رؤيا سادات سينمائية تنير درب الأفغانيات

عاشت النساء الأفغانيات فترات حالكة خلال حكم طالبان، ومازلن يعانين من تبعاته بالإضافة إلى التقاليد المحافظة التي تكبلهن، لكن السينمائية رؤيا سادات تحمل الكاميرا لتسلط الضوء على معاناة المهمشات من خلال أفلام سينمائية في محاولة منها للنهوض بامرأة تستحق حياة أفضل مما تعيشه الآن.
كابول - شكلت السينمائية رؤيا سادات لجيل من النساء صوت المرأة الأفغانية في بلد هو من أسوأ الدول على صعيد حقوق المرأة.
وقد كانت هذه المخرجة من أوائل النسوة اللواتي حققن نجاحا في هذا المجال بعد إسقاط نظام طالبان سنة 2001، وهي حازت تقديرا على أعمال عدة بينها “إيه ليتر تو ذي بريزيدنت” و”ثري دوتس” و”بلايينغ ذي تار”.
وقد عاشت خلال حقبة الاحتلال السوفييتي التي اضطرتها إلى الفرار مع عائلتها مرات عدة بحثا عن الأمان، كما قاست وحشية الحرب الأهلية ثم القمع خلال عهد طالبان الذي حرم النساء أبسط حقوقهن.
ويتمثل خوفها الأكبر في العودة إلى مثل هذا التطرف، تقول المخرجة البالغة 37 عاما “أشعر بالقلق عندما أتذكر كيف كنا منسيات ببساطة خلال حكم طالبان”.
وتضيف “ثمة تغيرات إيجابية كثيرة تحصل من قلب المجتمع”، لكنها تقر بالحاجة الكبيرة لإجراء المزيد منها.
وفي المناطق الريفية، تزيد نسبة الأمية لدى الإناث عن 98 في المائة، كما أن حقوقهن غالبا ما تكون مهدورة بفعل تقاليد محافظة.
رؤيا سادات ليست الوحيدة القلقة على فقدان المكاسب البسيطة المسجلة على صعيد حقوق النساء في أفغانستان، حيث كبرت الفئات الشابة في المناطق الحضرية على الاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة التلفزيون واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت. وبعض هؤلاء لا يعرفن حركة طالبان إلا من خلال نشرات الأخبار.
وتستذكر سادات التي بدأت كتابة القصص والقصائد والمسرحيات منذ الصغر، كيف أن حياتها كادت تصبح جحيما مع تسلم طالبان الحكم سنة 1996.
فقد أغلقت المدارس أبوابها وأرغمت النساء على ملازمة المنزل كما مُنعت أجهزة التلفزيون والراديو. وقد واصلت المراهقة آنذاك الكتابة في المنزل وقراءة الكتب الموجودة في مكتبة والدها.
وقد سُمح لها العمل كممرضة، حتى أنها أقامت عروضا ثقافية سرية قدمت خلالها مسرحياتها في المستشفى رغم أن رئيس المركز كان مرتبطا بحركة طالبان.
تقول سادات “الأمر كان خطرا للغاية. لا أزال أجد صعوبة في تصديق ما كنا نفعل”.
وكتبت أول أعمالها “ثري دوتس” عن قصة أم عازبة تضطر للزواج من مجرم حرب والدخول في عالم تهريب المخدرات، خلال حكم طالبان، لكنها لم تستطع نقله إلى الشاشة الكبيرة باستخدام معدات بسيطة إلا بعد إسقاط هذا النظام ما شكّل فرصة لتحوّل المعارف التي اكتسبتها من القراءات السرية إلى إبداع في العالم الحقيقي.
وقد طبع هذا التصميم مسيرتها وهي تؤمن بشدة بأن الأفلام تتمتع بوظيفة اجتماعية. وتوضح هذه الأم لطفلين “لقد انتقلت للعمل في مجال السينما بعدما خرجت من عصر الاختناق لأرى أمامي عالما كاملا من التعبير”.
وتقول “لدي إيمان راسخ بالسينما وبأن هذا الفن هو الأهم وفي إمكانه التأثير لإحداث تغيير إيجابي في مجتمعنا، لكن التغيير لا يحصل بين ليلة وضحاها بل يجب أن يطال أفكار الناس وعقولهم”.
وأسست رؤيا سادات عندما كانت في العشرينات من العمر شركة مستقلة للإنتاج السينمائي تحمل اسم “رؤيا فيلم هاوس” مع شقيقتها آلكا، ونالت منحة لدراسة الإخراج السينمائي في كوريا الجنوبية. كما كتبت أعمالا درامية للتلفزيون لحساب شركة “موبي غروب” النافذة في المجال.
وتروي المخرجة في أفلامها قصصا عن النساء الأفغانيات. ومنذ انطلاق مسيرتها، واجهت رؤيا تساؤلات من عائلتها وانتقادات من مجتمعها، لكنها تشدد على أن السكان المحليين يتفهمون ما تقدمه عندما يأتون لمشاهدة أعمالها.
ويظهر فيلمها الصادر في 2017 بعنوان “إيه ليتر تو ذي بريزيدنت” (رسالة إلى الرئيس)، امرأة تتصدى لزوجها العنيف فتقتله عرضا.
وقد صوّرت سادات تمرد امرأة في بلد تُرغم نساؤه في أحيان كثيرة على الصمت في مواجهة انتهاكات الزوج، لكنها تستذكر أنها كانت تتوقع “ردود فعل سلبية” بفعل المحظورات القائمة بشأن سلوك النساء في المجتمع، لكن على العكس، لقي مشهد الصفع تصفيقا من الحاضرين.
ولا يخلو عملها في مجال السينما من المجازفة، فهذا الميدان لا يزال يثير إشكاليات في أجزاء من أفغانستان كما أن المواضيع التي تطرحها وتصوّر فيها الظلم اللاحق بالنساء تبقى مثار جدل.
وتؤكد عزمها دعم الأجيال المقبلة من المخرجات الأفغانيات، ولا تزال تأمل في الاستمرار بالتحدي ورفع صوت مواطنيها من خلال السينما التي ترمي إلى تغيير ما في قلوب الناس وعقولهم.
وتقول “السينما في إمكانها تحدي عدم التمييز والظلم، يمكنها أن تكسر محرمات اجتماعية وتدعو الناس إلى الحوار”.