ديمقراطية تونس التي لا يحبّها الغرب

التونسيون عليهم أن يختاروا بين وهم الديمقراطية وبين تونس القوية التي تضع ديمقراطيتها المتاحة في سياق برنامج تنموي يضع مصلحة الشعب فوق مصلحة الأحزاب التي سيكون عليها أن تنزوي جانبا.
الثلاثاء 2022/05/31
رئيس وقف مع الشعب ضد الأحزاب

يتردد البعض من التونسيين في الوقوف وراء الرئيس قيس سعيد في إجراءاته التي يمكن اعتبارها ثورية أو انقلابية حسب زاوية النظر غير أن هناك إجماعا على أن تلك الإجراءات قد أنهت حالة الفوضى السياسية التي عاشتها البلاد عبر السنوات العشر الماضية.

أما سبب التردد فإن ذلك البعض يخشى اتهامه بالوقوف ضد الديمقراطية. وهو اتهام جاهز تعمل المنظمات الدولية على الإشارة إليه بين حين وآخر في محاولة لمنع استمرار الرئيس التونسي في فتح دفاتر المرحلة السابقة التي شهدت اختراقا واسعا وعميقا لمؤسسات الدولة من قبل حركة النهضة إضافة إلى ما شهدته تلك المرحلة من اغتيالات سياسية وبالأخص في ما يتعلق بمقتل المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. القضاء التونسي الآن أمام اختبار لفتح واحد من أخطر هذه الدفاتر والمتعلق بما يسمى الجهاز السري التابع لحركة النهضة.

◙ الديمقراطية في تونس التي يتباكى عليها الأوروبيون تعني السماح لحركة النهضة بتدمير أسس الحياة في تونس

وبالرغم من الثقة التي يُظهرها الرئيس سعيّد بقراراته التي تتسم بقدر لافت من البطء لا لشيء إلا لأن الرجل يراعي الجانب القانوني في سلوكه، فإن الدعوة إلى التصويت على دستور جديد بعد تجميد العمل بالدستور القديم تخيف البعض، من جهة كونها تمهيدا لقيام نظام رئاسي، يفكر الكثيرون في أنه ينقل تونس من شتاتها وتوزعها إلى وحدة الرأي والتفكير ويضع حدا لصراع الأحزاب وتكون المسؤولية فيه واضحة المعالم وغير قابلة للتمييع.

ربما سيكون على التونسيين في هذه المرحلة أن يختاروا بين وهم الديمقراطية الذي وضعته حركة النهضة في خدمة مشروعها القائم على تفكيك الدولة التونسية والعبث بمقدراتها وإشاعة الفوضى في الشارع، وبين تونس القوية التي تضع ديمقراطيتها المتاحة في سياق برنامج تنموي يضع مصلحة الشعب فوق مصلحة الأحزاب التي سيكون عليها أن تنزوي جانبا وفي مقدمتها حركة النهضة.

سيُقال إنها دعوة لاستعادة نظام الاستبداد. ذلك كلام عام ونظري لا ينطبق على الحالة التونسية. فالشعب هناك انتصر على الاستبداد وأسقط نظامه وأدرك بشكل جلي أن الشارع سيكون حكما قاسيا على أي محاولة لإعادة إنتاج نظام الاستبداد. ثم هل يُعقل أن يكون قيس سعيد، رجل القانون طاغية بعد كل الذي فعله من أجل إنقاذ تونس من مصير أسود، كان يُعدّ لها بعد أن تم توريطها في الكثير من الملفات الإقليمية التي لا تملك مصلحة في أن تكون حاضرة بهيئة الشريك فيها؟

الديمقراطية في تونس التي يتباكى عليها الأوروبيون تعني السماح لحركة النهضة بتدمير أسس الحياة في تونس. وهو ما يعني القبول بإزالة كل ما أنجزه التونسيون على مستوى الحياة المدنية. أيعقل أن تفكر أوروبا، وهي معقل التنوير، بطريقة تحرم الآخرين من الحياة المدنية؟ تلك ليست أوروبا التنوير إنما هي أوروبا السياسة العملية التي لا تنظر إلى الشعوب وحقها في تقرير النظام السياسي الذي يخدم مصالحها ويرقى بها ويمهد لها الطريق إلى المستقبل.

◙ الدعوة إلى التصويت على دستور جديد بعد تجميد العمل بالدستور القديم تخيف البعض

لقد استوعب الرئيس سعيد الدرس جيّدا وصار يتصرف بحكمة من أجل تأسيس جمهورية تونسية جديدة. هي الجمهورية التي أطاح من أجلها الشعب بالنظام السياسي الذي ترأسه زين العابدين بن علي الذي امتهن الدولة وجعلها في خدمته. ليس المطلوب أن يتصالح الشعب كله مع ما يطرحه الرئيس سعيد من أجل أن يقول “نعم” للدستور الجديد. المطلوب أن ينتهي دستور الأحزاب الذي سمح لحركة النهضة بترؤس مجلس النواب وهو ما سمح لها بإشاعة الفوضى في البلاد حيث صار التونسيون يختلفون في ما لا يعنيهم فيما كانت ماكنة الفساد التي تعامت عنها حركة النهضة واستفاد منها أصدقاؤها تعمل على نهب ثروات تونس وتجريدها من سمعتها التي هي سبب الإقبال السياحي عليها.

لم يقف سعيّد على مسافة واحدة من الأحزاب، بل وقف مع الشعب ضد الأحزاب. حين ألغى بإجراءاته كل ما أفرزته السنوات العشر الماضية من ظوهر سياسية منحرفة الصوت القادم من اللحظة الذي سقط فيها نظام بن علي. لقد أهدر الشعب التونسي عشر سنوات عزيزة من عمره وعليه أن يعتبرها جزءا من تضحياته من أجل الوصول إلى لحظة الحقيقة. ولن تكون الحقيقة أقل من القبول بنظام رئاسي. ذلك لا يتعارض مع الديمقراطية. ففي فرنسا نظام رئاسي. في الولايات المتحدة وهي آلهة الديمقراطية نظام رئاسي.

الديمقراطية ليست ذلك الشبح الكابوسي الذي يجب أن يُخفينا. بعد عشر سنوات من الفوضى لا يحتاج التونسيون إلى من يعلّمهم دروسا في الديمقراطية. إنهم يحلمون بدولة القانون التي تقول لهم حقيقة ما حدث في بلادهم.

8