ”سياسة التوافق” لتأمين مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.

واصطدم بسعيد الذي علّق في يوليو 2021 البرلمان الذي كان يرأسه الغنوشي وأقال الحكومة المدعومة من النهضة، بعد أن وصلت البلاد في تلك الفترة إلى منزلق خطير، نتيجة الشحن السياسي والإعلامي بين الخصوم، وقد تحول حينها البرلمان المنحل إلى ساحة لتبادل اللكمات والعنف.

وكان الغنوشي طالب أنصاره في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في العام 2019، بالتصويت بكثافة لصالح قيس سعيّد، الذي فاز بغالبية كبرى أمام منافسه آنذاك رئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي.

زعيم حركة النهضة كان يعتقد حينها أنه سيسهل عليه تطويع سعيد الوافد حديثا على الساحة السياسية، والذي يحوز على شعبية لاسيما في أوساط الشباب، حيث يعتبرونه الأكثر مصداقية، بعد انعدام ثقتهم في الطبقة السياسية الموجودة.

زعيم الحركة الإسلامية الذي تم توقيفه الاثنين لعب طويلا دور صانع الرؤساء بعد "الربيع العربي" في تونس

وفي بداية نشاطه السياسي في السبعينات، كان الغنوشي يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، ثم تبنى فكر الإخوان المسلمين ليدعم لاحقا النموذج الإسلامي التركي بقيادة رجب طيب أردوغان.

ومنذ العام 2016، أعلن أن حزبه أصبح مدنيا وأصبح يقدم نفسه على أنه “مسلم ديمقراطي” ويدافع عن بعض الأفكار المحافظة.

وعاد الغنوشي الذي كان معارضا لنظامي كل من الرئيس الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، إلى تونس من لندن بعد عشرين عاما من المنفى، بعد سقوط نظام بن علي، واستقبله آنذاك الآلاف من أنصار حزبه ورددوا “طلع البدر علينا“.

واُنتقد “الشيخ”، كما يلقبه أنصاره، لغموض مواقفه تجاه تصاعد وتنامي المجموعات الجهادية إثر الثورة.

ويحمّله معارضوه مسؤولية صعود تيار السلفية الجهادية في تونس، خصوصا بعدما أدلى بتصريح صحافي في العام 2012، قال فيه إن “معظم السلفيين يبشرون بثقافة ولا يهددون الأمن”، قبل أن يعلن لاحقا أن “هؤلاء الناس يمثلون خطرا ليس على حركة النهضة فقط بل على الحريات العامة أيضا“.

ويعتبر الغنوشي شخصية مثيرة للجدل، فالبعض يصفه بالإسلامي المتشدد، في حين يرى فيه آخرون سياسيا براغماتيا متلونا مستعدا للتضحية بكل شيء مقابل البقاء في السلطة.

وتسببت التقلبات في مواقفه بتصدّع فريقه. وآخذ بعض أنصاره عليه أنه دعم قانونا مثيرا للجدل كان يقترح العفو عن مسؤولين في عهد بن علي متهمين بالفساد.

الغنوشي واجه منذ أن تولى رئاسة البرلمان إثر انتخابات 2019، معارضة شديدة من أحزاب ضده وكذلك من قيادات داخل حزبه

ومثُل منذ عام أمام قضاة التحقيق في إطار تحقيقات مختلفة وتهم وجهت له تتعلق بالفساد والإرهاب. لكنه ومع كل نهاية ساعات التحقيق الطويلة، خرج من مكاتب القضاة مبتسما رافعا شعار النصر أمام أنصاره، ومنتقدا “تطويع” الرئيس للقضاء “لتصفية خصومه السياسيين”.

وواجه منذ أن تولى رئاسة البرلمان إثر انتخابات 2019، معارضة شديدة من أحزاب ضده وكذلك من قيادات داخل حزبه دعته إلى التنحي عن السياسة وفسح المجال للقيادات الشابة في الحزب. لكنه لم يفعل.

ولد راشد الغنوشي واسمه الحقيقي راشد الخريجي في منطقة الحامة من محافظة قابس (جنوب) في عائلة متواضعة ودرس الشريعة ثم الفلسفة في القاهرة ودمشق.

وعاد إلى تونس نهاية الستينات، وبعدها أسس حزب “الاتجاه الإسلامي” في العام 1981، ليغيّر تسميته في العام 1989 إلى “حركة النهضة” خلال السنوات الأولى من حكم الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.

وحُكم عليه بالإعدام خلال نظام الرئيس الأول لتونس الحبيب بورقيبة وعفا عنه نظام بن علي في العام 1987، ليلاحق قضائيا على خلفية أحداث عنف شهدتها البلاد بعد ذلك، ويقرّر اللجوء إلى الجزائر ثم بريطانيا في العام 1991.

وانتهت ولايته الثانية على رأس الحزب في العام 2020 وطالبه العديد من القياديين بأن يتخلى عن منصبه قبل مؤتمر الحزب العام المرتقب في 2021. وترك بعضهم الحزب بعد رفضه.

4