رئيس الحكومة التونسية يبحث عن حزام سياسي ومدني

تونس - قالت مصادر مقربة من رئاسة الحكومة التونسية إن رئيس الحكومة يوسف الشاهد يقود جهودا لتوفير حزام سياسي ومدني للفريق الحكومي، بما من شأنه أن يرفع أداءه في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مشيرة إلى أن النشاط الميداني الذي ارتفع منسوبه خلال الأيام الماضية يتنزل ضمن رؤية تقول إن نجاح الحكومة يبقى رهن الرضا والتأييد الشعبيين.
وشددت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، على أن “هناك اقتناعا بأن الأحزاب السياسية المشاركة في الحكم لم تقدم إلى حد الآن الإسناد السياسي اللازم لحكومة الوحدة الوطنية على الرغم من خطورة التحديات، وعلى الرغم من تعهدها بتوفير الدعم ليوسف الشاهد”، ملاحظة أنه من المنتظر أن “يبدأ رئيس الحكومة خلال الفترة القادمة سلسلة من اللقاءات والمشاورات مع سياسيين ونقابيين ونشطاء في مسعى إلى حشد القوى السياسية والمدنية لمعاضدة الجهود الحكومية التي تواجه العديد من التعقيدات”.
وكثف يوسف الشاهد خلال الأيام الماضية، من نشاطه السياسي الميداني من خلال متابعة الجهود في مكافحة الجهاديين وظاهرة التهريب ومتابعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ليقدم للرأي العام صورة رئيس الحكومة الذي يراهن على العمل الميداني في تفاعله مع المشاغل الحقيقية التي تؤرق التونسيين.
ويرى محللون سياسيون أن الشاهد نجح نسبيا في تمرير رسالة إلى الرأي العام مفادها أنه يمتلك من الإرادة السياسية والجرأة ما يجعله قادرا على مواكبة الأحداث وأنه عازم على قيادة الجهود بنفسه بشأن التعاطي مع هشاشة الأوضاع، بما يعزز الثقة في أداء الحكومة.
غير أن سياسيين يقولون إن أهم تحد يواجهه يوسف الشاهد يتمثل في تحويل الائتلاف الحزبي الحاكم إلى جسم حكومي متضامن يمتلك رؤية واضحة قادرة على تحرير القرار الحكومي من الارتهان لمواقف الأحزاب وتصوراتها وخياراتها المتباينة، والتي ظهرت بأكثر وضوح خلال مناقشة قانون المالية.
وأقرت المصادر بأن الأحزاب المكونة للحكومة والنقابيين والشخصيات الوطنية لم تتوصل بعد إلى تذليل الصعوبات أمام رئيس الحكومة ومساعدته بالشكل اللازم، خاصة وأنها لم تتوصل بعد إلى بلورة رؤية حكومية واحدة في إطار خارطة طريق تنموية وسياسية.
ولم تتردد نفس المصادر في التأكيد على أن “السياسات التي أعلنها رئيس الحكومة خاصة بشأن معالجة المعضلات الاقتصادية والاجتماعية لن يكتب لها النجاح ما لم تتحل القوى السياسية والمدنية بالتعقل وروح المسؤولية وتتفهم التعقيدات التي تواجه البلاد بعيدا عن الحسابات الحزبية والمطالب المجحفة”.
وتشير المصادر هنا إلى تفجر الخلافات حول قانون المالية، حيث بدت مواقف القوى السياسية والمدنية منه متباينة، مما عكس ارتباكا واضحا في الرؤى في وقت تحتاج فيه البلاد إلى وعي سياسي بخطورة الأوضاع وبعجز موازنة الدولة لا فقط عن إطلاق إصلاحات كبرى ومشاريع استثمارية منتجة، بل أيضا عن تسديد نفقات الأجور وتلبية المطالب الاجتماعية للفئات الهشة وللعاطلين.
وفي الوقت الذي يحاول فيه الشاهد إقناع التونسيين بأن سياسة التقشف التي أعلنها سابقا تعد المخرج الوحيد للمأزق الاقتصادي، اختارت الأحزاب السياسية انتهاج خطاب سياسي غامض لم يقدم الإسناد اللازم لحكومة بدت وكأنها تواجه وحيدة أزمة الملفات المستعصية. ولئن بدا حزب نداء تونس الذي يقود الحكومة أقل غموضا وارتباكا بشأن دعم الحكومة، فقد بدت مواقف حركة النهضة الأشد غموضا ورمادية، حيث أعربت عن أكثر من موقف متباين إلى حد التناقض وفضلت توجيه إسنادها لجهود رئيس الحكومة من خلال اشتراط نجاحه، والحال أن أي نجاح يبقى مرتبطا بمدى الدعم الذي يلقاه من قبل الأحزاب الحاكمة التي تمثل النهضة واحدة منها.
وعبر الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية، والجبهة الشعبية المعارضة، كل على طريقته، عن رفضهما للسياسات التي ينتهجها الشاهد، ما بدا لجزء هام من الرأي العام مواقف لم تقد سوى إلى المزيد من تعقيد الأوضاع الهشة وإرباك لأداء رئيس الحكومة الذي يسعى إلى الانفتاح والإصغاء إلى أكثر ما يمكن من القوى المؤثرة في الشأن العام.
ويخشى يوسف الشاهد أن تتسلل ضبابية مواقف الأحزاب السياسية المؤتلفة في الحكم ورفض كل من اتحاد الشغل والجبهة الشعبية للسياسات التي أعلنها إلى قصر الحكومة بالقصبة، ومن ثمة يتم ترحيل الخلافات الحزبية إلى الفريق الحكومي، خاصة وأنه مازال يتحسس طريقه إلى بناء كيان وحدة وطنية متحررة من سطوة الأحزاب وحساباتها.
وإزاء الاقتناع بمخاطر غياب الحزام السياسي والمدني المفروض، توقعت المصادر المقربة من رئاسة الحكومة أن يجري الشاهد خلال الفترة القادمة سلسلة من اللقاءات والمشاورات تهدف إلى حث القيادات السياسية والنقابيين والشخصيات الوطنية على دعم جهوده ومساعدته على توضيح خياراته السياسية أمام الرأي العام.
وينتظر أن تشمل المشاورات قيادات من نداء تونس وحركة النهضة وآفاق تونس والحزب الوطني الحر والحزب الجمهوري إضافة إلى قيادات نقابية، في مقدمتها حسين العباسي، من أجل تهدئة الأوضاع بما يخفف من حدة التوتر الاجتماعي ويؤمن الحد المقبول من السلم الأهلي.