ذعر التضخم يزيد اندفاع تركيا نحو خفض الفائدة

رجح محللون أن تواصل تركيا جولاتها المثيرة للجدل لخفض أسعار الفائدة إلى خانة الآحاد خلال بقية هذا العام، في مغامرة يديرها الرئيس رجب طيب أردوغان لتعزيز نمو الاقتصاد قبل انتخابات يونيو المقبل، وسط تعاظم الشكوك في تحقيق الأهداف.
أنقرة - دفع محافظ المركزي التركي شهاب قاوجي أوغلو السياسة النقدية إلى مستويات جديدة مقلقة، بينما يتجاوز التضخم في بعض المدن ومن بينها إسطنبول حاجز المئة في المئة، على عكس ما تشير إليه الإحصائيات الرسمية.
وقررت لجنة السياسة النقدية بالمركزي الخميس خفض سعر الفائدة الأساسية بمقدار 150 نقطة أساس إلى 10.5 في المئة من 12 في المئة، على الرغم من أن التضخم يفوق 83 في المئة. وهذا الخفض أكثر من توقعات المحللين.
وكان معظم الاقتصاديين الذين استطلعت آراءهم وكالتا رويترز وبلومبرغ قد توقعوا أن يتم خفض أسعار الفائدة إلى حدود 11 في المئة فقط، ولكن خطوة المركزي تكشف اندفاعة أنقرة غير محسوبة العواقب باتجاه كبح أسعار الاستهلاك القياسية، والتي قد لا تصل إلى أهدافها.
وجاء الخفض في سعر إعادة الشراء لأجل أسبوع، بينما تتسابق البنوك المركزية عالميا في الاتجاه الآخر لتشديد السياسة النقدية بعدما خلفت الحرب في أوكرانيا ندوبا عميقة على اقتصادات الدول التي تعاني من آثار ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتكاليف الشحن وقلة الإمدادات.
وتغرد تركيا خارج السرب مقارنة بالبنوك المركزية حول العالم التي ترفع تكاليف الاقتراض بقوة لاحتواء أكبر صدمات التضخم منذ عقود.
وقال المركزي في بيان إن “قرار خفض الفائدة جاء بعد تقييم العوامل التي تؤثر على السياسة النقدية مثل الطلب والتضخم الأساسي والعرض”.
وأكد أنه سيواصل استخدام جميع أدوات السياسة النقدية من أجل تعزيز الليرة و”حتى تظهر مؤشرات قوية على انخفاض دائم في التضخم ويتم تحقيق هدف 5 في المئة على المدى المتوسط”.
وتراجعت الليرة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 18.6 مقابل الدولار بعد الإعلان. وخسرت العملة التركية 29 في المئة من قيمتها هذا العام، فضلا عن انخفاض بنسبة 44 في المئة في العام الماضي.
وبعد الدعوات المتكررة للرئيس أردوغان مؤخرا لخفض أسعار الفائدة، يتوقع إبراهيم أكسوي كبير الاقتصاديين في ذراع إدارة الأصول في بنك أتش.أس.بي.سي في تركيا أن يكون تحرك المركزي بنفس المقدار خلال اجتماعي لجنة السياسة النقدية المتبقيين.
وقال في تصريح لوكالة بلومبرغ “بعد اجتماع اليوم (الخميس) نتوقع أن تنخفض الفائدة إلى تسعة في المئة بحلول نهاية 2022”.
وخفض المركزي التركي سعر الفائدة من 15 إلى 14 في المئة في ديسمبر الماضي، ثم ثبتها لمدة سبعة أشهر حتى يوليو الماضي، ليخفض الفائدة إلى 13 في المئة في أغسطس ثم إلى 12 في سبتمبر الماضي.
10.5
في المئة سعر الفائدة الجديد بعدما كان عند 12 في المئة خلال الشهر الماضي
وعلى الرغم من الارتفاع الأكبر في أسعار المستهلكين منذ عام 1998، اتخذ المركزي خطوة مفاجئة باستئناف خفض أسعار الفائدة في أغسطس بعد توقف دام أشهرا، مما يشير إلى أن خطر التباطؤ الاقتصادي يستدعي خفض أسعار الفائدة.
ووصف صناع القرار السياسي والنقدي في تركيا ضغوط الأسعار بأنها “مؤقتة”، وألقي باللوم عليها في ارتفاع تكاليف السلع عالميا الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي.
وتقول الحكومة إن التيسير النقدي جزء من البرنامج الاقتصادي الجديد الذي يسعى لتعزيز النمو والاستثمارات والتوظيف وتنمية الصادرات من خلال خفض تكاليف الاقتراض، وخاصة للمصدرين والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وذكر البنك المركزي في بيانه أن اللجنة تراقب الأسواق العالمية وآثار التضخم العالمي عن كثب، موضحا أن البنوك المركزية العالمية تشير إلى استمرار ارتفاع التضخم بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.
ويتوقع أن تبدأ عملية تخفيف التضخم بإعادة إنشاء بيئة السلام العالمي، جنبا إلى جنب مع الخطوات المتخذة بحزم لتعزيز استقرار الأسعار المستدام والاستقرار المالي.
لكن حتى قبل الحرب، كان التضخم في تركيا يقترب من 50 في المئة بعد دورة تيسير في نهاية 2021 تقلصت فيها أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس.
وتجاوز نمو الأسعار السنوي الشهر الماضي حدود المسموح به بشكل كبير. وقدرها المحللون عند ما يقرب من 17 ضعف الهدف الرسمي للبنك المركزي.
وتقول سيلفا بحر بازيكي المحللة الاقتصادية في بلومبرغ إيكونوميكس إن البنك المركزي سيواصل على الأرجح دورة التيسير للوصول إلى مستهدف القيادة السياسية المتمثل في أسعار الفائدة أحادية الرقم بحلول ديسمبر المقبل.
وأوضحت أنه قد يكون هذا هو الهدف الوحيد الذي يحققه البنك المركزي العام الجاري.
وتحاول تركيا ضمان تدفق الائتمان من خلال سياستها النقدية من أجل تحريك الأسواق والقطاعات الإنتاجية ما يسمح بتعزيز مستويات نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وفي السنوات الماضية نمت معدلات الفائدة في تركيا، منفصلة بشكل متزايد عن الظروف النقدية في جزء كبير من الاقتصاد، وأدّت سلسلة مما يسميه المسؤولون بالإجراءات الاحترازية الكلية إلى تباطؤ الإقراض مع تغييرات تنظيمية مثل إدخال متطلبات الضمانات.
وسعى هذا النهج لضمان تدفق الائتمان إلى الصناعات التي يفضلها أردوغان الذي يراهن على أن الأموال الرخيصة ستزيد الإنتاج والاستثمار بالإضافة إلى توفير وظائف جديدة.
وأقال أردوغان أسلاف قاوجي أوغلو الثلاثة لأنهم اتخذوا موقفا اعتبره غير تيسيري بما فيه الكفاية.
وفي حين يستعدّ الرئيس أردوغان للتنافس على فترة ولاية أخرى في منصبه، يعطي النمو على استقرار الأسعار والليرة الأولوية، وهي العملة الأسوأ من حيث الأداء منذ بداية 2022 في الأسواق الناشئة بعد البيزو الأرجنتيني.
وإلى جانب التركيز على إنعاش الاقتصاد، يعتقد أردوغان أن أسعار الفائدة المنخفضة ستؤدي إلى انخفاض التضخم، وهي وجهة نظر تتعارض مع السياسة التقليدية ولم تدعمها حتى الآن الأدلة في تركيا.
ومع ذلك، قال الرئيس التركي في وقت سابق هذا الشهر إنه ما دام رئيسا “فسوف تستمر أسعار الفائدة في الانخفاض كل يوم وأسبوع وشهر”.