ديتيب والذئاب الرمادية أذرع أردوغان لنشر التطرف في ألمانيا

تتنوع وسائل النظام التركي في نشر أجندته المتطرفة في الدول الأوروبية بين توظيف الاتحادات الإسلامية واستثمار التعصب اليميني لمنظمة الذئاب الرمادية القومية. ولئن تواترت الاتهامات لهذه المنظمات بنشر الأيديولوجيا المتطرفة وإنعاش خطاب الكراهية، فإن ألمانيا لا تزال مترددة في حظر هذه المنظمات أسوة بفرنسا.
هانوفر (ألمانيا) - وجه مدع عام في ألمانيا اتهامات للرئيس السابق للاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية (ديتيب)، بمدينة جوتينجن، وسط البلاد، بالتحريض، بعدما نشر رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بالكراهية ومعاداة السامية، فيما يتهم ساسة ألمان ديتيب بنشر التطرف في بلادهم والولاء للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يؤمن رواتب أئمته.
واتهم متحدث باسم المدعي العام في جوتينجن الرجل (53 عاما) بارتكاب أربع مخالفات تحريضية وبالتغاضي عن جريمة في مناسبة مختلفة.
وتتعلق تهم التحريض بمنشورات عبر فيسبوك وواتساب، واجه بسببها المشتبه به اتهامات بإهانة الأرمن واليهود ونشر نظريات مؤامرة.
ويتردد أن تهمة التغاضي عن جريمة تتعلق بمجموعة صور للمتطرف التركي اليميني محمد علي أغا، الذي حاول اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في عام 1981.
واستقال المشتبه به من منصبه في مارس الماضي، عندما بدأ التحقيق. ويتردد أن هذه الأعمال وقعت في الفترة بين مايو 2015 وفبراير 2021.
ويعتبر الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية من أكبر المنظمات الإسلامية في ألمانيا، وهو يخضع لإشراف مديرية الشؤون الدينية في تركيا التي تقدم الأئمة وتدفع رواتبهم في حوالي 900 مسجد في أنحاء ألمانيا.
وتواجه ألمانيا تحديا حقيقيا يتمثل في تفاقم جرائم الكراهية والعنف ما ساهم في تراجع مؤشرات التعايش وأثار مخاوف من الحفاظ عليه بين مواطنيها.
ويعزو مراقبون ألمان تفاقم الظاهرة بشكل مقلق إلى وجود داعمين لإحياء التطرف الديني ماديا ولوجيستيا لاسيما من قبل الاتحاد الإسلامي التركي.
ويعد ديتيب أكبر مظلة إسلامية في ألمانيا تضم 900 مسجد بأئمة أتراك مدربين وممولين من تركيا. وشكلت لغة هؤلاء الأئمة والحاجز الثقافي إلى جانب ولاء العديد منهم للحكومة التركية دافعا للحكومة الألمانية للتعامل بشكل مكثف مع هذه القضية في السنوات الأخيرة.
وتعول تركيا على المساجد التابعة لها في أوروبا للتأثير على المسلمين وبثّ خطابها السياسي، وهو ما أكدته أجهزة الاستخبارات الألمانية، حيث يُعتبر ديتيب وسيلة أساسية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي الحاكم.
وأظهرت دراسات أنّ الوعي المجتمعي في أوروبا لا يعتبر الإسلام دينا وإنما “أيديولوجيا سياسية”، وتُحذّر من أن التصورات العقائدية والدينية الصارمة و”عدم التسامح مع الأديان الأخرى” يمكن أن يضرا بالديمقراطية على المستوى البعيد.
ويوظف الرئيس التركي هذا الاتحاد سياسيا وأيديولوجيا من أجل بث المزيد من الانعزالية داخل المجتمعات الغربية.
وترى رئيسة المجموعة البرلمانية الألمانية التركية في ألمانيا سيفيم داغديلين أن أكبر جماعة إسلامية في ألمانيا هي الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، وهو الوكيل الرئيسي لتركيا في ألمانيا، معتبرة أنه “وسيلة أساسية للتأثير على المساجد التابعة لتركيا في ألمانيا وبث خطاب سياسي إسلامي متشدد يتناسب مع سياسات أنقرة الداخلية والخارجية”.
ومؤخرا، حذر وزيران ألمانيان في حديث إلى صحيفة شبيغل واسعة الانتشار من أنه يجب “منع استيراد أيديولوجية أردوغان الخطيرة إلى ألمانيا عبر المساجد”.
وسبق أن أجرت السلطات الألمانية تحقيقات مع هذا الاتحاد، بسبب الشبهات بتورط بعض موظفيه في التجسس على معارضين أتراك مقيمين في ألمانيا.
وفي حالات أخرى، وقع عدد من المساجد المموّلة من الخارج وسط اهتمام الشرطة وتمّ إغلاق بعضها بسبب ترويجها للأفكار المتطرفة.
وتشير الدوائر الألمانية إلى أن الأساس الفكري الذي بني عليه الفكر المتشدد الذي تبنى العنف هو فكر تيارات الإسلام السياسي المدعوم تركيا.

وكانت الحكومة الألمانية أوقفت الدعم الذي كانت تقدمه لمشاريع الاتحاد الإسلامي التركي، إلا أن الخطوة لم تقلص من تأثير هذا الاتحاد على الجاليات المسلمة، فيما يضغط ساسة ألمان لحظر الاتحاد كليا وتصنيفه منظمة إرهابية على غرار ما فعلت فرنسا مؤخرا.
وقال كريستوف فريس خبير الحزب المسيحي الديمقراطي في الشؤون الداخلية “لا يمكن لمن ينشر القومية وينشر الكراهية ضد المسيحيين واليهود، ومن ليس له دين ويتجسس هنا بتكليف من الحكومة التركية، أن يكون شريكا في مكافحة التطرف الديني في ألمانيا”.
ولا يعتمد الرئيس التركي في نشر أجنداته المتطرفة في الدول الغربية وخاصة ألمانيا على المنظمات الإسلامية، بل يوظف أيضا المنظمات اليمينية المتطرفة وأبرزها منظمة الذئاب الرمادية التركية.
وبحسب تقرير لهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، فإن الذئاب الرمادية تحمل وتنشر الأفكار القومية اليمينية المتطرفة. ونوه التقرير إلى أن المنظمة لها علاقات بحزب الحركة القومية في تركيا والذي يشكل تحالفا حكوميا مع حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان.
وينشط عناصر الذئاب الرمادية أينما توجد جالية تركية في أوروبا، الأمر الذي كشف المزيد من الأوراق عن دور المخابرات التركية في نشاط عناصر هذه المنظمة وتحريكها وفقا لأجنداتها الخاصة.
والذئاب الرمادية منظمة قومية في تركيا تؤمن بتفوق العرق التركي على بقية الأعراق، وهي مجموعة تتميز بتعصبها القومي وتشكلت فترة الستينات من القرن الماضي صلب الحركة القومية التركية حليفة أردوغان في الحكم قبل أن تتمدد في أوروبا.
وتورطت المجموعة في العديد من الجرائم من بينها قتل 100 علوي في السبعينات، إضافة إلى تورطها في ارتكاب مجزرة تقسيم سنة 1977 وراح ضحيتها أكثر من 100 شخص وكان لها دور في محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني.
ووفق دراسة للمركز الاتحادي للتدريب السياسي في ألمانيا، فإن تنظيم الذئاب الرمادية متواجد في الأراضي الألمانية منذ عقود، ويملك العشرات من التنظيمات الصغيرة والمتوسطة، ما يجعله أكبر منظمة متطرفة.
ويبلغ عدد أعضائه ومنظماته في ألمانيا 18 ألف عضو أي 3 أضعاف حزب “إن.بي.دي”، أخطر حزب نازي في البلاد.
ويشن عناصر المنظمة حملات دعاية ضد المعارضين الأتراك المقيمين في ألمانيا من اليساريين والأكراد والأرمن.