دونالد ترامب.. سجين فولتون وزنزانة الرئيس بايدن

منافسو ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة سيكونون مضطرين إلى تكبير حجم طاولات المُتبرَّعين، وزيادة أعداد الكراسي المُرافِقة لها. بدون مؤتمرات ضخمة ربّما لن تكون ميزانياتهم الدعائية قادرة على مُجاراة الدقائق العشرين التي قضاها ترامب في سجن مقاطعة فولتون في جورجيا.
الدقائق العشرون هذه تشبه إلى حدٍ ما الجمهور الأميركي؛ الذي اهتم بمُناظرة الانتخابات الرئاسية في ستينات القرن الماضي بين جون كينيدي وريتشارد نيكسون. من استمعوا للمناظرة عبر المذياع راهنوا على فوز نيكسون، لكن من شاهدوها عبر التلفزيون، اعتبروا قطرات العرق التي غزت جبين نيكسون، اللقلق الذي سرق الرئاسة من النافذة الجمهورية ليُسقطه في المدخنة الزرقاء الديمقراطية.
عشرون فولتون الجورجية، شحنت بطَّارية المقابلة التي أجراها تاكر كارلسون معه عبر منصة X (تويتر سابقاً) بـ256 مليون مشاهدة، منذُ الخميس وإلى حين الأحد الماضيين، بينما المناظرة الرئاسية بين المُرشَّحين الجمهوريين للرئاسة عطست عند 12.5 مليون مشاهدة فقط، رغم كمية السعوط الترامبية التي تنشَّقوها جميعهم في أداء المُناظرة، لكن دقيق التبغ ليس مثل سيجار هافانا الشهير.
طائِرُ الحظ الرئاسي لترامب كان منقارهُ واضحاً، منذ مناظرته الأولى في 2016 التي شوهِدت من 25 مليونا في ذلك الوقت. لكن كما يبدو أن خروجه من قشرة تلك السنة لم يكتمل إلَّا في 2023. الرئيس ترامب بدأ ظاهرة وانتهى أيقونة.
◙ الليبرالية عند الجمهوريين تريدُ جزءًا من كعكة السعادة ولقد تعِبت من استخدام معجون أسنان الهوية وتنظيف الانقسامات بخيط الحريات الجنسية
إدارة الرئيس بايدن تبدو مستمتعة جدّاً، وهي ترى التهم القضائية، تُفتش عن الرئيس السابق في المحاكم الأميركية. عدد التهم استقر عند الرقم 37 منذُ يونيو الماضي. هذه الاتهامات تشبهُ برميل الحسومات، حيثُ تُرمى فيه منتجات بأسعارٍ بخسة قد تصل إلى 99 سنتاً.
وظيفةُ البرميل هذا وكمثال هي تشجيع المُرشَّحين الثمانية في مناظرة الأربعاء الـ23 من أغسطس، للصعود عليه وتزويد الناخب الجمهوري ببضاعة ترامبية مُقلَّدة، رغم توفَّر الأصليَّة، وهي لا تحتاج إلى براميل للاختباء فيها. مقابلة ترامب مع كارلسون أكَّدت أن ترامب هو ربطة العُنق الأكثر احمراراً والتي تسعى إليها بدلة الناخب الجمهوري. 120 دقيقة شاهدها 256 مليوناً خلال ثلاثة أيام، وهي ليست جزءً جديداً من سلسلة أفلام المنتقمين التي تُنتِجُها أستوديوهات مارفيل.
الرئيس بايدن عندما سئل عن المقابلة، قال بداية إنه لم يشاهدها ثُمَّ قال لم يكُن فيها شيء يستحق المشاهدة، مُعلِّقاً في الختام بأنها لم “تتحدَّث عن الأمور المهمة مثل التعليم والعمل”. الرئيس بايدن قد يكون معذوراً فسياسة الهويات التي أطلقتها المدفعية التقدُّمية في حزبه أوقعت السقوف السياسية المعقولة في الولايات المتحدة. آخِرُ تلك المقذوفات كانت الحُرية الجنسية، حيثُ من حقِّ المدفع الاقتران بالمدفع والفوهة بالفوهة وهكذا ستنتهي مشاكل الأميركيين والعالم!
الرئيس ترامب رجلٌ ضد الحروب، وضد من يُقدِّمونها للشعوب كفطائر. يقِفُ على مسافةٍ بعيدة بدوره عن شركات السلاح.. رجال تسليم تلك الفطائر. كذلك يحاول اقتلاع جذور الدولة العميقة، المصنوعة من تشابك أغصان بيروقراطية هزيلة مع جذوع كارتيلات الشركات العابرة للقوميَّة.
الديمقراطيون يعامِلون الناخب/ة الأميركي، كواحدٍ من ذوي الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصَّة)، يجب توفير هوية فرعيَّة له كي يستقيم فهمه السياسي. الرئيس كينيدي رغم مشاكلة الصَّحية كان لا يربأ عن لبس حزام الظهر ودعامات لرجليه طيلة استعداده للانتخابات الرئاسية، وهو يزور عوائل الناخبين، عائلة بعد أُخرى، ويصعد الطوابق بدون كللٍ أو ملل. هذا الرئيس ذو الأصول الكاثوليكية لم يستعن بسياسة الهويات، وحتّى الرئيس ليندون جونسون، والذي كان أول جنوبي يجلس في المكتب البيضاوي سنة 1963 بعد أكثر من 100 سنة، لم يلجأ هو أيضاً إلى سياسة الهويات المُختزلة اليوم بالأعضاء الجنسية.
أستعين برؤساء ديمقراطيين بدل جمهوريين لأننا نسير على طريق الرئيس بايدن؛ الذي كرَّر بأنه سيُعامل الجميع كأميركيين لا حُمراً وزرقا ليقضي على حالة الانقسام في المجتمع الأميركي. الليبرالية الأميركية تحتاجُ فرداً مسؤولاً، لا فرداً بهوية منحوتة من احتياجاته النفسية المدفوعة من مغامراته البيولوجية. الديمقراطيون يحاولون تفكيك العائلة لأخذ صوتٍ انتخابي منها، واثنين من غيرها وهكذا دواليك.
◙ طائِرُ الحظ الرئاسي لترامب كان منقارهُ واضحاً، منذ مناظرته الأولى في 2016 التي شوهِدت من 25 مليونا في ذلك الوقت. لكن كما يبدو أن خروجه من قشرة تلك السنة لم يكتمل إلَّا في 2023
الليبرالية عند الجمهوريين تريدُ جزءًا من كعكة السعادة ولقد تعِبت من استخدام معجون أسنان الهوية وتنظيف الانقسامات بخيط الحريات الجنسية. الثروة الأميركية يا سيادة الرئيس نحلة يُلقِّحُها الأميركيون لكنها تعطي عسلاً خارج البلاد. نحنُ لسنا مسؤولين بحسب عقليتنا الجمهورية المتواضعة عن توفير عسلٍ لكل دببة العالم.
العائلة يا سيادة الرئيس وأنت كما يعرفُ الجميع تحبُ عائلتك كثيراً هي نواة الليبرالية، بدونها سيصبحُ الأميركي طرزانا بلا غابات مؤنسنة. العائلة الانتخابية الجمهورية تعتبرُ الرئيس ترامب أبرز أفرادها، أو من 55 إلى 60 في المئة على الأقل يعتبرونه كذلك. القانون قد يستطيع قنصه، والقانون في الولايات المتحدة هو حبلُ السُّرّة الذي نرتبطُ به نحن الأميركيون جميعاً.. عوائل وأفرادا ننتمي إلى عوائل، لكن أسلوب مطاردته يحوِّل البلاد إلى جمهورية موز. ألم يكُن من الأفضل لنا جميعُنا لو فاز بولايتين رئاسيتين كي نفهم من خلاله أين موقع الخلل في أرض اليانكي. كان سيتسنى لنا على الأقل أن نفهم ما تحتاجهُ واشنطن من مقدارٍ إمبراطوري في السياسة الخارجية، والضرورة الهائلة إلى سياسات داخلية صحية تُحافِظُ على نضارة الجمهورية الفتيَّة.
كُل من يقول إن ترامب يمثل “القمامة البيضاء” كما جاء في كتاب مايكل وولف، هو يُفكِّر كقُمامة فالنفايات تعرِفُ بعضها. هو يمثِّلُ حاجة أميركية إلى شيءٍ ما شعر به قسمٌ كبير من الأميركيين؛ الذين استنفدوا غلال ثرواتهم ومخزوناتِهم الليبرالية، بسبب سياسةٍ أميركية متحالفة مع سياسات عالمية شبيهة بالاشتراكية الدولية، لكنها لا تعمل لصالح الطبقات الضعيفة اقتصادياً في مجتمعات العالم، إنَّما لصالح شركات تأخذُ التبر وتعطينا التبن.
سيادة الرئيس أنتَ تعامل دونالد ترامب مثلما يُعامل أليكسي نافالني في روسيا. طبعاً، نافالني سيُنسى ولولا الحاجة إلى استخدام كُل أسلحة الشيطنة ضد موسكو وكبير الكرملين، لتبخَّر ذِكرهُ منذُ زمنٍ طويل. لكن صاحبنا ضد التبخُّر.
سيادة الرئيس أودِّعُك الآن لكن لترامب بقية سأعود للحديث عنها. تحديداً السياسات التي سيتبعُها إن عاد رئيساً، والتي ستؤكد لنا أن سياسات من سيجلسون على المكتب البيضاوي ستكون توائم لسياساته حتّى وإن خرجت من أرحام حزبية ذات لونٍ مُختلف.