رئيس مفوضية الانتخابات في ليبيا: غياب الدستور والتدخل الأجنبي يعرقلان إجراء الانتخابات

طرابلس- استبعد عماد السايح، رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، إمكانية إجراء انتخابات وطنية في البلاد على المدى القصير، مؤكدا وجود عدد من العراقيل التي تحول دون ذلك، أبرزها غياب الدستور المنظم لعملية تداول السلطة، والتدخل الأجنبي الهادف إلى الإبقاء على الوضع القائم.
ولايزال الليبيون يأملون في إجراء الانتخابات لإنهاء نزاعات وانقسامات تتجسد منذ مطلع 2022 في وجود حكومتين، إحداهما برئاسة أسامة حماد وكلفها مجلس النواب (شرق)، والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة ومقرها في العاصمة طرابلس (غرب)، وهي حكومة الوحدة المنتهية ولايتها الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.
وحسب ما ذكر موقع “بوابة الوسط” الليبي، أوضح السايح، في مقابلة أجراها المجلس الأطلسي، نُشرت الجمعة، أن “ما يعيق التقدم لحل الأزمة السياسية تمسك الأطراف المتنازعة بمصالحها والطموحات الأجنبية للحفاظ على السلطة”.
وحذر من أن “استمرار هذا النهج، في ظل غياب قيادة سياسية موحدة وواعية، سيؤدي إلى تفاقم الصراعات السياسية وتعميق الانقسامات الداخلية، وهذا الوضع يحمي مصالح الدول الأجنبية المنخرطة في الصراع، ويمنع أيّ تغييرات سياسية قد تهدد مصالحها”، مؤكدا أن “هناك مفهوما خاطئا ينتشر بين أصحاب المصلحة يعتبر الانتخابات هدفا في حد ذاته، وليست مجرد أداة تخدم التداول السلمي للسلطة، وهو منظور يخلق عقبات عدة أمام إجراء الانتخابات”.
◄ رئيس مفوضية الانتخابات يستبعد أن تؤثر استقالة أيّ مبعوث أممي أو استبداله في ليبيا على مسار الأزمة السياسية في ظل غياب إستراتيجية متماسكة
وتابع عماد السايح “أصحاب المصلحة المنخرطون في الأزمة الليبية، بمن فيهم المجتمع الدولي بقيادة بعثة الدعم الأممية، يعتبرون الانتخابات هدفا أكثر من كونها أداة. الجميع يعلم أن الانتخابات أداة تخدم الانتقال السلمي للسلطة، مما يستلزم تنفيذها ضمن بيئة سياسية توافقية، وإطار ثقافي يعزز الحد الأدنى من الأمن والاستقرار”، مضيفا “للأسف، تلك الشروط غائبة في الوقت الراهن من المشهد السياسي في ليبيا. وما دام هذا المنظور سائدا، فإن المسار صوب الانتخابات والتداول السلمي للسلطة سيواجه عقبات كبيرة، ما قد يؤدي إلى تأجيل أو حتى منع إجراء الانتخابات على المدى القصير”.
وسبق أن هدد مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على كل مَن يعرقل إجراء انتخابات طال انتظارها في ليبيا، مطالبا جميع الأطراف بالمشاركة في المسار السياسي دون شروط.
وقال أعضاء المجلس (15 دولة)، في بيان إن “الأفراد أو الكيانات مِمَن يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا أو يعيقون أو يقوضون استكمال عملية الانتقال السياسي بنجاح عبر عرقلة الانتخابات أو تقويضها، قد يتم إدراجهم على قوائم عقوبات مجلس الأمن”.
ورأى السايح أن “البيئة السياسية أصبحت معادية بشكل متزايد في ما يتعلق بالمبادئ الديمقراطية، ولاسيما الانتخابات”، موضحا أن “تلك الظاهرة تتعلق بعدد من العوامل، أسفرت عن نتائج سلبية، وعملت على تشكيل البيئة السياسية على مدى الـ12 عاما الماضية”.
ومن بين تلك العوامل، حسب السايح، غياب ثقافة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة داخل المجتمع الليبي، وغياب الدستور الذي ينظم عملية التداول السلمي للسلطة، وكذلك التدخل الأجنبي السلبي في شؤون البلاد، الذي يهدف إلى الحفاظ على مصالح بعض الدول، والإبقاء على الوضع القائم.
كما اعتبر السايح الأداء غير الفعال لغالبية من شغلوا منصب المبعوث الأممي لدى ليبيا أحد العوامل التي عرقلت إجراء الانتخابات حتى الآن.
◄ ما يعيق التقدم لحل الأزمة السياسية تمسك الأطراف المتنازعة بمصالحها والطموحات الأجنبية للحفاظ على السلطة
وبشأن القانون الانتخابي وإمكانية تعديله، أشار السايح إلى “الصعوبة التي تنطوي عليها هذه العملية بسبب تدخل الأطراف السياسية لعرقلة أيّ خطوة من شأنها أن تُنهي مسيرتها السياسية”، معتبرا أنه “في ظل غياب دستور دائم يحدد القواعد التشريعية الأولية للعملية الانتخابية في ليبيا، لم تقبل الأطراف السياسية المشاركة في الأزمة مواد وأحكاما محددة، خاصة تلك المتعلقة بمؤهلات المرشحين والنظام الانتخابي”.
وتابع “في الانتخابات الليبية من الشائع أن تعرقل بعض الأحزاب السياسية أيّ عملية انتخابية يمكن أن تُنهي مسيرتها السياسية. لذلك، فإن تعديل القوانين الانتخابية في ليبيا يمثل تحديًا أكبر بكثير من صياغتها في البداية”.
ويرى السايح أن البعثة التابعة للأمم المتحدة في ليبيا لم تملك خلال الـ12 عاما الماضية أيّ رؤية إستراتيجية للمضي قدما من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة الاستقرار الدائم، لافتا إلى أن “الرؤى المختلفة التي حملها كل مبعوث أممي لحل الأزمة السياسية، اعتمدت بدرجة كبيرة على القناعات والتصورات الشخصية التي ستتأثر بلا شك بسلوكه الشخصي من جهة، والحقائق السياسية الثابتة والمتغيرة على الصعيدين المحلي والخارجي من جهة أخرى”.
واستبعد رئيس مفوضية الانتخابات أن تؤثر استقالة أيّ مبعوث أممي أو استبداله في ليبيا على مسار الأزمة السياسية في ظل غياب إستراتيجية متماسكة قائلا “لقد فشل معظمهم في مهمتهم، ومن كان سينجح وجد نفسه أمام تحديات لم يكن بمقدوره التغلب عليها دون دعم دولي منقسم أيضا، ويكشف تحليل الإحاطات التي قدموها إلى مجلس الأمن، والتي تناولت الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، أن استقالة أيّ مبعوث واستبداله لن يكون له تأثير كبير دون وجود إستراتيجية متماسكة”.