رئيسا مجلسي النواب والدولة في ليبيا منشغلان بتدوير زوايا الأزمة بدل حلها

يسود التشاؤم المشهد الليبي حيال الوثيقة الدستورية التي كشف عن معالمها رئيس المجلس الأعلى للدولة ورئيس مجلس النواب، خصوصا وأن هذه الوثيقة لا تتضمن حلولا يمكن عمليا تنفيذها، لاسيما بالنسبة إلى النقاط الخلافية المتعلقة بإنجاز الاستحقاق الانتخابي.
طرابلس - فشل رئيسا مجلسي النواب والدولة الليبيين في تجاوز أهم معضلة تعيق إجراء الانتخابات في بلادهما، لكنهما اتفقا على الإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، وتشكيل حكومة جديدة، ما يعني بقاء الأزمة تدور في ذات الحلقة المفرغة.
وسعى عقيلة صالح وخالد المشري إلى التسويق لإنجاز تحقق خلال لقائهما الأخير في القاهرة، لكن الأمور تنسحب وفق متابعين نحو تكريس الأزمة بدل حلها.
وقال رئيس المجلس الأعلى للدولة المشري مساء الأحد إن الخلاف لا يزال قائما مع مجلس النواب بشأن مشاركة مزدوجي الجنسية في الانتخابات، مستدركا بالقول إن هناك اتفاقا على إمكانية اللجوء إلى استفتاء شعبي لحسم المسألة.
وتكمن صعوبة تجاوز هذه “المعضلة” في إصرار المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، على الترشح للرئاسة دون التنازل عن جنسيته الأميركية.
ويمارس قائد الجيش ضغوطا على رئيس مجلس النواب لعدم التنازل أمام اشتراط رئيس المجلس الأعلى للدولة بعدم ترشح مزدوجي الجنسية، وأيضا تحفظه على ترشح العسكريين، في محاولة من قبله لقطع الطريق على طموحات حفتر.
ودافع حفتر خلال خطابات ألقاها شرق وجنوب البلاد عن ترشح العسكريين، وشدد في ديسمبر الماضي على أنه “لا يمكن لأحد منع العسكريين من حقوقهم الطبيعية والمشاركة في العملية الانتخابية”.
مسار الانتخابات الليبية مزدحم بالعقبات والمطبات السياسية والأمنية، ويحتاج إلى إرادة قوية من الأطراف الداخلية غير متوفرة
وأمام استمرار هذا الانسداد، اتفق المشري وعقيلة على ترحيل الخلاف إلى مرحلة إعداد قوانين الانتخابات، التي سيعدها مجلسا النواب والدولة.
وأقرّ المشري بأن مجلسي النواب والدولة لن يحلا هذا الخلاف، حتى بعد ترحيله للجان إعداد قوانين الانتخابات في المجلسين. لذلك تم الاتفاق على “حل منطقي لكنه ليس عمليا” في ظل الظروف الليبية، بعرض المواد الخلافية على الاستفتاء الشعبي لحسمها، والتعهد بقبول أي نتيجة يقررها الشعب.
والمنطقي في هذا الحل أن الشعب مصدر كل السلطات، وإذا أخفق ممثلو الشعب في التوصل إلى حسم خلافاتهم، فتعاد السلطة إلى الشعب للفصل فيها عن طريق الاستفتاء.
غير أن هذا الخيار غير عملي، لأن مشروع الدستور جاهز منذ 2017، ولا ينقص سوى عرضه على الاستفتاء الشعبي، بعد صدور قانون الاستفتاء، ومع ذلك لم يعرض لأن هناك أطرافا ترفضه، خاصة أنه يمنع صراحة ترشح مزدوجي الجنسية للرئاسة.
لذلك فاتفاق المشري وعقيلة لم يحل جوهر الخلاف بين الغرب والشرق (الليبي)، وما لم يتم حسم مسألة ترشح حفتر للرئاسة سيبقى الجميع يدور في دائرة مفرغة.
ويرى مراقبون أن أهم ما تحقق في لقاء القاهرة الذي انعقد في وقت سابق من الشهر الجاري أنه “وضع العربة على سكة الانتخابات”، على حد قول المشري، أي لم يضع خارطة طريق واضحة للانتخابات، ولكنه حدد معالم هذه الطريق.
وأولى هذه المعالم، عقد اجتماع ثان للمشري وعقيلة داخل ليبيا بحضور المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، والذي يفترض أن يتم خلاله تحديد موعد جديد للانتخابات، كما شدد عليه المبعوث الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند.
مراقبون يرون أن أهم ما تحقق في لقاء القاهرة أنه "وضع العربة على سكة الانتخابات"، على حد قول المشري، أي لم يضع خارطة طريق واضحة للانتخابات، ولكنه حدد معالم هذه الطريق
والأهم من ذلك الاتفاق على آخر التفاصيل المتعلقة بالقاعدة الدستورية لعرضها على مجلسي النواب والدولة لاعتمادها رسميا.
وبعد الانتهاء من اعتماد القاعدة الدستورية تأتي مرحلة أخرى لا تقل صعوبة عن الأولى، تتمثل في إعداد القوانين الانتخابية والتي تتضمن عدة نقاط خلافية بما فيها مادتين أو ثلاث مرحلة من القاعدة الدستورية، بالإضافة إلى توزيع الدوائر الانتخابية.
وتتمثل المرحلة الثالثة في الاستفتاء الشعبي على المواد الخلافية، والذي من الصعب على قائد الجيش السماح بتنظيمه في مناطق سيطرته بالشرق والجنوب، خاصة وأن ثلثي الناخبين يتركزون في المناطق الغربية المناوئة له.
أما المرحلة الرابعة فسيتم خلالها تشكيل حكومة جديدة، بالتوافق بين مجلسي النواب والدولة، مع احتمال تغيير تشكيلة المجلس الرئاسي لتضم المشري وعقيلة، بدلا من محمد المنفي ونائبيه عبداللافي وموسى الكوني.
ومن المتوقع أن يرفض رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة إنهاء حكومته، وأن يقاوم أي اتفاق في هذا السياق، مع تمسكه بأحقية حكومته في تنظيم الانتخابات، رغم عدم خضوع المناطق الشرقية والجنوبية لسلطته.
وخلال هذه المراحل، سيواصل المشري وعقيلة تنفيذ اتفاقهما بخصوص توزيع المناصب السيادية، وبالأخص محافظ البنك المركزي (من نصيب الشرق)، ورئيس مفوضية الانتخابات (من نصيب الغرب).
وإذا تمكن صالح من تعيين محافظ للمصرف المركزي بدعم من المشري، فسيتم نزع “سلاح الميزانية” من أيدي حكومة الوحدة، والذي يعد أحد أسس شرعيتها ونفوذها على مؤسسات الدولة وكتائب المنطقة الغربية.
بينما سيتخلص المشري من عماد السائح رئيس مفوضية الانتخابات، والذي عارض بشدة أي محاولة لتنحيته خاصة وأنه حافظ على وحدة المفوضية في ظل الانقسام العام للبلاد، وحصل على دعم غربي في هذا الشأن.
متابعون للشأن الليبي يرون أنه حتى ولو أجريت الانتخابات بسلاسة، فلا توجد ضمانات أن الطرف الخاسر سيقبل بنتائجها
وإذا نجح المشري وعقيلة في تجاوز كل هذه المراحل، وبالأخص مقاومة سلطات الأمر الواقع، حينها فقط يمكن الحديث عن إجراء الانتخابات، ولا يبقى عندها سوى توفير الوسائل اللوجيستية والأمنية لإجرائها.
وقد تم الاتفاق على أن تجرى انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) بالتزامن مع الدور الأول للانتخابات الرئاسية، بينما تجرى انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) بالتزامن مع الدور الثاني للرئاسة.
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة كشف مساء الأحد أن الوثيقة الدستورية التي يعزم ومجلس النواب طرحها تتضمن سلطة تشريعية مؤلفة من غرفتين، وهما مجلسا النواب ومقره بنغازي، ومجلس الشيوخ ومقره طرابلس، وذلك بهدف إحداث توازن سياسي في البلاد.
وأكد المشري، في مقابلة مع قناة “ليبيا الأحرار” الذراع الإعلامية للإخوان المسلمين في ليبيا، أن الوثيقة الدستورية تنص على أن يتم انتخاب مجلس النواب الجديد بالنظام الفردي والقائمة، في حين سيكون انتخاب مجلس الشيوخ بالنظام الفردي فقط.
وتابع أن الاتفاق تم على أن تكون هناك وثيقة دستورية وليست قاعدة دستورية، لافتا إلى أنها تتضمن 67 مادة، وليس 180 مادة، مثل ما تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي.
كما تنص الوثيقة ذاتها على ضرورة أن يتحصل كل مرشح في انتخابات مجلس الشيوخ على أكثر من 50 في المئة زائد واحد من الأصوات، وفق المشري.
ويرى متابعون للشأن الليبي أنه حتى ولو أجريت الانتخابات بسلاسة، فلا توجد ضمانات أن الطرف الخاسر سيقبل بنتائجها، خاصة إذا أدت إلى وصول شخصية جدلية إلى السلطة، فحينها سيتكرر سيناريو انتخابات 2014، بعنف أكثر.
ويبقى مسار الانتخابات الليبية مزدحما بالعقبات والمطبات السياسية والأمنية، ويحتاج إلى إرادة قوية من الأطراف الداخلية ودعما من الجهات الخارجية للوصول إلى المحطة النهائية بسلام، وهذا ما لا يبدو متوفرا حتى الآن.