"ذهاب فقط".. ليلة عصيبة على الطريق في حياة شخص هارب

كاتب السيناريو يغفل الإجابة عن العديد من الأسئلة لكننا في الأخير وجدنا الشخصية وهي تجسد واحدا من أفلام الطريق المتميزة.
الأحد 2022/09/25
هروب مليء بالخيانات والجراح

طاهر علوان

نتأمل ذلك الفرد في عزلته الأخيرة وهو ما بين بحثه عن حرية مفقودة وخلاص يمكن أن يظهر مثل شعاع في آخر الطريق، هنا سوف ينحو السرد نحو الفردانية والذات الواحدة المحطّمة وهي تحاول لملمة ذلك الحطام بشكل ما على أمل أن تعيش حياة سويّة.

هذا التوصيف ينطبق على شخصية فريدي (الممثل كولسون بيكر) في فيلم “ذهاب فقط”، وهو في قضيته القدرية المصيرية التي يحاول فيها التخلص من ماضيه بما فيه من آثام، ها هو يدفع ثمنها هاربا وحاملا حقيبة محشوة بالمخدرات والدولارات التي سرقها من العصابة، التي دمرت له حياته وأهدته رصاصة لا تزال تحفر في جوفه وتستنزف دمه.

دفاتر الماضي متراكمة، وعلة فريدي أنه صاحب الكبار الذين سحقوه ولا يزالون يزحفون نحوه بلا هوادة لكي يبقى عبدا مطيعا، وقبل ذلك ليعاقب على فعلته.

ها هو فريدي فارّ من العصابة في ساعة متأخرة من الليل، ليلجأ إلى باص يتنقل بين الولايات، سوف يأخذه إلى حيث يمكنه أن يعيش حياته من جديد، لكن تلك الرحلة في جوف ذلك الباص سوف تحيلنا إلى المزيد من التحولات من خلال بناء سردي تشكل فيه الشخصية الواحدة عنصرا أساسيا فيه.

هذا النوع من أفلام الطريق قدم لنا حصيلة وافرة من الأحداث والشخصيات لكن بدت وكأنها مقطوعة

من خلال شخصية فريدي سوف نكتشف ونتعرف على تلك الشخصيات الإشكالية التي حفرت عميقا في حياته، مما جعله في وسط مربع لا حيلة له للخروج منه.

فمن جهة هو كان قد ترك وراءه زوجة أو صديقة أنجب منها طفلة، ومن جهة أخرى ترك وراءه أيضا صديقين مقرّبين منه، ومن جهة ثالثة هنالك شخص متعجرف ما نلبث أن نكتشف أنه والده، وأما الضلع الرابع من هذا المربع الذي يحيط بفريدي فهو ثلة القتلة من أفراد العصابة الذين تقودهم فيك (الممثلة دريا دي ماتو).

الكائن الجريح الذي يكابد آلامه يبدأ بطرق أبواب من يستطيعون إنقاذه، صديقته، والده، أصحابه، فإذا بهم يتوارون عن حياته تباعا وكل عنده أسبابه، صديقته الممرضة تجد نفسها مشغولة بمهام عملها في المستشفى فضلا عن الخيانة التي عاشتها بسببه بعد تركه لها في طعنة لن تنساها، والده هو الآخر قد تخلى عنه مع أنه الوحيد الذي يمكن أن ينقذ حياته بسبب تطابق فصيلتي الدم بينهما، أما الصديقان فقد قامت مافيا المخدرات بالانتقام منهما وكأنهما كانا قربانا من أجل الوصول إليه، ولهذا لا يستطيع أن يتخيل تلك الصدمة بفقدانهما وبسببه إلى حد ما.

هذه الحصيلة التي تتعلق بحياة فريدي في الخارج أي في الأماكن الأخرى وهي فاصلة في السرد، تمكنا من خلالها أن نتعرف على جانب مهم من حياة فريدي عبر تلك الحوارات المتوترة، لاسيما وأن فريدي في وضع عسير.

أما داخل الباص وفي إطار سينما الطريق فثمة إشكاليات أخرى يتم نسجها بهدوء سواء من خلال السيناريو أو من خلال إدارة المشاهد من طرف المخرج وفريقه، ولنا أن نتخيل أولا وقبل كل شيء أن أغلب أحداث الفيلم ما عدا مشاهد قليلة قد تم تصويرها في داخل الباص، وفي موقع وزاوية للكاميرا يتناسب مع طبيعة المكان الليلي داخل الباص نفسه.

هروب

في داخل تلك البوتقة المكانية هنالك راشيل (الممثلة ستورم ريد) التي تبدو لفريدي وكأنها في سن ابنته، لكنه لا شعوريا يحس بالقلق تجاهها بعد أن تطلب منه التلفون لإجراء مكالمة مع صديق لها يكون بانتظارها، وهنا سوف يحذرها فريدي من أي شخص هو أكبر منها ليتدخل شخص من داخل الباص أيضا ويقدم نفسه على أنه مفوض اجتماعي لتتبع حالات الشباب دون سن 18 الذين يهربون من عائلاتهم، ومحذرا فريدي من محاولة إغواء الفتاة، لنكتشف فيما بعد وبوساطة ذكاء فريدي أن هذا الشخص هو نفسه الذي يفترض أنه صديق راشيل وسوف ينتظرها في محطة قادمة.

وفي وقت نكتشف فيه شخصية ذلك الذي ينتحل صفة الباحث الاجتماعي المزيف، فإننا سوف نكتشف شخصية الأب الذي يفترض أنه قادم لإنقاذ ابنه من محنته، لكننا نكتشف أنه جاء لكي يضربه فيما هو ينزف دماء غزيرة لكي ينتزع منه المال والمخدرات، وتكون المفاجأة أن يتحد راكبو الباص جميعا ضده.

أما من الجهة الأخرى وفي ما يخص صديقة فريدي فإنها تقرر إنقاذه فيما هو يتحاشى الذهاب إلى المستشفى، لكنه يكون قد دخل في المرحلة الأخطر من خلال المظاهر الهذيانية وشبه الإغماء، ولهذا يكلف راشيل بأن توصل المال إلى صديقته وابنته.

واقعيا إن هذا النوع من أفلام الطريق قدم لنا حصيلة وافرة من الأحداث والشخصيات، لكن بدت وكأنها مقطوعة من جذورها، فقد أغفل كاتب السيناريو والمخرج الإجابة عن العديد من الأسئلة، منها مثلا لماذا يهرب فريدي بالمال والمخدرات؟ وما جذور علاقته بالعصابة؟ وما طبيعة علاقته بزعيمة العصابة؟ وتفاصيل أخرى كانت غائبة، لكننا في الأخير وجدنا الشخصية وهي تجسد واحدا من أفلام الطريق المتميزة.

14