ديون ليبيا تتراكم في ظل مراكز السلطة المتقاطعة

وزارة المالية في شرق البلاد تصدر سندات لدفع الرواتب، ومخاوف من افتقار الحكومتين المتنافستين لخطط السداد.
الجمعة 2019/03/08
إطفاء الأزمات المالية بالاقتراض وطباعة النقود

يتصاعد قلق المراقبين الدوليين من تراكم الديون الليبية بسبب الانقسام بين الشرق والغرب وغياب أي خطط واضحة للسداد في ظل ضياع المسؤولية بينهما وتركيز كلا الجانبين على مواجهة المشاكل وتعزيز النفوذ من خلال الاقتراض وطباعة النقود.

بنغازي (ليبيا) - قال مصرفيون ودبلوماسيون إن الحكومة الموازية في شرق ليبيا باعت سندات بأكثر من 23 مليار دولار لتمويل فاتورة الأجور، متجاوزة البنك المركزي في طرابلس، وهو ما سيترتب عليه عجز مالي محتمل في حال إعادة توحيد البلاد.

وتبيع وزارة المالية التابعة لحكومة الشرق السندات إلى بنك مركزي مواز في شرق البلاد، وتستخدم حصيلة البيع في دفع رواتب موظفي الحكومة هناك عبر بنوك محلية، مستخدمة دنانير طبع معظمها في روسيا.

ويتراكم الدين منذ 2014، حينما انقسمت البلاد إلى حكومتين، واحدة في طرابلس والأخرى في الشرق، بسبب صراع على السلطة في أعقاب سقوط معمر القذافي في عام 2011.

وحكومة شرق ليبيا مدعومة من خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، الذي يسيطر على شرق البلاد. كما انتشر في الجنوب أيضا منذ يناير وفرض سيطرته على حقول نفطية. وهناك دعوات بالاتجاه إلى الشمال الغربي للسيطرة على العاصمة طرابلس.

علي سالم الحبري: يمكن للبنك المركزي في الشرق تأخير سداد أصل الدين لمدة 15 عاما
علي سالم الحبري: يمكن للبنك المركزي في الشرق تأخير سداد أصل الدين لمدة 15 عاما

وتحاول الأمم المتحدة التغلّب على الانقسامات في ليبيا، لكنّ المعسكرين المتنافسين يتمترسان، مع قيام حكومة الشرق بإنشاء وزارات وشركة نفطية خاصة بها.

وفي طرابلس، تسيطر الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة على ميزانية سنوية تصل إلى 40 مليار دينار (29 مليار دولار)، لكنها تمول الشرق جزئيا فقط، وبشكل رئيسي في دفع رواتب موظفي الحكومة المعينين قبل عام 2014.

لكن منذ ذلك الحين، عينت الحكومة في الشرق الآلاف من الجنود والموظفين للعمل في وزاراتها الجديدة.

ولتغطية فاتورة الأجور وتمويل جيشها، الذي حارب 3 سنوات للسيطرة على بنغازي، جمعت حكومة الشرق 32 مليار دينار (23 مليار دولار) منذ 2014، عبر بيع سندات، متجاوزة طرابلس. ونسبت وكالة رويترز إلى علي سالم الحبري محافظ البنك المركزي في شرق ليبيا قوله، إنه سيتم إصدار سندات بقيمة 7 مليارات دينار خلال العام الحالي. ولكي يتمكن من دفع فائدة سنوية بنسبة 3 بالمئة على السندات، علًق الشرق حظرا عاما بموجب الشريعة الإسلامية على مثل تلك المدفوعات.

ويقول دبلوماسيون إنه بينما يعاني الشرق نقصا في أوراق النقد، فإن مصرفه المركزي لديه 10 مليارات دينار طُبعت في روسيا، استخدمها في دفع الرواتب والفائدة على السندات.

وتبيع وزارة المالية في الشرق السندات إلى بنكها المركزي، الذي يوجد الآن في مبنى جديد في مدينة بنغازي.

وفي داخل المبنى، لا توجد في معظم المكاتب أجهزة كمبيوتر أو هواتف، بينما بعض المكاتب خالية، لأن الموظفين ليس لديهم أي عمل يذكر، في حين تدير البنك المركزي في طرابلس إيرادات ليبيا النفطية واحتياطياتها من النقد الأجنبي تصل إلى 80 مليار دولار.

لكن هناك مبعث قلق في بنغازي حول كيفية سداد استحقاقات السندات، في وقت يقول فيه الحبري إن “القانون يسمح لي بتأخير سداد أصل الدين لمدة 15 عاما. لهذا لا توجد مشكلة”.

لكنّ الدبلوماسيين أقل ارتياحا، حيث يصفون السندات بأنها التزام يجب أن تغطيه ليبيا بمجرد توحيد الحكومتين والبنكين المركزيين في ظل اتفاق سياسي محتمل. ومن المقرر إجراء تدقيق محاسبي للبنكين هذا العام، في إطار خطة سلام للأمم المتحدة لتوحيدهما.

وتساءل دبلوماسي غربي قائلا “باع الشرق سندات لا يخطط لسدادها. كيف يتم تقييمها في اتفاق مستقبلي، بالقيمة الاسمية، أو أقل؟”.

وأضاف أن متاعب تنتظر البنوك المملوكة للدولة التي تدفع أجور موظفي الحكومة، مع استخدام البنك المركزي جزءا من ودائعها في دفع الفائدة على السندات. ويقول رجال أعمال إن البنوك قد تواجه صعوبات في الدفع لمودعيها من القطاع الخاص.

وقال الحبري إنه يدرس إطلاق سوق ثانوية للسندات لجمع 10 مليارات دينار من المواطنين وكيانات حكومية في الشرق، مثل صناديق الضمان الاجتماعي والبنوك.

وأضاف أن الشرق ينفق 400 مليون دينار شهريا على رواتب موظفي الحكومة وخدمات أساسية.

ويأتي في مقدمة ذلك ما يصل إلى 245 مليون دينار لرواتب “الجيش الوطني الليبي” الذي يقول إن لديه عشرات الآلاف من الجنود. ويقول دبلوماسيون إن جزءا من هذه الأموال يُستخدم في شراء معدات.

ومن المنتظر أن يرتفع الإنفاق العسكري منذ شن الجيش الوطني حملة في الجنوب في يناير. وقال الحبري إن بنكه أرسل 82 مليون دينار نقدا لإمداد بنوك في مدينة سبها الرئيسية في جنوب البلاد.

وأضاف أن طرابلس وافقت على دفع رواتب موظفي الحكومة في الشرق اعتبارا من العام الماضي بواقع 177 مليون دينار شهريا. وتضاف ديون الشرق إلى ديون متراكمة بنحو 65 مليار دينار راكمتها سلطات طرابلس منذ عام 2014، مع لجوئها إلى البنك المركزي هناك لتمويل التكلفة المرتفعة للرعاية الاجتماعية والخدمات العامة.

حسني بي: اقتراض الشرق والغرب يفاقم الدين العام والتضخم ومخاطر المصارف المحلية
حسني بي: اقتراض الشرق والغرب يفاقم الدين العام والتضخم ومخاطر المصارف المحلية

وتجري تغطية الدين من خلال قروض دون فائدة تقريبا من البنوك المحلية للبنك المركزي. وتقوم طرابلس أيضا بطباعة نقود في بريطانيا.

وقال رجل الأعمال البارز حسني بي، إن الاقتراض في الشرق والغرب يفاقم الدين القومي ويزيد التضخم ومخاطر للبنوك المحلية.

ومثلما الحال في الشرق، أجرت حكومة طرابلس تعيينات منذ 2014، ووضعت أعضاء من مجموعات مسلحة على قوائم الرواتب في محاولة بلا جدوى لشراء الولاء.

ويشير دبلوماسيون إلى أنه تمت أيضا إضافة خريجي الجامعات، ليتضخم عدد الموظفين الحكوميين في ليبيا إلى 1.8 مليون موظف مقابل نحو مليون في عام 2010.

وهناك مجال محدود للتنمية في ظل الإنفاق على الأجور ودعم الوقود ومزايا مثل العلاج في الخارج.

ولذلك لم تطلق أي خطة رئيسية لمشروعات البنية التحتية منذ 2011، مما ترك الطرق والمستشفيات في حالة سيئة.

وتنحصر معظم فرص التوظيف في الهيئات الحكومية وبصفة خاصة في الشرق. فالمؤسسة الوطنية للنفط في الشرق توظف نحو 500 شخص في مقرها ببنغازي، لكنّ المديرين يقرون بأنهم لا يجدون ما يفعلونه مع سيطرة طرابلس على صادرات النفط.

وقال أحد كبار المديرين، وهو يجلس إلى طاولة خالية في مكتب فسيح ولديه هاتف لا يصدر منه أي رنين، “نحن مستعدون للعمل لكننا ننتظر الأوامر”.

والأسوأ من ذلك، لا توجد ميزانية تقريبا لإعادة بناء بنغازي ودرنة، وهما مدينتان في الشرق دُمرت أحياء فيهما بالكامل جراء القتال.

وقال أسامة الكزة مدير مشروعات بلدية بنغازي، إن إعادة بناء المدينة المدمرة بمفردها تحتاج إلى 50 مليار يورو، في حين أن “لدينا فقط ميزانية تبلغ 500 مليون دينار لاستعادة الخدمات الأساسية”.

11