رؤية الكويت 2035 محاصرة بالعجز السياسي أكثر من العجز المالي

الكويت- تستعد الحكومة الكويتية إلى طرح تعديلات على “رؤية الكويت 2035” تشمل تقليص برنامجها التنموي، بما يتوافق مع مخصصات مالية أقل، وتوسيع المدى الزمني للمخطط بحيث يصل إلى العام 2040، وتوفير مصادر تمويل جديدة.
وتحتاج هذه الاستعدادات إلى إرادة سياسية لأجل تحويلها إلى برامج عمل فعلية، وهذه الإرادة ما تزال هي الشيء الناقص الذي أدى إلى تعثر تنفيذ الرؤية وتضارب التصورات الحكومية بشأن ما يمكن القيام به لتنفيذها.
وكان وزير المالية الكويتي سعد البراك قال في جلسة لمجلس الأمة خصصت لمناقشة الميزانية العامة للدولة إن الحكومات السابقة لم تقم بأيّ خطوات بشأن تنفيذ “رؤية الكويت 2035″، ولفت إلى إمكانية مد عملها إلى عام 2040.
وأثار عدد من النواب والخبراء الاقتصاديين انتقادات لفشل الحكومة في توفير مخصصات مالية لتنفيذ أيّ جانب من جوانب الرؤية، وأعادوا الأمر إلى عجز سياسي ليس أقل سوءا من العجز المالي.
◙ غياب الاستقرار السياسي على مستوى الحكومة، لم يؤثر على آليات عمل باقي الجهاز الإداري الذي يقف على رأسه قياديون أقل خضوعا للمساءلة
وكان مجلس الأمة أقر موازنة السنة المالية 2023 – 2024 متضمنةً عجزاً متوقعاً قدره 6.8 مليار دينار (22.13 مليار دولار)، بإيرادات إجمالية متوقعة قيمتها 19.5 مليار دينار (63.33 مليار دولار)، فيما بلغ إجمالي المصروفات المتوقعة 26.3 مليار دينار (85.42 مليار دولار). واتضح أن بند الرواتب يستهلك نحو 90 في المئة من الإيرادات، مما لا يُبقي شيئا للتنمية.
ويقول مراقبون إنه في حين يمكن إيجاد سبل لتحريك عجلة التنمية من مصادر تمويل عدة من قبيل توجيه بعض احتياطات الصندوق السيادي أو القروض، فإن الهيكل الإداري الذي يعاني من الترهل ويستمرئ الفوز بامتيازات من دون عمل، يعد بمثابة مشكلة أكثر تعقيدا من مشكلة توفر أو عدم توفر المال.
وترتكز “رؤية الكويت 2035” على سبعة ركائز، أعلنتها الحكومة في 30 يناير 2017، بهدف تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري وثقافي إقليمي جاذب للاستثمار بحلول عام 2035. إلا أن شيئا منها لم يتحقق منذ ذلك العام، تارة بسبب العجز المالي، وتارة بسبب غياب الاستقرار السياسي الذي أدى إلى استقالة عدة حكومات، حتى أصبح معدل عمر الواحدة منها، خلال السنوات العشر الماضية، أقل من عام ونصف العام، بينما نادرا ما تمكن مجلس الأمة من إكمال دورته البرلمانية كاملة منذ تأسيسه في العام 1962.
ويشير المراقبون إلى أن مشروع أيّ رؤية تنموية يتطلب إرادة سياسية مسبقة قائمة على إصلاح هيكلي يضمن شفافية الاستثمارات فيها، وإخضاعها لرقابة مالية صارمة، وإنشاء إدارات تعمل وفقا لأسس غير تلك السائدة حاليا في الإدارات الحكومية القائمة على المحاباة والإنفاق غير المدروس، وكسب الامتيازات الخاصة لصالح “طبقة القياديين” دون مراعاة مستويات الإنجاز.
وكان من اللافت أن إعلان الفشل من جانب وزير المالية، ترافق مع “نجاحات” قال الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية الكويتي خالد المهدي إنها تحققت بنسب عالية.
وكان المهدي ذكر في مقابلة مع “وكالة أنباء العالم العربي” أن الكويت “بدأت تفعيل 50 في المئة من السياسات الإستراتيجية الموضوعة لتحقيق خطتها التنموية (رؤية الكويت 2035)، في حين أن 30 في المئة في طور التنفيذ والإتمام حاليا”.
ولكن لدى التدقيق في هذا الإنجاز اتضح أنه إنجاز ورقي، حيث أشار المهدي إلى أنه “من 2010 إلى 2035 وُضعت خمس خطط خمسية، وتحتوي كل خطة خمسية على خمس خطط سنوية لتنفيذ الرؤية، وأن الخطتين الخمسيتين الأوليين ارتكزتا على إصدار التشريعات اللازمة لتنفيذ الخطة”.
وذكر أن “أكثر الجهود التي بذلت في الفترة ما بين 2010 و2020 كانت تصبّ في البناء التشريعي والتركيز على البينة التحتية”، في وقت يقول مراقبون إن “البناء التشريعي” ما يزال يواجه عقبات تنفيذية، بدلالة أن قانون “تضارب المصالح” انتظر ثمانية أشهر قبل صدور المرسوم التنفيذي الخاص به، وبدلالة أن هناك مجموعة قوانين أخرى ما تزال تنتظر المصادقة الحكومية عليها. أما البنية التحتية في البلاد، فيقول النائب حسن جوهر إنها في وضع بائس، لاسيما في مناطق البلاد خارج العاصمة.
◙ مشروع أي رؤية تنموية يتطلب إرادة سياسية قائمة على إصلاح هيكلي يضمن شفافية الاستثمارات
وتتحاشى الحكومة الإجابة عن تساؤلات النواب حول سبل إنفاق عشرات المليارات من الأموال العامة. وكان من بين آخرها السؤال الذي وجهه رئيس مجلس الأمة أحمد عبدالعزيز السعدون إلى نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع «المشرف على الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية» أحمد الفهد حول المصير الغامض لـ37 مليار دينار كويتي خصصت لمشروعات التنمية ولم يتم الكشف عن الوجهات التي تم اعتمادها لها.
وهذا الأمر دفع خمسة من النواب إلى تقديم اقتراح بقانون في شأن تعديل بعض أحكام القانون رقم (3) لسنة 2016، الذي يأذن للحكومة بأخذ مبلغ من المال الاحتياطي العام لتعزيز الدفاع عن البلاد، وطالبوا بتخصيص الجهة المسؤولة عن التنفيذ وإخضاعها للجهات الرقابية.
ودعا النواب عادل الدمخي وحمد المدلج وبدر نشمي العنزي وفهد المسعود وعبد الهادي العجمي إلى تعديل التفويض الممنوح لمجلس الدفاع الأعلى بحيث يتم تحديد قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والجهات الرقابية التي تراقب تنفيذ الميزانية.
ويقول المراقبون إنّ غياب الاستقرار السياسي على مستوى الحكومة، لم يؤثر على آليات عمل باقي الجهاز الإداري الذي يقف على رأسه قياديون أقل خضوعا للمساءلة، وهم الذين يشرفون على مسارات الإنجاز أو عدم الإنجاز للحكومات المتعاقبة، مما يُعدّ معضلة يمكنها أن تعرقل تنفيذ الرؤية حتى بعد تمديدها إلى العام 2040.