دويلات الأحزاب في العراق

تطوير العمل الجماهيري أصبح مسألة ملحة لإخراج العراق من دوامة الفوضى ودويلات الأحزاب الفاسدة والعميلة، وأولى المهمات تكمن في إعادة كتابة الدستور وفق أسس وطنية جديدة تعيد الهيبة للدولة.
الثلاثاء 2022/09/13
دولة هشة

رغم أن الهدف المعلن للدولة هو عراق ديمقراطي ليبرالي، إلا أن واقع الحال أخذ يتجه باستمرار نحو دكتاتورية الأحزاب الطائفية والعرقية. حيث لم يرث العراق تجربة ديمقراطية، بعد سنوات من الحكم العسكري أو شبه العسكري.

ولم تكن لدى الأحزاب القادمة مع المحتل الأميركي أي منهج سياسي في كيفية إدارة الدولة، ولم يكن لدى قادتها أي فهم مؤسسي للنظام السياسي.

لم تظهر أحزاب ليبرالية في ما يُعرف بالعملية السياسية، وبدلا من ذلك، سيطرت الأحزاب والكتل الطائفية والعرقية على الساحة السياسية في العراق، وارتكز نظام الحكم على المحاصصة وتوزيع الوزارات ومؤسسات الدولة بين الأحزاب والكتل، وبدلا من إعادة الإعمار بعد سنوات طويلة من الحروب والحصار، جرى على نطاق واسع نهب موارد الدولة المختلفة.

ونتيجة لكل ذلك أصبحت الدولة العراقية هشة للغاية فانتشرت الفوضى لغياب القانون، وزيادة نفوذ الفصائل المسلحة التابعة للأحزاب الحاكمة.

◙ إن إضعاف العراق وعدم استقراره يمثل جزءا من سياسة هاتين الدولتين لاستنزاف موارده وإخضاع شعبه. إضافة إلى بعض دول الجوار

بعد سنوات من سقوط نظام الحزب الواحد، تم تسجيل أكثر من 200 حزب سياسي. ولكن الذين يمسكون السلطة الفعلية عدد قليل من الأحزاب والكتل الفاعلة تدعمها ميليشيات مسلحة، وتمولها اللجان الاقتصادية المسؤولة عن نهب الأموال. فأصبحت الدولة أضعف شأنا من أحزاب، تديرها حكومة شكلية لا تملك أي إرادة سياسية فاعلة.

تبنت الأحزاب العراقية منذ البداية القيم والثقافة الدينية أو العرقية، ثم صَعَّدَتْ من التحشيدات الطائفية والعرقية، حتى أصبحت بديلا عن الهوية الوطنية التي كانت تجمع كل المكونات العراقية.

وهكذا تحول العراق من الحزب الحاكم إلى أحزاب طاغية. وانتقلت السلطة من الشخص الواحد إلى شخوص توجه الدولة وفق أهوائها.

والسلاح الذي كان حصرا بيد الدولة انتقل إلى ميليشيا الأحزاب، فتعزز نفوذها السياسي حتى تحول العراق إلى دويلات الأحزاب داخل الإطار الشكلي للدولة.

ويُلقي نشاط هذه الأحزاب بثقله على كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية المحلية وأدى هذا الواقع إلى انتشار البطالة والمخدرات والجريمة المنظمة.

وكشفت تقارير دولية ومحلية عن استحواذ ميليشيات الأحزاب على نصف موارد النفط للدولة العراقية وأكثر من نصف موارد المنافذ الحدودية إضافة إلى الإتاوات من المواطنين، والعمولات من الشركات العاملة.

◙ بلغ تطاول الأحزاب وميليشياتها على الدولة إلى حد تهديد رئيس الوزراء الحالي بالاغتيال علنا ومن دون رادع

بلغ تطاول الأحزاب وميليشياتها على الدولة إلى حد تهديد رئيس الوزراء الحالي بالاغتيال علنا ومن دون رادع أو اعتبار لسلطة الدولة.

ثم انهالت الصواريخ على منزله في محاولة لاغتياله، تنفيذا لتهديدات الأحزاب وميليشياتها بمزاعم تزوير الانتخابات التي خرجوا منها بأدنى الأصوات.

وبالرغم من معرفة الجهة التي قامت بهذه المحاولة فقد تعذّرت محاسبة المسؤولين عنها أو إحالتهم إلى القضاء!

كما لم تكفّ هذه الأحزاب وفصائلها المسلحة عن الإساءة لسمعة الدولة من خلال ضرب السفارات الأجنبية بقذائف الهاون والصواريخ.

وفي عام 2019 أصدر رئيس الوزراء السابق قرارات بتنظيم عمل الحشد الشعبي وربطه بأجهزة الدولة الرسمية، ولم يتم تنفيذها، لرفض بعض الفصائل الانصياع لها.

وللدلالة أكثر على استقلالية الأحزاب عن الدولة، قيام قادتها بالاجتماع مع سفراء غربيين ولا أحد يتساءل عما وراء هذه اللقاءات في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها البلاد. كأنهم فوق الدولة وما على المسؤولين إلا الاستجابة لأوامرهم وهكذا تحولت السيادة من الدولة إلى الأحزاب.

وبدلا من رفع العلم العراقي نجد أعلام ورايات الأحزاب مرفوعة حسب مناطقهم أو نشاطاتهم، في تحد صارخ لوحدة الدولة.

وفي ظاهرة فريدة من نوعها نجد بعض الحزبيين المسؤولين في الحكومة يتسمون بأسماء حركية وكأنهم مازالوا في المعارضة فنجد أسماء مكناة بأبي فلان الفلاني. دون الاسم واللقب الحقيقي. ويبدو ذلك شكلا من أشكال الإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة بحق الدولة أو المواطنين.

وتوزعت سلطات الدولة على دويلات الأحزاب حيث بنت لها كيانات داخل الوزارات والهيئات المستقلة. وتجري التعيينات والعقود المشبوهة من قبل قادة الأحزاب بواجهات وزارية أو مؤسساتية نتيجة المحاصصة الحزبية.

◙ الأحزاب والكتل الطائفية والعرقية سيطرت على الساحة السياسية في العراق، وارتكز نظام الحكم على المحاصصة وتوزيع الوزارات ومؤسسات الدولة بين الأحزاب والكتل

إن هذه الدويلات الحزبية الطائفية والعرقية تسببت في شلل سياسي واقتصادي عام، وولدت أزمات متكررة، كما أنها في الكثير من الأحيان تحرج الحكومة نتيجة تصرفاتها اللامسؤولة.

كل هذه الممارسات الفوضوية تعود إلى عدم وجود تقاليد ديمقراطية راسخة يمكن السير وفقها. وليس هناك مرجعية سياسية محلية أو دولية ضابطة لوقف ممارسات الأحزاب وأزلامها من الخروج عن الدستور والقوانين النافذة والإفلات من العقاب.

منذ عام 2003، لم يصبح أي سياسي عراقي رئيسا للوزراء دون تَوافُق الولايات المتحدة وإيران.

إن إضعاف العراق وعدم استقراره يمثل جزءا من سياسة هاتين الدولتين لاستنزاف موارده وإخضاع شعبه. إضافة إلى بعض دول الجوار، لما يمثله العراق القوي الموحد من تهديد لنفوذها وسيطرتها على منطقة الشرق الأوسط.

توحيد الجهود وتطوير العمل الجماهيري أصبحا مسألة ملحة لإخراج العراق من دوامة الفوضى ودويلات الأحزاب الفاسدة والعميلة.

وإن أولى المهمات في ذلك تكمن في إعادة كتابة الدستور وفق أسس وطنية جديدة تعيد الهيبة للدولة، وإعادة فرض القانون بعيدا عن التقسيمات العرقية والطائفية. وبعكسه فإن تغول الأحزاب وصراعها على النفوذ والسلطة قد يؤدي إلى حرب أهلية طويلة لا سمح الله.

9