رئيس الوزراء العراقي يمهد طريق زيارته إلى واشنطن بخفض التوتر مع أربيل

تجاوز ضوابط المحكمة الاتحادية في صرف رواتب موظفي إقليم كردستان لتجنب الضغوط الأميركية.
الجمعة 2024/04/05
بلا سند أو أوراق ضغط

صدور قرار الحكومة العراقية بشأن رواتب موظفي إقليم كردستان قبل زيارة محمد شياع السوداني إلى الولايات المتّحدة لا يبدو محض صدفة بقدر ما هو قرار مدروس هادف إلى خفض التوتر بين الحكومة الاتّحادية وسلطات الإقليم لتجنّب ضغوط شرعت دوائر أميركية في تسليطها على السوداني حتى قبل الزيارة.

أربيل - فتح إعلان وزارة المالية في الحكومة الاتحادية العراقية باب التهدئة مع حكومة إقليم كردستان، في خطوة رأى متابعون للشأن العراقي أنّها مرتبطة بالزيارة التي سيقوم بها رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني إلى الولايات المتّحدة في منتصف الشهر الجاري، ومن المتوقّع أن يتعرّض خلالها لضغوط كبيرة من قبل إدارة جو بايدن بسبب ما تمارسه بغداد من تضييقات سياسية ومالية على أربيل بدفع من قوى شيعية حليفة لإيران ومُشاركة بقوّة في حكومة السواني.

وتجاوزت الوزارة الشرط الإجرائي الذي فرضته المحكمة الاتّحادية العراقية على طريقة صرف رواتب موظفي الإقليم والمتمثّل في إيصالها إلى مستحقيها عن طريق مجموعة من المصارف العراقية بدل تحويلها إلى حكومة الإقليم لتوزيعها عليهم.

وشكّل ذلك انتصارا جزئيا لسلطات الإقليم التي يقودها بشكل رئيسي الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني، وذلك نظرا لما ينطوي عليه الأمر من تنازل من قبل السلطات الاتّحادية يؤشّر إلى بوادر لين من قبلها قد تفتح الطريق لتنازلات في ملفات أخرى على رأسها ملف انتخابات برلمان الإقليم  التي أدى تدخل المحكمة الاتحادية في القانون الخاص بها وطريقة إجرائها إلى إعلان الحزب الديمقراطي مقاطعتها.

وتسبب الضغوط المسلطة من قبل السلطات العراقية على إقليم كردستان قلقا لدى الولايات المتّحدة على مصير الإقليم الذي كانت قد وقفت أصلا وراء تحويله إلى إقليم متمتّع بحكم ذاتي، وتقيم تحالفا وثيقا مع قيادته.

مصطفى سند: حكومة الإقليم ابتزت السوداني باستخدام زيارته إلى واشنطن
مصطفى سند: حكومة الإقليم ابتزت السوداني باستخدام زيارته إلى واشنطن

ويتوقّع أغلب الملاحظين أن يكون موضوع العلاقة بين الحكومة العراقية وحكومة الإقليم ملفا رئيسيا ضمن مجموعة الملفات التي سيناقشها المسؤولون الإميركيون مع السوداني خلال زيارته الوشيكة إلى الولايات المتّحدة.

وكانت بوادر الضغط على السوداني قد لاحت بشكل مبكّر من خلال رسالة وجهها عدد من المشرّعين الأميركيين إلى الرئيس بايدن لاموه فيها بشدّة على توجيهه الدعوة لرئيس الوزراء العراقي، مشيرين بوضوح ضمن مآخذهم على تلك الدعوة إلى ما تمارسه حكومته من ضغوط وتضييقات على إقليم كردستان اعتبر هؤلاء المشرّعون أن إيران هي من تقف وراءها.

وأصبح تركيز بغداد على الملف الاقتصادي والمالي في العلاقة مع أربيل بمثابة ضغط مباشر على شريان حيوي لإقليم كردستان العراق ما يهدّد كيانه الدستوري.

فبالإضافة إلى تشدّد الحكومة العراقية في موضوع حصّة الإقليم من موازنة الدولة الاتحادية، وموضوع رواتب موظفي الإقليم، تمكّنت حكومة بغداد من وقف تصدير النفط المنتج في الإقليم عبر خطّ الأنانيب الواصل بين كركوك وميناء جيهان التركي.

وترغب الولايات المتّحدة في أن ترى حلفاءها أكراد العراق يتمتّعون بموارد مالية ثابتة تضمن الاستقرار والتماسك لإقليمهم.

ولهذا تبذل واشنطن مساعي لدى بغداد لإجل استئناف تصدير نفط إقليم كردستان عبر الميناء التركي.

ووضعت السفيرة الأميركية لدى العراق ألينا رومانوسكي مناقشة موضوع استئناف التصدير ضمن التحضيرات لزيارة السوداني إلى الولايات المتحدة.

وقالت عبر منصّة إكس “تحضيرا لزيارة رئيس الوزراء السوداني إلى الولايات المتحدة، ناقشت مع حيان عبدالغني وزير النفط العراقي استقلالية العراق في مجال الطاقة بما يعود بالنفع على العراقيين”، مضيفة قولها “الاستفادة من النفط والغاز الموجودين في إقليم كردستان يمكن أن تساعد العراق على تحقيق الاستقلالية”.

وسبق للسفيرة أن دعت كذلك إلى إيجاد حلول جذرية ومستدامة لقضية حصة إقليم كردستان من الموازنة العراقية ولرواتب موظفي الإقليم.

وقبل نحو عشرة أيام على زيارة السوداني لواشنطن، أعلنت وزارة المالية العراقية، الخميس، عن إطلاق تمويلات رواتب إقليم كردستان لشهر مارس الماضي.

وقالت الوزارة في بيان “استنادا إلى توجيهات رئيس مجلس الوزراء وموافقة وزير المالية طيف سامي، وبناء على ما جاء في كتاب المحكمة الاتحادية، أطلقت دائرة المحاسبة في وزارة المالية، تمويلات الرواتب لموظفي إقليم كردستان المدنيين ومستحقات المعاقين في مديريات شبكة الحماية الاجتماعية والرعاية والتنمية الاجتماعية ورواتب المتقاعدين المدنيين والعسكريين ومستحقات شؤون الشهداء والمتعاقدين ومستحقات دوائر الإقليم، وذلك ضمن التخصيصات المالية لشهر مارس لسنة 2024”.

وأضاف البيان “تشير الوزارة إلى أنها قد أبلغت المحكمة الاتحادية وديوان الرقابة المالية الاتحادي بإطلاق تمويلات رواتب المستفيدين في الإقليم لشهر مارس، وذلك لكون آلية إنجاز توطين رواتبهم تتطلب فترة زمنية إضافية”.

ويُقصد بتوطين الرواتب تحويلها إلى مصارف تابعة للدولة العراقية بدل تسليمها لحكومة الإقليم، وذلك وفقا لقرار اتخذته مؤخّرا المحكمة الاتحادية العراقية على خلفية شكوك في وجود تلاعب بالرواتب وبأرقام من يتقاضونها.

لكن شرط التوطين تمّ تجاوزه في إطار مرونة السلطات الاتحادية لحل قضية الرواتب ولو ظرفيا بمناسبة زيارة السوداني إلى الولايات المتحدة.

وورد أيضا في ذات البيان “تجدد الوزارة التأكيد على أن تتحمل حكومة إقليم كردستان المسؤولية القانونية عن صحة ودقة المعلومات والبيانات المقدمة أمام الجهات والهيئات الرقابية والقانونية”.

ورحبت حكومة الإقليم بقرار الوزارة وشرعت في تسويقه باعتباره إنجازا كبيرا لها.

وجاء في بيان لرئيس الحكومة مسرور بارزاني “بفضل الله تعالى وبالإرادة الصلبة لمواطنينا الأحبة، توصلنا إلى حلّ مناسب لمسألة تخصيص رواتب الموظفين في إقليم كردستان، وذلك بعد مساع حثيثة وجهود مكثفة بذلها فريق حكومة الإقليم بالتعاون الوثيق مع فريق رئيس وزراء الحكومة الاتحادية”.

وأضاف البيان “أودّ أن أتقدم بخالص شكري وتقديري لرئيس الوزراء الاتحادي ولجميع القوى والأطراف التي ساندتنا ودعمتنا من أجل تجاوز هذه العقبات والمعوقات معا”.

ونظرت أوساط عراقية لقرار الحكومة الاتحادية بشأن رواتب الإقليم باعتباره تنازلا كبيرا لحكومة الأخير، كما ربطته بزيارة السوداني إلى واشنطن.

وعلق النائب العراقي مصطفى سند بالقول عبر صفحته في فيسبوك “أبارك للمسؤولين في حكومة إقليم كردستان بمناسبة نجاح حملتهم على رئيس الوزراء وعلى القوى السياسية الحاكمة والتي أسفرت عن الموافقة على إطلاق 920 مليار دينار شهريا بدون توطين وبدون شرط تسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية”.

وأضاف قوله “أحييهم لأنهم فهموا نقطة ضعف رؤساء الوزراء بأنهم يريدون تجديد الولاية الثانية لهم، وكذلك لنجاح مؤامرتهم في الكونغرس الأميركي ضدّ زيارة رئيس الوزراء وابتزازه بتعطيل زيارته في حال لم يصرف المبالغ بدون شرط أو قيد”.

قبل نحو عشرة أيام على زيارة السوداني لواشنطن، أعلنت وزارة المالية العراقية، الخميس، عن إطلاق تمويلات رواتب إقليم كردستان لشهر مارس الماضي

ويشير النائب بحديثه عن الكونغرس الأميركي إلى رسالة وجهها قبل أيام السيناتور الأميركي توم كوتون وسبعة مشرعين آخرين إلى إدارة بايدن عبّروا فيها عن قلقهم العميق إزاء استضافة رئيس الوزراء العراقي قريبا في البيت الأبيض.

وخاطب المشرّعون بايدن قائلين في رسالتهم “بينما قمت بدعوة رئيس الوزراء العراقي لزيارة واشنطن، فقد رفضت الاجتماع مع رئيس وزراء كردستان مسرور بارزاني، وهو شريك مهم ومُستضيف لأكبر عدد من القوات الأميركية في المنطقة”.

وأشاروا في الرسالة إلى توتّر العلاقة بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان معتبرين الضغوط المسلطة على سلطات الأخير جزءا من سياسة إيران في العراق. وقالوا في رسالتهم إنّ “الحكومة العراقية تعمل بنشاط مع طهران ضد حلفائنا الأكراد، بما في ذلك قطع الأموال الحكومية عنهم وإغلاق خط الأنابيب بين العراق وتركيا الذي يمثل مصدرا لمعظم موارد اقتصاد كردستان”.

وطالب المشرّعون بايدن بالضغط على “الحكومة العراقية لاستئناف تمويل إقليم كردستان والبيع الفوري لخام كردستان الموجود بالفعل في ميناء جيهان وإنشاء دورة كاملة من مبيعات النفط والمدفوعات إلى كردستان ومستثمريها في مجال النفط”.

وسيكون السوداني خلال زيارته إلى الولايات المحدة تحت ضغطين متقابلين؛ ضغط إدارة بايدن بشأن عدة ملفات من ضمنها علاقة حكومته مع أكراد العراق، وضغط القوى السياسية العراقية المساهمة في تشكيل الحكومة والمعنية بالمزايدة على رئيس الوزراء ومحاولة إضعاف علاقته بواشنطن حتى لا تكون داعمة له على حساب زعماء تلك القوى.

ووصف ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي زيارة السوداني لواشنطن بأنها فخ، قائلا إن رئيس الوزراء يفتقر خلالها إلى أوراق الضغط على الإدارة الأميركية.

وقال القيادي في الائتلاف سعد المطلبي في تصريحات نقلتها مواقع إخبارية محلية إن “زيارة السوداني إلى واشنطن ستكون بروتوكولية على اعتبار وجود محادثات حالية بخصوص ملف إخراج جميع القوات الأجنبية من الأراضي العراقية”، متوقعا “عدم التطرق إلى هذا الموضوع خلال زيارة رئيس الوزراء”.

وأضاف أن “السوداني لا يملك أوراق ضغط في التعامل مع الجانب الأميركي، بل إن واشنطن ستضع بعض الشروط التي ستفرض على السوداني تنفيذها”، مرجحا أن “يتم تكبيل السوداني خلال الزيارة  ببعض السياسات المؤثرة على ملفات داخلية في العراق”.

3