رئيس الوزراء العراقي يستميل العرب السنة تعويضا عن خسارته المحتملة لدعم الأكراد

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي حظي طوال فترة قيادته للسلطة التنفيذية بمساندة من قبل قيادة المكون الكردي سهلت عليه القيام بمهامه وإيجاد الحلول للكثير من الملفات والقضايا، وجد نفسه في نهاية ولايته، وبدفع من كبار شركائه في السلطة من أبناء عائلته السياسية الشيعية، أمام محذور خسارة تلك المساندة في مرحلة انتخابية حساسة، الأمر الذي يحتّم عليه الإسراع بالبحث عن بدائل في سياق سعيه للحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة.
الرمادي (العراق)- اختار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني محافظة الأنبار، أحد المعاقل الأساسية الكبيرة للمكون السني، وجهة لزيارة قام بها الإثنين إلى المحافظة واعتبرها متابعون للشأن العراقي جزءا من نشاطه الانتخابي المبكر استعدادا لانتخابات نوفمبر القادم، مؤكدين أن هدفها استمالة العرب السنّة والحصول على مساندتهم لتجديد ولايته على رأس الحكومة، وذلك تعويضا عن خسارته المحتملة لمساندة المكوّن الكردي وقيادته الغاضبة بشدّة من قرار حكومته وقف رواتب إقليم كردستان بذريعة تجاوز الإقليم حصته من الموازنة الاتّحادية.
وتصنّف مصادر سياسية مطّلعة في بغداد الخلاف بشأن قضية الرواتب ضمن الإكراهات التي فرضتها قوى شيعية متنفّذة، من أحزاب وفصائل مسلحة موالية لإيران، على رئيس الوزراء الذي لم يكن، لو ترك الاختيار له، ليخوض في مثل تلك القضايا الخلافية المثيرة للتوترات في فترة المسير نحو الانتخابات، الأمر الذي يعسّر من مهمة السوداني في توسيع دائرة داعميه خلال الانتخابات وبعدها حين يكون في أمسّ الحاجة لأكبر عدد ممكن من الحلفاء للوصول مجدّدا إلى المنصب الذي يشغله حاليا.
وكرّس هذه القراءةَ لزيارة الأنبار وأهدافها، كونُها، بحسب مصادر عراقية، لم تكن زيارة رسمية ولم يتمّ التنسيق المسبق بشأنها مع السلطات التابعة للحكومة المحلية في الأنبار وتمّ التوجّه من خلالها إلى الأوساط الشعبية عبر وجهاء وشيوخ عشائر خصهم السوداني بلقائه والتحاور معه.
ونقلت وكالة شفق نيوز الإخبارية عن مصدر في مجلس محافظة الأنبار، طلب عدم الكشف عن اسمه، قوله إنّ “زيارة السوداني إلى المحافظة لم تندرج ضمن السياقات الرسمية ولم يتم رفع علم مجلس المحافظة خلالها، ما يدل على أنها لم تكن مخصصة للتنسيق أو العمل المؤسسي مع المجلس.”
وأضاف أن “استقبال السوداني عددا من الشخصيات المعروفة بانتقاداتها للحكومة المحلية، وعلى رأسها حميد الهايس وأركان الطرموز، يعطي إشارات إلى سعي رئيس الوزراء لإحداث نوع من التوازن في المشهد السياسي داخل المحافظة.”
ومن جهته قال المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء عبر موقعه في منصّة إكس إنّ السوداني “وصل إلى مضيف قبيلة البوذياب في محافظة الأنبار والتقى بعدد من شيوخ ووجهاء المحافظة بمناسبة عيد الأضحى المبارك.”
ولخص أبرز ما جاء في حديث رئيس الوزراء لتلك الشخصيات ذات الخلفية العشائرية بالأساس، مشيرا إلى أنّ السوداني أخبر مضيفيه بوضعه “خطة خاصة بكل محافظة تتناسب مع أوضاعها الخدمية والاقتصادية،” ومؤكّدا أنّ “لدى الأنبار إمكانات وفرصا عديدة، وأنّ الحكومة قدمت دعما كبيرا للحكومة المحلية لإكمال المشاريع المتلكئة واستحداث مشاريع جديدة.”
ويقيم رئيس الوزراء العراقي دعايته الانتخابية التي شرع فيها بشكل مبكّر على تقديم حكومته باعتبارها كانت مختلفة عن سابقاتها في مجال إعادة تنشيط التنمية وإطلاق مشاريعها بعد أن كانت في حالة توقّف شبه تام على مدى العشريتين الأخيرتين.
وينطوي الحديث عن التنمية في المحافظات السنية العراقية على جاذبية خاصة كون تلك المحافظات عانت بالفعل حالة من التهميش على يد الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2003 انعكست على أوضاع سكانها الذين مثل انتشار الفقر والبطالة بينهم أرضية لانتشار التشدّد والإرهاب الذي بلغ مداه مع ظهور تنظيم داعش وما أحدثه من دمار هائل لمناطقهم التي لا تزال بحاجة ماسة إلى إعادة الإعمار.
وقال السوداني في حديثه لوجهاء الأنبار إنّه وضع استثمار الغاز في المحافظة في سلّم أولويات حكومته ووجه بإكمال مشروع حقل عكاز الذي سيؤمن الوقود لمحطة الأنبار الغازية.
كما يقيم رئيس الوزراء تلك الدعاية الانتخابية على أساس أنّ مشروعه يقوم على أسس وطنية شاملة وعابرة لحدود الطوائف والقوميات. وقال في هذا السياق وفقا لما أورده مكتبه إنّ عمله “يحظى بدعم القوى الوطنية والعشائر.”
غير أنّ مدى توفّق السوداني في إحداث حالة من الوفاق حول شخصه من قبل جميع المكونات العراقية يظل أمرا صعب التحقّق كون الرجل مقيّدا في سياساته، بما في ذلك ما يتعلّق بتلك المكونات، بنزعات طائفية لدى شركاء كبار له في السلطة ينضوي أبرزهم ضمن الإطار التنسيقي المشكّل للحكومة ذاتها.
وما يعقّد من مهمة رئيس الوزراء كون بعض السياسات التي يجد نفسه مضطرا إلى ممارستها والقرارات التي قد تجبر حكومته على إصدارها قد تأتي مضادة تماما لجهوده في استرضاء المكونات ومراعاة مصالحها وتلبية حاجاتها الضرورية، وهو ما ينطبق بوضوح شديد على القرار الحكومي بوقف رواتب إقليم كردستان العراق والذي جاء بمثابة عقاب جماعي لسكّان الإقليم.
وتسبّب القرار المذكور في فتور كبير في العلاقة بين السوداني وحكومته وسلطات الإقليم التي يقودها بشكل رئيسي الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي عبّرت قيادات بارزة فيه عن امتعاضها الشديد وغضبها من القرار، وصولا إلى التلويح باتخاذ قرارات قصوى في حال لم يتمّ التراجع عنه، حيث قال القيادي في الحزب هوشيار زيباري إنّ “وقف تمويل رواتب إقليم كردستان لن يمر مرور الكرام ودون عواقب.”
وتساءل في تعليق عبر منصة إكس “ما هي مصلحة السوداني ومصلحة الإطار التنسيقي الحاكم في تفجير أزمة تمويل رواتب موظفي الإقليم في هذا الوقت بالذات، والبلد مقبل على انتخابات وطنية،” معتبرا أن القرار “سياسي ومبرمج ضد الإقليم الدستوري بامتياز وستكون له عواقب بلا شك.”
وإجابة عن هذا التساؤل يقول متابعون للشأن العراقي إنّ الجهات الأكثر استفادة من تفخيخ علاقة رئيس الوزراء بحلفائه الأكراد العراقيين هي تلك القوى والشخصيات المنافسة له من داخل العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها على المنصب التنفيذي الأهم في الدولة العراقية والمعنية بقطع طريق عودته إليه في ولاية ثانية إثر الانتخابات البرلمانية القادمة.