"رؤى" المكي مغارة حاضرة في التشكيل المغربي حتى بعد رحيله

تطوان (المغرب) - يحتضن مركز الفن الحديث بتطوان من السابع من أكتوبر وإلى غاية الحادي عشر من نوفمبر القادم معرضا خاصا للفنان التشكيلي الراحل المكي مغارة تحت عنوان “رؤى”، وذلك لتقديم خبايا إبداعاته الخالدة من زوايا مختلفة ومتعددة.
ويقدم المعرض الذي يشرف على تنظيمه المعهد الوطني للفنون الجميلة ومؤسسة المكي مغارة بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والاتصال (قطاع الثقافة) إبداعات الراحل مغارة الذي يعد أحد رواد المدرسة التشكيلية التطوانية.
ويأتي المعرض لإعادة ارتباط الفن التشكيلي المغربي بتراث هذا الفنان الرائد من خلال رؤى جديدة بصيغة الجمع وبرؤى المتلقي أيضا من خلال سحر فترة الإبداع والمجد الذي يشكل جزءا مهما من تاريخ الفن المغربي.
المعرض يلقي الضوء على المساهمة الاستثنائية للمكي مغارة في تاريخ الفن المغربي تقديرا لمواهبه المتعددة
ويسعى المنظمون من خلال المعرض لإلقاء الضوء كذلك على المساهمة الاستثنائية للمكي مغارة في تاريخ الفن المغربي تقديرا لمواهبه المتعددة، وهي مساهمة فنية تسترجع رحلة فريدة أثمرت إنجازا بصريا لا يقدر بثمن يستحق أن يدرج في مجموعات أعظم المتاحف في العالم، وفق تقديم للمنظمين.
وأبرز بلاغ المعهد الوطني للفنون الجميلة أن المعرض يتوخى أن يستعرض “شهادة أناقة وإبداع”، وهو نقطة انطلاق لإنشاء فضاء متحفي سيعرض به التراث الفني المرئي للتشكيلي الراحل المكي مغارة ذي القيمة المعتبرة.
ويتطلع هذا الحدث الفني إلى أن يكون أيضا منصة لتقديم الفنان الراحل المكي مغارة من زوايا متعددة ومن خلال أعماله الفنية التي يعبر فيها بوسائل مختلفة عن تفاصيل الزقاق وفضاءات المدينة العتيقة لتطوان الملهمة لإبداعاته، والتي لا يلاحظها الزائر العادي.
والفنان التشكيلي الراحل المكي مغارة رسام بديع ونحات ومبدع لتنصيبات سابقة لعصره وصائغ رائد، إذ يعتبر عمله في ابتكار العملات المعدنية سكّها بنك المغرب مصدر فخر للمملكة المغربية.
وفي هذا المعرض ينظر إلينا التشكيلي الراحل المكي مغارة وينقل رؤيته الصافية والصريحة للعالم وللآخر بكل حب وإخلاص من خلال إبداعاته ويعلم، بالإضافة إلى دروس الفن، روح الأخوة والتعايش والانتماء إلى حضارة ذات غنى لا حصر له.

الفنان الراحل يعرف أنه اهتم منذ طفولته بالفن وخصوصا بالفن التشكيلي حيث أقام أول معرض له وعمره لا يتجاوز 16 سنة
والمكي مغارة (1933 – 2009) استطاع طوال مسيرته الفنية أن يرتقي بالفن التطواني ويكون من خلاله رائدا في حركة التشكيل المغربي المعاصر.
ويعرف عن الفنان الراحل أنه اهتم منذ طفولته بالفن وخصوصا بالفن التشكيلي حيث أقام أول معرض له وعمره لا يتجاوز 16 سنة.
وفي عام 1952 بدأ تكوينه الأكاديمي بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان، المدرسة التي أسسها أستاذه مريانو بيرطوشي. ثم في عام 1955 انتقل إلى إسبانيا بهدف متابعة تكوينه وذلك في المدرسة العليا للفنون الجميلة سانتا إسبيل دو إنكرية بإشبيلية، ثم التحق عام 1959 بالمدرسة العليا للفنون الجميلة (المدرسة المركزية سان فرناندو) بمدريد.
وفي سنة 1960 أنهى دراسته العليا، وعيّن أستاذا بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان. وفي سنة 1992 تقاعد من التعليم وتفرغ لميدان الفن.
وتوجد أعمال الفنان الراحل في مجموعات خاصة ورسمية داخل التراب المغربي وخارجه مثل إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة، تونس، العراق، وسوريا وغيرها.
كما توجد أعماله في متحف “دو بوبو كليكو” بسانتياغو دي كومبوستيلا بإسبانيا، ووجدت في المتحف السابق للفن المعاصر بطنجة.
واتسمت أعمال الفنان بنبشها في التراث المغربي وكل ما له صلة به، حيث احتلت المدن والحارات والأسواق المغربية العتيقة قلب اهتماماته الإبداعية، إلا أن تطوان، مسقط رأسه، ظلت دائما وباستمرار هي ملهمته الأولى التي جعلت منه فنانا منحازا لتراثه وهويته.

إبداعات الراحل الذي يعد أحد رواد المدرسة التشكيلية التطوانية
وبارتباطه الوثيق بالتراث، لم يسجن المكي مغارة نفسه في أسلوب فني واحد، بل خاض دروب التجديد وقدم للفن التشكيلي المغربي أعمالا مشغولة بالأكريليك والزيت والألوان المائية وحتى التقنيات المزدوجة. ووظفت أعماله كل الإمكانات التقنية ومن ضمنها تقنية الصور الثابتة التي تقوم على خلط الأكواريل بالصباغة الزيتية لتكون صورة عن التحرر المطلق من أي ضغوطات أو إكراهات فنية.
وجعل مغارة من الممارسة الفنية فعل تدوين خطي ولوني، ينقل من خلاله انطباعاته أثناء تجواله بين المدن والأرياف المغربية، في محاولة منه لتخليد ذلك التقاطع الفذّ بين الجغرافيا بتنوع صورها والتاريخ بطبقاته المتداخلة. وكانت أعماله أشبه بإيحاء بصري يقتفي أثر الجمال المغربي في كل شيء، ولاسيما في كل ما يرتبط بالتراث والهوية.
ولم يكن المكي مغارة مبدعا في الرسم والتشكيل فقط، بل كان أيضا مصمما بارعا للقطع النقدية، إذ اعتمد بنك المغرب على خبراته في إنجاز العديد من القطع النقدية.
وكتب عنه زميله وتلميذه الفنان المغربي بوعبيد بوزيد “إن أي محاولة لسبر أغوار التجربة التشكيلية للفنان المكي مغارة تعتبر مجازفة منعدمة الخلاص، وذلك لتراكم مساراتها المتعددة والمتشبعة منبعا وروافد، والمنبجسة من أساليب ومفاهيم اعتنقت عقيدة الخطوط والألوان والأشكال إلى درجة الهيام الصوفي”.