"ذباب مايو".. مصنع أكاذيب إيراني على الإنترنت

تقارير متخصصة تبين أن شخصيات وهمية كثيرة، وهي من ضمن مجموعات “متحالفة مع إيران”، تقوم بانتحال صفة وسائل إعلام باستخدام مواقع مقلّدة من أجل “نشر أكاذيب وتضخيم روايات" على الإنترنت.
الخميس 2019/05/30
قرصة غير مؤثرة

الهجمات الإيرانية المتصاعدة وصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي. شركتا فيسبوك وتويتر أعلنتا الثلاثاء أنهما رصدتا أنشطة مشبوهة مصدرها إيران، على المنصتين الاجتماعيتين، لنشر دعاية سياسية.

واشنطن - قالت شركة فاير آي للحلول الأمنية الإلكترونية إن شبكة من الحسابات المزورة على منصات التواصل الاجتماعي انتحلت صفة مرشحين سياسيين وصحافيين لنشر رسائل داعمة لإيران ومناهضة للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الفترة التي أجريت فيها انتخابات الكونغرس عام 2018.

وذكرت أن النتائج التي توصلت إليها تظهر كيف يمكن لجماعات غير معلومة، وربما مدعومة من حكومات، أن تسيء استغلال منصات التواصل الاجتماعي من أجل الترويج لقصص أو أيّ محتوى آخر يمكنه التأثير على آراء الناخبين الأميركيين.

ووفقا لتقرير الشركة فإن هذه العملية المحددة ركزت بشكل كبير على الترويج لأفكار مناهضة للسعودية ولإسرائيل ومؤيدة للفلسطينيين.

وأضاف التقرير أن الحملة جرى تنظيمها عبر سلسلة من الشخصيات المزيفة التي أنشأت حسابات عديدة على منصات التواصل الاجتماعي ومن بينها تويتر وفيسبوك. وأُنشئت أغلب هذه الحسابات العام الماضي وجرى إغلاقها منذ ذلك الحين.

وأكدت شركتا تويتر وفيسبوك نتائج فاير آي بشأن إنشاء حسابات وهمية على منصتيهما.

وقال لي فوستر -وهو باحث يعمل مع فاير آي- إنه وجد أن بعض الشخصيات المزيفة، التي تنتحل في الغالب صفة صحافيين أميركيين، نجحت في إقناع عدة وسائل إعلام أميركية بنشر رسائل أو مقالات أو تدوينات.

وقال التقرير إن هذه الكتابات عرضت وجهات نظر تقدمية ومحافظة على حد سواء وتناولت موضوعات تشمل قرار إدارة ترامب إدراج الحرس الثوري الإسلامي الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية.

وقال فوستر “تقييمنا الذي نجريه باحتراز يفيد بأن هذه الشبكة قد نظمت لدعم المصالح السياسية الإيرانية… ومع ذلك نحن لم نصل إلى النقطة التي يمكن أن نحدد وِفْقَها مَن الذي يقوم بهذا العمل أو مِن أين يأتي. التحقيق مستمر”.

وقالت تويتر في بيان إنها “حذفت هذه الشبكة، المؤلفة من 2800 حساب غير موثق ومنشؤها في إيران، في بداية مايو”، مضيفة أنها تجري تحقيقا في الأمر.ورغم أن الشركة لم تذكر جهة إيرانية محددة، فقد أشارت إلى أن بعض الحسابات أظهرت تأييدا للاتفاق النووي عام 2015 الذي انسحبت منه واشنطن. وعبرت تلك الحسابات عن وجهات نظر مناهضة لسياسات الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط.

وقبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 2018، أنشأت الجماعة التي لا اسم لها، حسابات على تويتر انتحلت شخصيات مرشحين للكونغرس عن كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وليس واضحا ما إذا كان للحسابات المزيفة أي تأثير على حملات هؤلاء المرشحين.

وقالت فيسبوك إنها حذفت 51 حسابا على موقعها و36 صفحة وسبع مجموعات وثلاثة حسابات على منصة إنستغرام مرتبطة بعملية التأثير.

ومنصة إنستغرام مملوكة لشركة فيسبوك التي خلصت أيضا إلى أن هذا النشاط نشأ في إيران. لكن ليس واضحا ما إذا كانت العملية مدعومة من الحكومة الإيرانية أم غير مدعومة منها.

من بين الحسابات الموقوفة حسابان مزيفان لمرشحتين جمهوريتين ترشحتا لعضوية مجلس النواب الأميركي، الأول لمارلا ليفينغود، التي خسرت سباق تمثيل الدائرة التاسعة في كاليفورنيا، وجينيا بوتلر التي لم تفز في السباق على مقعد الدائرة التاسعة في نيويورك.

 الحملات أظهرت كيف يمكن لجماعات غير معلومة، أن تسيء استغلال منصات التواصل الاجتماعي من أجل الترويج لقصص أو أيّ محتوى آخر يمكنه التأثير على آراء الناخبين
 الحملات أظهرت كيف يمكن لجماعات غير معلومة، أن تسيء استغلال منصات التواصل الاجتماعي من أجل الترويج لقصص أو أيّ محتوى آخر يمكنه التأثير على آراء الناخبين

استخدمت الحسابات المزيفة صورا حقيقية للمرشحتين، ومن ثمّة كتبت تعليقات على الموضوعات السياسية السائدة، والقضايا المتعلقة بالمصالح الإيرانية.

وهذه الحملات ليست الأولى التي تم كشفها ولن تكون الأخيرة قطعا، وفق خبراء.

وتمثّل مثل هذه الحملات مؤشرا آخر على كيفية اختبار المعلومات المضللة عبر الإنترنت من قبل دول خارج روسيا، والتي  تم توضيح تدخّلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 بتفاصيل واضحة في تقرير المدعي الخاص روبرت مولر.

وهذا الشهر كشفت تقارير عن كيفية عمل مصنع “ذباب مايو” الإيراني.

وعبارة “ذباب مايو” أطلقها الباحثون في مركز “سيتزن لاب” بجامعة تورونتو الكندية على حملات التضليل الإيرانية.

ويعيش ذباب مايو حياة قصيرة للغاية، ويظهر بأعداد كبيرة في أشهر الصيف.

ووفق ما ورد في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية فإن هناك شخصيات وهمية كثيرة وهي من ضمن مجموعات “متحالفة مع إيران” تقوم بانتحال صفة وسائل إعلام باستخدام مواقع مقلّدة من أجل “نشر أكاذيب وتضخيم روايات ضد السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل”.

وقال الباحثون في دراسة مطولة، إن المجموعة التي أطلقوا عليها تسمية “إندلس ماي فلاي- ذباب مايو الذي لا ينتهي” تستخدم هويات مزوّرة لتضخيم الروايات عبر إطلاق تغريدات بشأنها أو إرسال الروابط إلى آخرين. وأعطى الباحثون مثالا على ذلك قصة نشرتها وكالة رويترز في عام 2017 مستقاة من رواية ملفّقة قيل إنها نشرت في صحيفة “ذا لوكال” السويسرية.

واستخدمت صحيفتا “غلوبال نيوز” و”جيروزالم بوست” وغيرهما قصة وكالة رويترز التي حذفتها في وقت لاحق.

وتعتمد تلك الشبكات على تصميم مواقع شبيهة بالمنصات الإعلامية الأصلية مع بعض الفروقات كأن يكون عنوان الموقع الإلكتروني منتهيا بـnet بدلا من com على سبيل المثال، أو كتابة اسم الموقع بحرف واحد مختلف يصعب تمييزه إلا عند التدقيق المكثّف. (على سبيل المثال ذا غاراديان بدلا من ذا غارديان).

كذلك يعتمد منفذو الهجمات أسلوب نشر مقال في موقع يحمل اسم نطاق شبيه بموقع شهير، وبعد فترة يتم تغيير الرابط بحيث يقود المستخدم عند النقر عليه بعد مدة إلى الموقع الأصلي للصحيفة، ليظهر الأمر كما لو أن الأخيرة قد حذفت المقال أو أرشفته.

ولفت التقرير إلى أن العملية تستمر حتى بعد حذف المقالات المزيفة، حيث تتم مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي عبر الرابط الذي اعتمدته مواقع حقيقية أصلية لم تدرك كونها مفبركة.

وقد نشرت المجموعة 135 رواية مزيّفة وأوجدت 72 اسم نطاق مشابها لوسائل إعلام مشهورة.

وبحسب مركز “سيتيزن لاب” فإن المجموعة قد تمكّنت منذ 2016 من الوصول إلى آلاف القرّاء في العالم بواسطة روايات ملفّقة على غرار تدبير وكالة الاستخبارات المركزية انقلابا في تركيا، وتمويل السعودية لحملة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتكتّل دول عربية ضد قطر للحؤول دون استضافتها نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022.

وقال معدّو التقرير إنه “لا يمكنهم أن يثبتوا بشكل قاطع” وقوف إيران وراء الحملة، لكنّهم خلصوا في تقريرهم إلى أن الفاعلة “المرجحة” هي “إيران أو جهة متحالفة معها”، مشيرين إلى أن الروايات تتطابق مع مصالح إيران وخطابها السياسي.

19