رئيس الوزراء العراقي يتجنب الخوض في صراع المالكي والعامري في ديالى ويصرف جهوده نحو كركوك

الوضع في المحافظتين حجر عثرة في طريق استكمال المخطط الحكومي للتنمية وبسط الاستقرار.
الجمعة 2024/07/26
البحث في كركوك عن تحقيق اختراق غير متاح في ديالى

محافظتا كركوك وديالى تواجهان المشكلة نفسها لجهة تعذّر تشكيل حكومتيهما المحليتين للأسباب ذاتها المتمثلة في صراع القوى السياسية على المناصب القيادية فيهما، ومع ذلك تختلف معالجة حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لملفيهما تبعا لأهمية ونفوذ القوى المتصارعة وقدرة قياداتها على التأثير في الحكومة.

بغداد - يبذل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني جهودا استثنائية لحلّ مشكلة تعذّر تشكيل الحكومة المحلية لمحافظة كركوك بعد مضي أكثر من نصف سنة على إجراء انتخابات مجالس المحافظات في البلاد، فيما يتغاضى عن المشكلة نفسها القائمة في محافظة ديالى وذلك لتفادي الخوض في صراع طرفين سياسيين نافذين بشكل كبير داخل الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل لحكومته.

ويتصارع على منصب محافظ ديالى كلّ من نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، زعيم حزب الدعوة الإسلامية وائتلاف دولة القانون، وهادي العامري قائد ميليشيا بدر.

بينما تتصارع على المناصب القيادية في مجلس محافظة ديالى قوى وتكتلات حزبية وعرقية وطائفية ذات حضور مهم في المشهد السياسي العراقي، لكنّها أقل قوة وتأثيرا من المالكي والعامري، الأمر الذي يجعل السوداني يحاول التوسط بينها دون خوف من التورّط في صراعات الكبار وأملا في تحقيق اختراق سياسي يحسب في رصيده.

وتطالب منظمة بدر بالاحتفاظ بمنصب محافظ ديالى الذي تديره حاليا بالوكالة عن طريق مثنى التميمي، بينما يقيم ائتلاف دولة القانون مطالبته بالمنصب، رغم أنّه لا يمتلك أي عضو منتخب في المحافظة، على ما يقول إنّه اتفاقات سابقة مع بدر تضمنت تنازل الائتلاف عن مناصب في حكومات محلية لمحافظات أخرى.

ويعتبر العامري حليفا للسوداني فيما تسود علاقة الأخير بالمالكي حالة من البرود بسبب مساعي زعيم دولة القانون لإزاحته في أسرع وقت ممكن من رئاسة الحكومة عبر الدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

وتحت طائلة الخوف من استثارة أحد الطرفين القويين في الصراع على قيادة حكومة ديالى قطع السوداني مسار وساطة كان قد شرع فيه لإزالة الانسداد في تشكيل تلك الحكومة، وصرف في المقابل جهوده نحو كركوك.

أوس إبراهيم: عقدة تشكيل الحكومة المحلية في ديالى تسير نحو المزيد من التأزيم
أوس إبراهيم: عقدة تشكيل الحكومة المحلية في ديالى تسير نحو المزيد من التأزيم

وقال نزار اللهيبي عضو مجلس محافظة ديالى عن حزب تقدم بقيادة رئيس البرلمان السابق محمّد الحلبوسي إنه “لا توجد إلى حد الآن أي تفاهمات بشأن منصب المحافظ”، موضحا أنه “بعد كل جولة حوار تتأزم الأمور والسبب هو عدم توصل  الأطراف الشيعية إلى تفاهم على منصب المحافظ”.

وانتقد اللهيبي عدم التوصل إلى حلّ قائلا لموقع رووداو الإخباري “نحن في شهر يوليو وإلى حد الآن لم نعقد أي جلسة، وهذا يؤزم موقفنا أمام جماهيرنا التي انتخبت أعضاء المجلس”.

ورأى أنّه في حال لم تنجح محاولات القوى السياسية في فكّ العقدة عبر التفاهم في ما بينها “فينبغي أن يتدخل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لحل الإشكال”.

وأكّد عضو مجلس المحافظة أوس إبراهيم من جهته استمرار الخلافات وعدم التوافق بين كتلة بدر وائتلاف دولة القانون، قائلا في تصريحات لوسائل إعلام محلية إنّ عقدة ديالى تسير باتجاه التأزيم.

وكشف عن عقد قادة الإطار مؤخرا اجتماعا موسعا لبحث حل عقدة ديالى السياسية وحسم الخلافات بين منظمة بدر وائتلاف دولة القانون من خلال التفاهم على طرح مرشح توافقي ليكون ذلك بداية لحل الإشكالية وبدء ولادة حكومة محلية، موضحا أنّه لم تظهر حتى الآن أي نتيجة للاجتماع وأنّ بدر مازالت تطرح مثنى التميمي مرشحا لمنصب المحافظ، في حين يطرح ائتلاف دولة القانون عبدالرسول العتبي مرشحا للمنصب ذاته.

وحذّر إبراهيم من أن “ديالى لا تتحمل أي سجالات سياسية ولديها جملة من التحديات الأمنية والخدمية، وأن تشكيل حكومة محلية أصبح ضرورة بعد أن بات التأخير يثير قلق الجميع دون استثناء”.

وتواجه ديالى وضعا استثنائيا بسبب موقعها على الحدود مع إيران وكثرة التهديدات الأمنية المتربصة بها، وتعاظم المشاكل المرتبطة بالتغير المناخي وندرة المياه، الأمر الذي أثر على القطاع الزراعي الذي يعتبر العمود الفقري لاقتصادها.

وسبق لائتلاف المالكي أن وجّه تحذيرا مبطنا للسوداني من التدخل في قضية الصراع في ديالى مستبقا أي انحياز مفترض لرئيس الوزراء إلى جانب العامري.

واعتبر الائتلاف على لسان نائبه عارف الحمامي أن إنهاء تشكيل الحكومة المحلية لمحافظة ديالى يخص الكتل السياسية وليس من صلاحية رئيس الوزراء.

ديالى تواجه وضعا استثنائيا بسبب موقعها على الحدود مع إيران وكثرة التهديدات الأمنية المتربصة بها

واعترف الحمامي في تصريحات صحفية سابقة بوجود “تداخل سياسي في ملف ديالى”، لكنّه رفض مقارنة الوضع في المحافظة بالوضع في كركوك، قائلا إنّ وضع الأخيرة مختلف ولا يمكن تطبيق السيناريو نفسه على المحافظتين.

ويبدو السوداني في تحركاته لاستكمال تشكيل الحكومات المحلية للمحافظات بصدد الالتزام بهذه الرؤية، حيث يركز جهوده على كركوك تاركا للقوى السياسية حل مشاكلها البينية في ديالى.

واستقبل رئيس الوزراء الخميس أعضاء مجلس محافظة كركوك من المكّون العربي “ضمن متابعة جهود القوى الوطنية في المجلس لاختيار محافظ للمحافظة والمضيّ في تشكيل الحكومة المحلية”، بحسب ما ورد في بيان للمكتب الإعلامي للسوداني.

وتتمثّل عقدة تشكيل مجلس محافظة كركوك في تساوي القوى الفائزة بمقاعد فيه، حيث يتألف المجلس من ستة عشر مقعدا وينقسم أعضاؤه إلى جبهتين؛ التركمان والعرب ولديهم ثمانية مقاعد، والأكراد ومعهم عضو مسيحي ويمتلكون عددا مماثلا من المقاعد.

ويسعى كل مكون من الأكراد والتركمان والعرب لأن يكون منصب المحافظ من نصيبه، مع وجود صراع داخلي ضمن المكون الكردي بين حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.

وشدد السوداني خلال اللقاء على أهمية استكمال تشكيل الحكومة المحلية والتوافق بين ممثلي المكوّنات وضمان مشاركة الجميع بفاعلية وعدم تهميش أي مكوّن في صناعة القرار لما للمحافظة من خصوصية، وفق البيان ذاته.

نزار اللهيبي: على رئيس الوزراء التدخل لحل إشكال مجلس محافظة ديالى
نزار اللهيبي: على رئيس الوزراء التدخل لحل إشكال مجلس محافظة ديالى

وسبق لرئيس الوزراء أن منح القوى المتصارعة على منصب محافظ كركوك مهلة للتوافق على تشكيل الحكومة المحلية، في ظل تلميحات لإمكانية إعادة الانتخابات في حال تعذّر حدوث التوافق المنشود.

ويمثّل الوضع في كركوك وكذلك في ديالى بالنسبة إلى السوداني حجر عثرة في طريق استكمال ترتيب أوضاع المحافظات بشكل كامل، وتنفيذ مخطّط التنمية الجهوية الذي يرغب في تسريع إنجازه خلال الفترة المتبقية من عمر حكومته، تمهيدا لخوض الانتخابات البرلمانية المقررة لسنة 2025 وأملا في الحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة، وذلك على أساس ما أنجزه خلال ولايته الحالية.

وأشار السوداني خلال استقباله ممثلي المكون العربي في كركوك إلى “ضرورة تعاون جميع القوى الوطنية في المحافظة من أجل تحقيق تطلعات أهلها واستمرار الخطط الحكومية في الجوانب الخدمية والتنموية وتحقيق نهضة اقتصادية بالتكامل مع البرنامج الحكومي ومستهدفاته التي تلبي احتياجات المواطنين”.

ولفت إلى أن “نجاح الحكومة في إجراء الانتخابات المحلية في كركوك بعد تعسّر إجرائها منذ سنة 2005، يمثل خطوة مهمة على طريق ترسيخ الاستقرار في المحافظة، وإيفاء بما وعدت به في برنامجها”، مؤكدا أن “مجالس المحافظات والحكومات المحلّية هي الجناح التنفيذي والظهير الساند للحكومة في سعيها إلى إتمام مهامّها وواجباتها الخدمية والاقتصادية، وفي مختلف مجالات التنمية”.

وأصبحت كركوك، التي تضم خليطا من القوميات والطوائف وتعيش وضعا استثنائيا حساسا بسبب مطالبة أكراد العراق بضمّها إلى إقليمهم وتمسّك السلطات الاتّحادية العراقية برفض تلك المطالبة، نموذجا للثغرات القانونية والدستورية التي كثيرا ما تمنع النظام العراقي القائم بعد الغزو الأميركي من تجاوز مشاكله وانسداداته المتكرّرة بسلاسة وتلافي ما ينجم عنها من توتّرات.

ويمكن للتهديد بإعادة الانتخابات أن يدفع فرقاء الصراع في المحافظة إلى التوافق مخافة خسارة مكاسبهم التي حصلوا عليها في الانتخابات السابقة، لكن إجراء انتخابات جديدة قد لا يمثل بحد ذاته حلاّ مضمونا لعقدة تشكيل الحكومة المحلية بالنظر إلى قيام نفس الظروف والتوازنات التي جرت في ظلها الانتخابات.

وعلى هذا الأساس تعتبر دوائر سياسية عراقية أن مدار الجهود التي يبذلها رئيس الحكومة لفض النزاع بين القوى المتصارعة في كركوك لا يتجاوز البحث عن حلول ظرفية باستخدام أسلوب إبرام الصفقات، وهو أسلوب سطحي يجعل المشاكل والانسدادات تتوالد وتتكرّر بشكل مستمر.

3