رئيس مدينة زويل للعلوم: التخصصات البينية هي المستقبل

شريف صدقي يؤكد : "عبور الفجوة بين الأكاديمية والمجتمع أمر أساسي، والتكنولوجيا تحوّل البحوث العلمية إلى منتج صالح للتداول".
الجمعة 2018/12/28
نحن نغير مجتمعا ولابد أن يكون لدينا تأثير قوي

يجمع متابعون أن التعليم في مصر بحاجة ماسة إلى تطويره ليس فقط على مستوى المناهج بل من خلال إعادة صياغة منظومة تعليم جديدة تقطع مع نقاط الضعف فيه، وتراهن مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا على النهوض بالتعليم ومواجهة التحديات التي تعصف به من خلال تحفيز الطلبة على الاختراع والابتكار وإحداث مواءمة بين التخصصات، وفي حواره مع “العرب” أكد رئيس مدينة زويل شريف صدقي أن ردم الهوة بين ما هو أكاديمي وصناعي وعلمي وعبور الفجوة بين الأكاديمية والمجتمع خطوة أساسية لتطوير التعليم، ودعا إلى ضرورة استغلال التكنولوجيا لتحويل البحوث العلمية إلى حلول ناجعة يسهل تطبيقها في المجتمع.

القاهرة - يصعب على المرء أن يصدق في ظل التخبط في منظومة التعليم في مصر أن هناك صرحا تعليميا كـ”مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا” تمكن الطالب من الاستقلال في رؤاه وأفكاره لبناء عقليات علمية تستطيع سد الفجوة بين الأكاديمي والعلمي والصناعي والمجتمع، وأن يكون اختيار طلابها وأساتذتها وفقا لقواعد علمية ربما لا تتوفر في الجامعات الأكثر عراقة.

يترأس هذا الصرح العلمي د. شريف صدقي، الرئيس الأكاديمي السابق للجامعة الأميركية بالقاهرة، الحاصل على 13 براءة اختراع علاوة عن مقالاته العلمية وأبحاثه ومؤلفاته وفي مقدمتها كتابه عن التقنيات المختلفة لاندماج النظم الكهروميكانيكية الدقيقة مع الدوائر الكهربائية المحفزة.

والتقت “العرب” د. صدقي أثناء إعلان مؤسسة شومان للبحث العلمي لجوائزها للعام 2018، ثم كان هناك لقاء ثان بمدينة زويل بالقاهرة، للتعرف عن قرب على رؤاه العلمية وما تمثله المدينة لمستقبل مصر العلمي.

التميز العلمي

في هذا الصرح ليس مجرد حصول الطالب على مجموع كبير في المرحلة الثانوية كافيا لقبوله، وليس مجرد ترقي الأستاذ من دكتور إلى أستاذ مساعد وأخيرا أستاذ يؤهله للتدريس بجامعة المدينة ومعاهدها البحثية، إذ لابد من تمتع الطالب بفرادة في الاستجابة العلمية والأستاذ بالعمل البحثي العلمي المبتكر تنظيرا وتطبيقا، وقادرا على تحفيز الطلاب على الابتكار والاختراع.

هذه المدينة التي واجهت منذ انطلاقتها العديد من المشكلات والتحديات لكنها استطاعت بفضل إرادة أعضاء المجلس الاستشاري الأعلى لها من العلماء على مستوى العالم والمؤمنين بدورها من داعميها المصريين والعرب، تجاوز الكثير ومضت قدما في عملها الذي أسست من أجله.

تجهيزات مراكز البحوث
تجهيزات مراكز البحوث

ويوضح د. صدقي أن الفكرة الأساسية في المدينة هي البحث عن الطالب الموهوب المتميزـ ووضعه داخل المنظومة بغاية تحفيز الفكر النقدي والابتكاري لديه وفي نفس الوقت تسليحه بالعلوم الأساسية. ويشير إلى أن هناك فجوة كبيرة بين الأكاديمية والصناعة، والأكاديمية والمجتمع، مضيفا أن الحلول لحاجات المجتمع حلول مستوردة من الخارج، لذا لابد أن تعتمد على الأكاديمية لحل مشاكل المجتمع وتبني له صناعته، وتكفل حق المعرفة، وبتملكها تمتلك كل القوى الناعمة والخشنة، لذا فإن عبور الفجوة بين الأكاديمية والمجتمع أمر أساسي، وبالتالي لابد لخريج المدينة أن تكون لديه روح ريادة الأعمال. ويقول د.صدقي مشددا “نحن نغير مجتمعا، نغير فكر مجتمع، وبالتالي لابد أن يكون لدينا تأثير قوي”.

مدينة أم جامعة؟

يشدد رئيس مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، في حديثه، على ضرورة تسمية مدينة لا جامعة، مشيرا إلى أنه لا يوجد شيء اسمه جامعة زويل. ويوضح أن كلمة مدينة تحيل إلى معنى أشمل، وفي قلب المدينة هناك جامعة، اسمها “جامعة العلوم والتكنولوجيا”.

تم بناء هذه الجامعة بمفهوم مختلف، حيث ألغيت الحواجز بين الأقسام وليس هناك حدود بين التخصصات، حيث لابد للمهندس أن يتحدث مع الكيميائي والفيزيائي ورجل الأعمال وأستاذ العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيب.

ويؤكد د.صدقي أنه ليس هناك حصرا في تخصص، فالتخصصات البينية هي المستقبل لذا كان القرار الأول متمثلا في إذابة الحدود بين التخصصات المختلفة، فتم بناء جامعة بدون كليات أو أقسام، ومجموعة من البرامج الأكاديمية البينية.

قدمنا خليطا بين التخصصات الهندسية والعلمية التي تواكب أحدث ما توصل إليه العلم على مستوى العالم، وهدفنا العمل على إنجاز بحوث تطبيقية تمثل حلولا للمشاكل والتحديات التي تواجه المجتمع والدولة مثل فيروس سي، والسرطان

ويضيف “قدمنا خليطا بين التخصصات الهندسية والعلمية التي تواكب أحدث ما توصل إليه العلم على مستوى العالم، ولاكتمال المنظومة ربطنا كل برنامج من هذه البرامج بمعهد بحثي يناظره، هذه المعاهد البحثية هدفها العمل على إنجاز بحوث تطبيقية تمثل حلولا للمشاكل والتحديات التي تواجه المجتمع والدولة على المستوى الاستراتيجي مثل فيروس سي، والسرطان، والأمراض المتوطنة، الطاقة المتجددة، البيئة، التلوث.. إلخ”.

وفي رده على تساؤل حول كيف ستخرج هذه البحوث التطبيقية، الحلول للمجتمع، يقول د. صدقي إن ذلك يأتي من خلال “هرم التكنولوجيا”، وهي الأداة التي تأخذ إنجازات البحث العلمي وتحولها إلى منتج صالح للتداول في المجتمع، انطلاقا من عمل حماية الملكية الفكرية ودراسات الجدوى، ومن خلال التواصل مع الممولين بحيث يمكن أن تتحول إلى شركة، أو التواصل مع الشركات واستقطابها للعمل بهذا المنتج الجديد.

وتشكل هذه المركبات الثلاثة: الجامعة، المعاهد البحثية وهرم التكنولوجيا، عصب المدينة، وفق د.صدقي الذي يؤكد أن الطالب منذ التحاقه بالجامعة يمكنه الدخول إلى المعاهد البحثية وإجراء بحوثه، وعندما يتخرج تجده قد نشر بحثا على المستوى الدولي، أو أسس شركة.

ومن ثمة يمكن القول إن هناك تعديلا كبيرا في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، الأمر الذي يشجع على التفكير في النزول للتعليم الأساسي وإضافة مركب رابع بتأسيس مدرسة في المدينة لوضع الطفل في بيئة تسمح له باكتشاف قدراته ومواهبه وتمكنه من التفكير والإبداع، دون إكراه أو توجيهه نحو مسار إجباري.

بين الواقعي والعلمي

تصميم وتصنيع روبوت عالي الدقة
تصميم وتصنيع روبوت عالي الدقة

حول ترجمة هذا كله إلى واقع، يوضح د.صدقي قائلا “تم تصميم المدينة بما يساعد على تحقيق رؤيتها ومهمتها من خلال هيكل يوحد محاورها الخمسة، في القلب هناك الجامعة على شكل قوس يخرج منه إشعاع يمثل المراكز البحثية تحمل دلالة التواصل بين الجامعة والمراكز البحثية، والمبنى الثقافي والإداري، والمبنى السكني للطلاب وهو سكن فندقي يضم ألف غرفة تستوعب ألفي طالب، واخترنا للمدرسة موقعا يواجه القرية الكونية، وهناك مبنى المعامل.

ونجد أيضا المساحات الخضراء التي حول المدينة وداخلها نجري على تربتها بحوثا لكي نستزرعها بأشجار مثمرة، إنها منظومة متكاملة يتشكل داخلها الطالب ومنتجه العلمي الذي يخرج عبر هرم التكنولوجيا إلى العالم الخارجي”.

وتعتمد المدينة في تمويلها بشكل كبير على التبرعات، التي تسد الفجوة بين تكلفة الطالب الحقيقية وما يدفعه من مبالغ تعد رمزية.

ويلفت د.صدقي إلى أن مجموع الطلاب في الثانوية العامة لا يدل على نبوغ أو إمكانيات الطالب، فالمجموع نتيجة الدروس الخصوصية والحفظ والتلقين، لذا فإن الدخول لمدينة زويل تتم وفقا لمقاييس واختيارات، في مقدمتها مجموع العلوم الأساسية: الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات.

ويضيف أن النتيجة قد تكون غير متوقعة فأحيانا طلاب مجموعهم في الثانوية العامة 100 بالمئة أو 90 بالمئة، لا يتم قبولهم في حين يتم قبول طالب حاصل على 83 بالمئة، ومن ثم فإن اختبارات القبول تتم من خلالها غربلة الطلاب، والمقبولون هذا العام يمثلون 25 محافظة مصرية.

وتعتبر فرص التدريب في مجال الصناعة مكونا إلزاميا في جميع برامج الجامعة العلمية والهندسة، حيث يجب على الطلاب الانضمام إلى إحدى المؤسسات الصناعية لتقوية مهاراتهم العلمية. ويشدد د. صدقي على أن المدينة تسعى إلى تسخير البحث العلمي لإيجاد حلول علمية ومبتكرة لمشكلات المجتمع المصري، ومن ثم ردم الفجوة ما بين الأكاديمي والمجتمع، وتحقيق حق الملكية الفكرية بعيدا عن النقل والتقليد عن الأميركيين والصينيين وغيرهم.

تصميم وتصنيع سيارة آلية للكشف عن الألغام
تصميم وتصنيع سيارة آلية للكشف عن الألغام

ويلفت إلى تحقيق النجاح في تقديم مجموعة من الابتكارات الحديثة في مجالات هامة مثل علاج الأمراض المتوطنة مثل فيروس سي ومرضى السكري، والتلوث البيئي الناتج عن حريق المخلفات وتحسين جودة مياه المزارع السمكية وزيادة الإنتاج وغيرها من الموضوعات الاستراتيجية التي تمس قطاعا عريضا من المجتمع المصري والعربي.

ويكشف د.صدقي عن إنجازات الطلاب والأساتذة مشيرا إلى أن طلاب قسم الهندسة بالمدينة قاموا بتصميم وتصنيع ذراع روبوت بست درجات حرية (DOF) للقيام بعملية تجميع وتركيب بأعلى درجة من الكفاءة من حيث قابلية التحقيق والمناورة والتحكم وجودة التصنيع والتصميم، وبينما يصل سعر هذا الروبوت في السوق إلى أكثر من 1500 دولار يقدر سعر روبوت المدينة بـ300 دولار فقط.

ويمكن استخدام هذا الروبوت لأداء أي مهمة في مجال الصناعة وخطوط التجميع ومجالات البحث العلمي المختلفة والتجارب بضمان الدقة والكفاءة. ويستخدم الجهاز رقائق جزيئية رقمية لإتاحة الاختبار في نقطة الرعاية الذي يمكن إجراؤه في أي مكان بتكلفة أقل من 25 دولارا وهي تكلفة منخفضة جدا مقارنة بالتقنيات المتاحة التي قد تكلف أكثر من 100 دولار للحصول على نتائج تحاليل مماثلة.

وتوصل طلاب قسم تكنولوجيا النانو إلى تكنولوجيا جديدة لاكتشاف فيروس التهاب الكبد الوبائي بتطوير جهاز موفر للتكلفة والوقت يقوم بكشف عدة أمراض منها التهاب الكبد الوبائي والإيدز عن طريق أخذ عينة دم فقط. وكذلك تم التوصل إلى ضمادة نانوية ذكية متعددة الطبقات واقتصادية لمعالجة فعالة لجروح مرضى السكري، كما تم تطوير حبيبات صديقة للبيئة مصنوعة من مواد قابلة للتحلل لتنقية المياه الجوفية من المعادن الثقيلة مثل الحديد.

وفي تعاون مشترك بين أقسام علوم المواد وتكنولوجيا النانو تم ابتكار مستشعر حيوي جديد عالي الكفاءة يعمل على قياس تركيز الغلوكوز في الدم بدقة عالية تفوق الأجهزة المتاحة بالأسواق، كما يمكن تطبيق هذه التقنية في الكشف عن الأمراض المعدية وكذلك الكشف المبكر عن أنواع السرطان المختلفة.

12