"ديوان الصبابة".. قصائد تؤرخ لعشاق العرب

الكتاب يزخر بأشعار في الحب والغزل والعشق وحكايات لطيفة مروية عن بعض الشعراء والأدباء وأهل السياسة والفقه.
الأربعاء 2024/06/26
العرب لهم قصص حب ملهمة (لوحة للفنان نزار الحطاب)

عمان - يعد “ديوان الصبابة” لشهاب الدين أحمد بن أبي حجلة التلمساني المغربي، للمحققين: خالد الجبر، وأحمد الشيخ، من أهم مصادر الأدب العربي في موضوع العشق، وهو تتويج لتآليف سبقته منذ خصص ابن قتيبة الدينوري (276هـ) الجزء الرابع من “عيون الأخبار” للنساء، وحشد فيه أشعارا طريفة في العشق والغرام، وأخبارا تتعلق بهذا الباب.

والكتاب يجمع بين دفتيه أشعارا في العشق، وقصصا للعشاق، مستشهدا بفيض من الأشعار، ومواقف من حياة النبي محمد والتابعين، ومشاهير الشعراء عبر العصور، ويحشد من الأمثال والحكم ومواقف الفلاسفة والمفكرين والحكماء عبر العصور من قبله. هذا إضافة إلى مقدمة في العشق وأسمائه وأحواله وأطواره، ومنافعه ومضاره، وما قيل في نشأته ونمائه واستحكامه، ووسائل الخلوص منه، ونهاياته الماتعة أو المحزنة.

الكتاب، الصادر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 644 صفحة، يزخر بأشعار في الحب والغزل والعشق، والحكايات اللطيفة المرويّة عن بعض الشعراء والأدباء، وأهل السياسة والفقه، ممن ذاع صيتهم في هذا المجال، وتناقلت المصادر حكاياتهم، خاصة أولئك الذين استحكم العشق في عقولهم وتمكن من قلوبهم، فآل بهم الأمر أحيانا إلى الجنون، وأخرى إلى الموت.

j

يقول المحققان في مقدمتهما “وهذا الكتاب المعنون ‘ديوان الصبابة‘ من المصادر المتأخرة المصنفة في هذا الباب من المعرفة؛ الحب والعشق والغرام والصبابة وما تعلق بها. وقد يتبين للقارئ فيه أن الرجل لم يأت بجديد إلا في القليل النادر، وإلا فالإحالات على مصادر مادته في هوامش الصفحات كثيرة تدل على أنه جمع وصنّف، وكان له فضل التبويب والجمع والتصنيف أكثر مما له في الإضافة”.

ويضيفان “غير أنه من هذا الجانب قد حفظ كثيرا من النصوص التي لم نجد لها مصدرا مطبوعا، بل لعل المصادر المخطوطة التي عاد إليها ضاع بعضها، وهو أمر متوقع من مؤلف في العصر المملوكي الذي شهدت بداياته غزو المغول واقتحامهم بغداد سنة 656 هجريا وإتلافهم مكتباتها، واستمرارا لغزو الصليبيين الممتد منذ سنة 490 هجريا حتى خروجهم من عكا سنة 692 هجريا، وقد نهبوا كثيرا من المخطوطات في المكتبات والقلاع والمدن التي احتلوها. ولهذا فإن ‘ديوان الصبابة‘ يمثل تأليفا موسوعيا في بابه، مع أنه لا يتسم بضخامة الحجم مثل ‘نهاية الأرب‘ للنويري، أو ‘صبح الأعشى‘ للقلقشندي، أو ‘مسالك الأبصار‘ لابن فضل الله العمري”.

ويتابع المحققان في المقدمة “وها نحن، نقدم كتاب ‘ديوان الصبابة‘ محققا عن مخطوط كتبه المؤلف بيده سنة 775 هجريا، قبل وفاته بسنة واحدة في الطاعون الذي خطف ابنه من قبله، مجتهدين ما تيسرت لنا المصادر في تخريج ما ضمه من آيات كريمة، وأحاديث نبوية شريفة، وآثار وأخبار، وأقوال ونُقُول، وقصص وأشعار، بالتوثيق والتدقيق والتحقيق في ضبط متن الكتاب كله، غير مقتصرين على الألفاظ التي يمكن أن تقرأ على غير وجه، والإشارة بين الحين والآخر إلى لطيفة هنا، ونادرة هناك”.

ووقف المحققان عند حدود مقابلة ما ورد في النسخة الأم مع نسخة أخرى قريبة العهد بها، ليتغلبوا بذلك على اختلاط مواقع صفحات من النسخة الأم على من ضم أوراقها، وجمعها في نسخة مجلدة، فكان أن أخّر مواقع صفحات وجعلها في غير مواضعها الصحيحة، وقد أعانت تلك النسخة الأخرى على تبين مواقع الاختلاط.

ويشرح المحققان في المقدمة أبعاد اختيارهما لتحقيق الكتاب، رغم أنه قد طبع مرتين سابقا؛ فهما طبعتان غير محققتين، ووقع في الثانية منهما خلط كثير بين الشعر وكلام المؤلف، وزيادات ليست من أصول الكتاب، وتصحيفات وتحريفات كثيرة، فضلا عن خلوّ الطبعتين من التخريج والتحقيق والتعليق إلا في النادر.

j

 ويوضح المحققان منهجهما في التحقيق، وعدد النسخ التي قارنا بينها؛ ليخرج بتلك الصورة النهائية التي تجده عليها، كما أضافا فهارس توضيحية للكتاب، من بينها فهرس الآيات القرآنية وفهرس الأعلام وفهرس الأشعار والأرجاز.

ويقول ابن أبي حجلة التلمساني في مقدمة الكتاب “وسميته ‘ديوان الصبابة‘؛ ليصبح الواقف عليه مدلها، ويعلم أنه إن لم أكن أنا للصبابة، من لها؟ ما يعلم الشوق إلا من يكابده/ ولا الصبابة إلا من يعانيها. إي، والله: قلما يبرح المطيع هواه/ كلفا، ذا صبابة وجنون. ورتبته على مقدمة وثلاثين بابا وخاتمة”.

كما يقول ابن أبي حجلة في بداية الباب العشرين “أقول: هذا باب عقدناه لذكر من أصبح دمعه مسكوبا بمسكوب، فبات وهو في جريانه كالرمح أنبوبا على أنبوب، ولاسيما إذا تمادى من محبوبه الهجر، أو كان عليه بعض الحجر، هنالك يرى من انسكاب عبرته العبر، وينشد إذا عزم الخليط على السفر، قول من غبر: ومفارق سكن القلو/ ب، فلا خلت منه الربوع/ بعث الرسول، وقال لي/ وأنا السميع له، المطيع:/ بالله قل لي: ما جرى… بعدي؟ فقلت له: الدموع”.

وقد جعل ابن أبي حجلة عنوان خاتمة كتابه “في ذكر من مات من حبه، وقدم على ربه من صغير وكبير، وغني وفقير، على اختلاف ضروبهم، وتباين مطلوبهم”، ويقول فيها: “وليكن هذا ما وقع عليه الاختيار، وطابت به لابن أبي حجلة حين سقط بمصر أوطار، وكيف لا وقد سقطت منه على الخبير، وأثبت من أخبار من غفر الله لنا ولهم بالجم الغفير؟ فشهداؤه من أعيان المشاهد، وقتلاؤه وإن اختلفت أسباب موتهم فداؤهم واحد، ففي ذلك والحمد لله كفاية، وإن كان التقصير قصيرا غير مقصور عن الغاية، على أن في رحلتي (نشر العلمين في زيارة الحرمين) ما هو كفص الخاتم لهذه الخاتمة، والأمواج العظيمة لهذه الأبحر المتلاطمة. لا جرم أني لم أذكر من أخبار أهل الحجاز إلا ما أشار إليه هذا الكتاب ببنان بيانه، وبدا من ورقه وقلمه على صفحات وجهه وفلتات لسانه، فكم في الرحلة المذكورة، من ذكر من مات على هذه الصورة، من أخبار متيم امتنع من هجوعه، وأصبح غريقا بسحائب دموعه“.

12