رؤوس الأموال الخليجية في جولة جديدة للاستحواذ على البنوك المصرية

متانة القطاع المصرفي وتحوطه من المخاطر يغريان البنوك الأجنبية بالمنافسة.
الاثنين 2022/02/14
هيرميس.. الاسم يكفي لنرى السباق باتجاه دخول السوق أكثر إثارة

رجح خبراء مصرفيون أن تشهد مصر دفعة جديدة من الاستحواذات على بعض البنوك المحلية خلال الفترة المقبلة مع عزم عدد من فروع المصارف الأجنبية تخارجها بسبب استراتيجيات المجموعات الأمّ لها والتي تفرض إجراء تغييرات أو إعادة هيكلة لمنظومة أعمالها.

القاهرة - تلوح في أفق المشهد الاقتصادي المصري بوادر استحواذات جديدة بالقطاع المصرفي في خطوة تؤكد جاذبية ذلك القطاع للاستثمار فيه، مع الكثافة السكانية في البلد التي تتخطى المئة مليون نسمة وارتفاع كفاية رأس المال في البنوك المصرفية.

ويبرهن على الخطوة الجديدة المساعي التي يبذلها بنك أبوظبي الأول حاليا، وهو أكبر البنوك الإماراتية، الاستحواذ على المجموعة المالية هيرميس المصرية، وهي أكبر بنوك الاستثمار بالشرق الأوسط، والتي تمتلك نحو 51 في المئة من بنك الاستثمار العربي بالبلاد.

ويعج القطاع المصرفي المصري بالكثير من فرص الاستثمار الواعدة في ظل ارتفاع سريع في عدد السكان وعدم قدرة البنوك على تلبية الطلب على الخدمات المصرفية.

وسجلت السوق المحلية نحو تسع عمليات استحواذ وتخارجات في السنوات الماضية، أبرزها عام 2013 عندما استحوذ بنك الإمارات دبي الوطني على بنك بي.أن.بي باريبا بقيمة 500 مليون دولار. وفي العام ذاته استحوذ بنك قطر الوطني على البنك الأهلي سوسيتيه جنرال بقيمة 2.5 مليار دولار.

هاني أبوالفتوح: إيقاف البنك المركزي رخص العمل الجديدة يُنعش الصفقات

وبعد عامين، استحوذ البنك الأهلي الكويتي على بنك بيريوس مصر بقيمة 70 مليون دولار، وفي العام نفسه قام البنك التجاري الدولي بالاستحواذ على محفظة التجزئة التابعة لسيتي بنك في مصر.

كما استحوذ البنك العربي الأفريقي على بنك نوفا سكوشيا في نفس الفترة، واستحوذ بنك التجاري وفا بنك المغربي على بنك باركليز البريطاني، رغم أن السوق شهدت تخارج البنك الوطني العماني.

وفي 2021 استحوذ بنك المؤسسة العربية المصرفية البحريني (أي.بي.سي) على بنك بلوم مصر اللبناني، وكذلك بنك أبوظبي الأول الإماراتي على بنك عودة اللبناني، لتكون البنوك الخليجية صاحبة نصيب الأسد من الاستحواذات في السوق المصرية في الأعوام الأخيرة.

وستشهد الفترة المقبلة تخارج البنك الأهلي اليوناني نهائيا من السوق المحلية بعد أن أغلق ثمانية فروع له، تمثل نصف شبكة فروعه في مصر من إجمالي 17 فرعا ضمن خطة تصفية أعماله بالبلاد.

ويستهدف البنك اليوناني التخلي عن باقي الفروع خلال العام الجاري والاقتصار فقط على المقر الرئيسي إلى حين انتهاء عمليات التصفية التي لم يتم تحديد إطار زمني لها مسببا أزمة لدى العاملين الذين لجأوا إلى البنك المركزي لتوفير فرص عمل لهم.

وتوقع الخبير المصرفي هاني أبوالفتوح أن تشهد الفترة المقبلة عدة استحواذات جديدة في ضوء خروج بعض فروع البنوك الأجنبية بمصر لأن البنك المركزي لا يمنح رخص عمل لدخول مصارف جديدة، فعدد البنوك حاليا يكفي لتلبية الخدمات المصرفية.

وحسب بيانات المركزي، فإن عدد البنوك المسجلة بلغت 38 بنكا موزعة بين 11 بنكا حكوميا أبرزها الأهلي ومصر والقاهرة، و21 بنكا أجنبيا أبرزها أبوظبي الأول وقطر الوطني الأهلي والتجاري وفا بنك وكريدي أغريكول والبنك الأهلي الكويتي، إلى جانب خمسة بنوك برأسمال مشترك، وبنك واحد خاص.

ووافق مجلس إدارة المركزي في يناير الماضي على منح رخصة لبنك ستاندرد تشارترد البريطاني للعمل بالبلاد لأول مرة، لكنه يعمل كفرع بنك أجنبي، ومن ثم لن يتعامل بالعملة المحلية، وهي خطوة اعتبرها خبراء دليلا على جاذبية الاستثمار في القطاع المصرفي.

وقال أبوالفتوح لـ”العرب” إن “البنوك الخليجية تعزز من تواجدها في مصر لمتانة القطاع واستقرار الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية، لاسيما بنك أبوظبي الأول باعتباره من أكبر المصارف الخليجية وأولها تواجدا في مصر منذ 47 عاما، إذ كان يعمل تحت اسم بنك أبوظبي الوطني”.

ويعد تحول القاهرة نحو الرقمنة فرصة واعدة للبنوك الخليجية التي تمتلك تكنولوجيا مالية متقدمة، وتسعى إلى اقتناص فرص الاستثمار في سوق تعاني أمية مصرفية كبيرة، إذ يسمح قانون البنك المركزي الجديد بمنح رخص إلكترونية جديدة للبنوك الأجنبية.

شوقي الشرقاوي: خطوة تعزز تطوير القطاع وتدعم ضخ رؤوس أموال أجنبية

ويشهد ذلك النوع من البنوك رواجا كبيرا عالميا. وقد يدفع حاجة السوق المصرية إلى خدمات التجزئة المصرفية والتحويلات والمدفوعات الرقمية، المركزي إلى منح تراخيص لتأسيسها في مصر، إذ تعتزم 5 بنوك محلية حاليا ممارسة ذلك النشاط.

ويعتقد الخبير المصرفي أحمد الشرقاوي أن انتعاش صفقات الاستحواذ بالقطاع المصرفي تؤكد جاذبيته، موضحا أنه لا زالت توجد فرص واعدة لدخول ذلك القطاع، لاسيما أن مصر لديها ميزة كثافة مصرفية تصل إلى نحو 22.5 في المئة.

وتعني تلك النسبة أن كل فرع من البنوك المتواجدة في مصر يقدم خدماته لنحو 22.5 ألف فرد، وهو معدل كبير يعني أن هناك إقبالا على ذلك القطاع ورواج الاستثمار فيه، ولذلك يتحمل السوق دخول بنوك جديدة أو توسعات مصرفية.

وقال الشرقاوي لـ”العرب” إن “استحواذات البنوك الأجنبية تعزز من تطوير القطاع لاسيما أنها تعمل تحت مظلة البنك المركزي ورقابته، فضلا عن أن ذلك يعزز من ضخ رؤوس أموال جديدة بالبلاد”.

وعكست تقييمات وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية في يناير الماضي، حجم المخاطر التي قد يتعرض لها القطاع المصرفي المصري وسط ترجيحات تعرضه لمشكلات قد تمس من جودة أصوله، خاصة المتعلقة بالتمويل والسيولة.

وتوقع خبراء الوكالة في تقريرهم حينها أن “تواجه البنوك المصرية بعض الضغوط إذا استمرت الأصول الأجنبية في التراجع”.

ولكن الشرقاوي يرى أن البنوك المحلية تتجاوز النسب العالمية في معيار “كفاية رأس المال”، والتي تبلغ نحو 19 في المئة لتتخطى النسب التي حددتها لجنة التسويات في لجنة “بازل” للرقابة المصرفية عالميا والتي تحددها عند 13 في المئة.

ومعيار كفاية رأس المال هو نسبة مكونات رأسمال البنك إلى أصوله المرجحة بأوزان المخاطر العرضية ويوضح العلاقة بين مصدر رأس المال والمخاطر المحيطة بأصول البنك وأي عمليات أخرى.

كما أن هذا المعيار هو عبارة عن أداة لقياس ملاءة البنك، أي قدرته على مقابلة التزاماته ومواجهة أي خسائر قد تحدث في المستقبل، بهدف حماية المؤسسة المصرفية وفي الوقت ذاته المودعين والمقرضين الآخرين.

وتؤكد توسعات البنوك الأجنبية في مصر وافتتاح فروع جديدة ثبات مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفي، وظهر ذلك بقوة مع تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي خلال الجائحة.

11