رئيس المخابرات المصرية يزور بورتسودان حاملا معه رسالة تحذير أميركية للبرهان

أثارت زيارة رئيس جهاز المخابرات العامة لمصر اللواء عباس كامل إلى بورتسودان واللقاء الذي عقده مع قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان تساؤلات كثيرة لاسيما وأنها تأتي بعد فشل جهود مصرية في تنظيم اجتماع بين مسؤولين أميركيين ووفد من الحكومة الموالية للجيش في القاهرة.
بورتسودان (اسودان) - استقبل قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في بورتسودان الجمعة، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل. وتحدثت مصادر سودانية لـ"العرب" أن زيارة رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية لبورتسودان، حملت رسائل تحذير من الولايات المتحدة بأنها غير مرتاحة للطريقة التي يتعامل بها الجيش مع الأزمة السودانية.
ويأتي لقاء البرهان واللواء كامل بعد يومين من فشل القاهرة في تنظيم اجتماع بين وفد من الحكومة الموالية للجيش السوداني والمبعوث الأميركي توم بريلييو، كان يستهدف إقناع الحكومة بجدوى المشاركة في محادثات جنيف، التي اختتمت أشغالها الجمعة.
وكان المبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو أعلن عن إلغاء اللقاء الذي كان من المقرر عقده مع وفد حكومة بورتسودان في القاهرة الأربعاء، بسبب ما أسماه "خرق الوفد السوداني للبروتوكولات"، وهو ما ردت عليه الحكومة، بالقول إن عدم عقد الاجتماع جاء لظروف تتعلق بوفد الولايات المتحدة. وبحسب بيان صادر عن مجلس السيادة الانتقالي، فقد التقى البرهان كامل، صباح الجمعة في بورتسودان التي يتخذ منها الجيش عاصمة مؤقتة، بحضور الفريق أول محمد إبراهيم مفضل مدير جهاز المخابرات العامة.
ولم يكشف البيان عن دوافع زيارة المسؤول الأمني المصري الكبير إلى بورتسودان، واكتفى البيان بالقول إن اللقاء تناول العلاقات السودانية المصرية والتحديات التي تواجه البلدين الشقيقين. وكشفت المصادر السودانية لـ”العرب” أن زيارة اللواء عباس كامل إلى بورتسودان تنطوي على رغبة مصرية للانخراط بشكل أكبر في جهود حلحلة الأزمة السودانية، وإيجاد وسائل لتجاوز العقبات بالتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية المعنية.
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن إن زيارة مدير المخابرات هي محاولة لاستكشاف أبعاد موقف مجلس السيادة السوداني من رفض الانخراط في مفاوضات جنيف، لافتا إلى أن القاهرة يمكن أن تلعب دوراً ضاغطَا لتحقيق التقاء مباشر بين قائدي الجيش والدعم السريع.
وأضاف أحمد حسن في تصريح لـ”العرب”، أنه وعلى الرغم من أن مصر تبنت منذ بداية الحرب موقفَا مسانداً للجيش غير أن استمرار الحرب وطول أمدها بعثا إشارات على إمكانية الاستمرار فيها بلا نهاية، خاصة وأن الطرفين لديهما مصادر دعم مادي متعددة تساعدهما على توفير التسليح، في ظل مهددات قوية يتعرض لها الشعب في ولايات مختلفة، ووسط مخاوف من تقسيم البلاد.
وشدد على أن مصر تحاول الآن حلحلة موقف الجيش ليكون هناك أمل في استئناف للمفاوضات في القاهرة أو جنيف، أو في أي مكان آخر، في ظل محاولات موازية للضغط على قائد قوات الدعم السريع لتنفيذ مخرجات إعلان جدة كاملة، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني المتردي يضغط على الطرفين لتقديم تنازلات تساهم في إنجاح جهود الحل السياسي.
واختتمت الجمعة مفاوضات امتدت لنحو عشرة أيام في مدينة جنيف السويسرية برعاية الولايات المتحدة والسعودية والدولة المضيفة، وبحضور كل من مصر والإمارات والأمم المتحدة، لبحث الأزمة السودانية المندلعة منذ أبريل من العام الماضي. وشاركت قوات الدعم السريع في التفاوض، فيما غاب الطرف الثاني في الحرب وهو الجيش، رغم محاولات إقناعه بوجوب الحضور.
ونتيجة لغياب الجيش، تركزت أولويات التفاوض في جنيف على الجوانب الإنسانية وكيفية حفظ حياة السودانيين، مع انهيار الوضع الصحي وانتشار المجاعة في مناطق متفرقة، وهو ما يتطلب تضافر الجهود من جانب دول جوار السودان لحث السلطات في بورتسودان على إنجاح اتفاق تقديم المساعدات وإيجاد مناطق آمنة لا تمارس فيها الأعمال العدائية.
وبحسب البيان الختامي للوسطاء في مفاوضات جنيف، فقد وافق الجيش وقوات الدعم السريع في السودان على توفير ممرين آمنين للمساعدات الإنسانية للتخفيف من تداعيات الحرب الدائرة بينهما، مشيرين إلى أن غياب الجيش أعاق حصول تقدم كبير في المفاوضات.
وقال الوسطاء الذين أطلقوا على أنفسهم اسم مجموعة “متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام في السودان” إنهم حصلوا على وعود بالسماح بتدفق المساعدات عبر معبر أدري الحدودي من تشاد إلى منطقة دارفور وعلى طول طريق الدبة من بورتسودان على البحر الأحمر. كما أفادوا بإحراز تقدم نحو فتح طريق آخر عبر تقاطع سنار. لكنهم أقروا أن أي تقدم مازال أقل بكثير من الاستجابة اللازمة لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وقال المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو في مؤتمر صحفي في جنيف “نأمل أن يكون هذا مصدر زخم لخطوات أكبر بكثير وتقدما على الطريق”. وأضاف “المحزن هو أن الأزمة في السودان حادة إلى درجة أننا قد نجري أربع جولات من المفاوضات ولا نصل بالكاد إلا لقدر محدود للغاية مما يستحقه الشعب السوداني”.
وفيما يكشف جحم التحديات، لم يتم إرسال سوى جزء ضئيل من المساعدات المتاحة في أدري هذا الأسبوع لأن الحكومة المتحالفة مع الجيش فرضت وقفا على الحركة بعد فتح المعبر لأول مرة منذ أشهر. وقالت المجموعة في بيان "رغم أننا كنا على اتصال مستمر مع القوات المسلحة السودانية عمليا، نأسف لقرارهم عدم الحضور، ونعتقد أن هذا قلص قدرتنا على إحراز تقدم جوهري أكبر في قضايا رئيسية، وخاصة وقف أعمال القتال على الصعيد الوطني".
وصرح بيرييلو في مقابلة لاحقة إن قائد الجيش السوداني كان منفتحا على مشاركة الجيش في المحادثات لكن هناك “قوى سياسية سلبية للغاية تعيقه”، دون أن يذكرها بالاسم. بدأت الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، بتحريض من فلول النظام السابق.
ولم تهدأ حدة القتال على الرغم من الجهود المكثفة الرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار، مثل محادثات بقيادة السعودية والولايات المتحدة في جدة. ويعاني نصف سكان السودان البالغ عددهم 50 مليون نسمة من نقص الطعام. وقال بيرييلو "نعتقد أنه من الممكن وقف القتال على المستوى الوطني. ونعلم أن هذا سيتطلب قدرا كبيرا من العمل".