رؤية نقدية لمسيرة الطالب من الروضة إلى الجامعة

عندما نساعد الطلاب على تجاوز التحديات التي تواجههم ونوفر لهم بيئة تعليمية إيجابية، نكون قد ساهمنا في بناء مستقبل أفضل للجميع.
الأحد 2025/05/04
التعليم في العراق يحتاج إلى تطوير

في عالم يتسارع فيه التغيير، تظل مسيرة الطالب التعليمية من أهم المراحل التي تشكل مستقبل المجتمعات. فالطالب كالبذرة التي تحتاج إلى رعاية مستمرة حتى تنمو وتثمر، لكن هذه المسيرة محفوفة بتحديات متعددة تستحق منا الوقوف عندها بتأمل ونقد بناء.

تمثل المرحلة الأولى من التعليم حجر الأساس في بناء شخصية الطالب. ليس المهم فقط أن يتلقى الطالب المعلومات الأكاديمية، بل الأهم أن يتعلم المبادئ الأساسية للحياة كاحترام الكبير والصغير، وتقدير دور الوالدين في حياته. هذه القيم تشكل الأساس الذي ستبنى عليه شخصيته المستقبلية.

لكن ما نلاحظه اليوم هو تخبط في المناهج التعليمية وطرق تقديمها. فالمعلم، الذي يمثل حلقة الوصل بين الطالب والمعرفة، قد يتأثر بظروفه الاجتماعية والخارجية ما ينعكس سلباً على أدائه في الفصل الدراسي. وهذا الواقع يثير تساؤلاً مهماً: هل نحن نقدم للطلاب البيئة التعليمية المثالية التي تساعدهم على النمو المتكامل؟

المرحلة الانتقالية: من المدرسة إلى الجامعة

تعدّ الفترة الانتقالية من المدرسة الإعدادية إلى الجامعة من أصعب المراحل التي يمر بها الطالب. فالطالب يضع كل آماله في تحقيق نتائج متميزة تمكنه من الالتحاق بالجامعة التي يطمح إليها، لكن هذا الضغط قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

◄ تحسين النظام التعليمي مسؤولية مشتركة بين الدولة والمؤسسات التعليمية والمعلمين والأسر. والهدف النهائي يجب أن يكون سعادة المواطن وتمكين الطالب من تحقيق طموحاته

المشكلة تكمن في أن نظامنا التعليمي يجعل من هذه المرحلة “عنق زجاجة” يحدد مصير الطالب المستقبلي. وعندما يواجه الطالب مشكلات عائلية أو شخصية في هذه الفترة الحرجة، قد يحصل على نتائج لا تعكس قدراته الحقيقية. وللأسف، هذا الواقع دفع بعض الطلاب للجوء إلى طرق غير مشروعة للحصول على درجات لا يستحقونها، بينما حُرم آخرون من فرصهم رغم استحقاقهم لها.

الحياة الجامعية: واقع مختلف

يدخل الطالب الجامعة وهو يحمل توقعات قد لا تتطابق مع الواقع. فالحياة الجامعية تختلف جذرياً عن المدرسة: محاضرات بأوقات محددة، وأنظمة غياب مختلفة، وأساتذة لهم أساليبهم الخاصة في التدريس والتقييم.

هذا التحول المفاجئ يتطلب إعداداً مسبقاً للطالب قبل انتقاله إلى الجامعة. لكن السؤال: هل تقوم مدارسنا بهذا الدور التوعوي؟ وهل تهيئ الجامعات الطلاب الجدد للتكيف مع هذه البيئة التعليمية المختلفة؟

العوامل المؤثرة في المسيرة التعليمية

تتعدد العوامل التي تؤثر في المسيرة التعليمية للطالب، منها:

• أداء الأستاذ والبيئة الصفية: يتأثر الأستاذ بالعوامل المحيطة به، وهذا ينعكس على أدائه في الفصل. قد تصدر من بعض الأساتذة تعليقات سلبية على إجابات الطلاب تؤدي إلى إحباطهم وتحطيم آمالهم. وهنا تبرز أهمية أن يكون الأستاذ واعياً لتأثير كلماته وتصرفاته على مستقبل الطالب.

◄ الحياة الجامعية تختلف جذرياً عن المدرسة: محاضرات بأوقات محددة، وأنظمة غياب مختلفة، وأساتذة لهم أساليبهم الخاصة في التدريس والتقييم

• الحياد الأكاديمي: في عالم التعددية الذي نعيش فيه، من الضروري أن تكون البيئة الأكاديمية محايدة. يجب على الأساتذة تجنب إدخال المذاهب السياسية أو الدينية أو الانتماءات الحزبية إلى قاعات الدراسة بطريقة متحيزة. كما أن على الطلاب أيضاً الالتزام بهذا الحياد وعدم محاولة فرض آرائهم على الآخرين داخل الحرم الجامعي.

تعدد الجامعات: الكم والنوع

أصبح وجود عدد كبير من الجامعات ظاهرة لافتة، لكن السؤال: هل الكثرة تعني الجودة؟ الأفضل أن يكون هناك تنسيق بين التعليم العالي ووزارات التربية والتخطيط لتحديد احتياجات سوق العمل من الخريجين.

وبدلاً من زيادة عدد الجامعات، يمكن توجيه الدعم إلى الجامعات القائمة لتحسين جودتها وجعلها مراكز جذب للطلاب من داخل البلاد وخارجها. هذا سيرفع من قيمة التعليم وسيعزز من مكانة الأستاذ والطالب على حد سواء.

الجامعات الأهلية والحكومية

تثير الجامعات الأهلية إشكالية خاصة تتعلق بالأجور الدراسية. ويجب أن تحدد هذه الأجور وفق معايير دولية تضمن جودة التعليم. فإذا دفع الطالب مبالغ طائلة دون أن تقابلها خدمات تعليمية متميزة، فستكون النتيجة عكسية.

◄ الفترة الانتقالية من المدرسة الإعدادية إلى الجامعة تعدّ من أصعب المراحل التي يمر بها الطالب. فالطالب يضع كل آماله في تحقيق نتائج متميزة تمكنه من الالتحاق بالجامعة التي يطمح إليها

وعلى الحكومات الاهتمام بالجامعات الحكومية وتطويرها لتكون الخيار الأول للطلاب، بينما تظل الجامعات الأهلية خياراً للظروف الخاصة. لكن الواقع اليوم مختلف، حيث يتجه الكثير من الطلاب نحو التعليم الأهلي، ما يشير إلى خلل في منظومة التعليم الحكومي.

دور الأستاذ الحقيقي

الأستاذ الحقيقي هو من يقدم المعرفة بطريقة ميسرة ويساعد الطالب على فهم المادة العلمية. فمهمته ليست وضع العراقيل أمام الطالب من خلال أسئلة صعبة خارج نطاق المقرر، بل مساعدته على التفوق وتحقيق أهدافه.

وللأسف، هناك نماذج من الأساتذة يضعون أسئلة بعيدة عن المحتوى الذي درّسوه، وتصحيحهم متشدد بشكل مبالغ فيه. فدور الأستاذ ليس معاقبة الطالب، بل الأخذ بيده نحو النجاح من خلال منحه الفرص المناسبة.

إن تحسين النظام التعليمي مسؤولية مشتركة بين الدولة والمؤسسات التعليمية والمعلمين والأسر. والهدف النهائي يجب أن يكون سعادة المواطن وتمكين الطالب من تحقيق طموحاته. فعندما نساعد الطلاب على تجاوز التحديات التي تواجههم ونوفر لهم بيئة تعليمية إيجابية، نكون قد ساهمنا في بناء مستقبل أفضل للجميع.

ويجب أن ندرك أن نجاح الطالب هو نجاح للمجتمع بأكمله، وأن الاستثمار في التعليم النوعي هو أفضل استثمار للمستقبل. فلنعمل معاً على رعاية بذور المعرفة لتنمو وتزدهر وتؤتي ثمارها المرجوّة.

6