دول الشرق الأوسط مهيأة لسيناريو إعادة التموضع الأميركي في المنطقة

واشنطن - يرى خبراء أن التحولات المتوقعة على السياسة الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط سينتج عنها تغيير على مستوى تعاطي الحلفاء مع واشنطن، حيث يملك هؤلاء أوراقا عدة في حال تصادمت الرؤية الأميركية مع مصالحهم، من بينها نسج تحالفات وشراكات جديدة.
ويقول الكاتب الأميركي جون بي. ألترمان أحد أبرز نواب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي ومدير برنامج الشرق الأوسط في المركز إنه وسط جدل واسع النطاق حول الوضع الأميركي الملائم في الشرق الأوسط، يفترض الناس أن الولايات المتحدة سوف تقوم أساسا بإعادة توجيه استراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، وأن الدول الأخرى سوف تتعامل أساسا مع التغيرات. وهناك ثقة في أنه لن تقوم أي من هذه الدول بإعادة توجيه استراتيجيتها بطرق تؤثر على الولايات المتحدة، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى أن انخفاض الاهتمامات سوف يعزل الولايات المتحدة عن أي تأثير.
ويضيف ألترمان في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية أنه "للأسف هذا أمر غير حقيقي. فبينما تزيد مشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تزداد مشاركة العالم في المنطقة أيضا. فالحلفاء والأعداء على السواء مكبلون بالوضع الراهن في الشرق الأوسط. وعندما يتغير هذا الوضع، سوف يتغيرون، وعندما يشعرون بتأثيرات، سوف تشعر الولايات المتحدة أيضا بتأثيرات، وقد تشعر أن الأمر انتهى بالنسبة لها في ما يتعلق بالشرق الأوسط، ولكن العكس هو الصحيح".
وكثر الحديث في السنوات الأخيرة عن سعي الولايات المتحدة لإعادة التموضع على مستوى الخارطة الجيوسياسية للعالم في ظل بروز تحديات كبرى أمامها لاسيما تلك المتعلقة بالنفوذ الصيني والروسي. وتفترض هذه العملية تقليص واشنطن لحضورها في الشرق الأوسط لفائدة ساحات جديدة لمحاصرة التهديدين. وقد بدأت الولايات بالفعل تخفيف حضورها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ترجمه تقليص وجودها العسكري في العراق وأيضا رفضها تعزيز قواتها في سوريا والاقتصار على مجموعة قوامها ألفا عنصر منتشرة خصوصا في شرق وشمال شرق البلاد.
ويرى ألترمان أن حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها في الشرق الأوسط سوف يكون لهم بالتأكيد رد فعل إزاء أي عملية إعادة تركيز أميركية في أي نطاق آخر، وذلك بالسعي لاستكشاف تحالفات وشراكات جديدة. وبعض هذه التحالفات والشراكات سوف تكون مع دول صديقة للولايات المتحدة، والبعض الآخر سيكون مع دول أكثر عداء لها.
ويعد توزيع التحالفات الدولية أمرا في غاية الأهمية، خاصة بعد التغييرات التي طرأت في السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي نشرت سفنها الحربية في المحيط الهادئ لاحتواء نفوذ الصين.
ويرى ألترمان أن الصين التي تفتقر إلى إنتاج النفط والغاز الضروري لتحريك اقتصادها يبدو أنها ستكون مرتبطة بالشرق الأوسط لسنوات مقبلة. ومن المؤكد تقريبا أنها سوف تسعى لزيادة تواجدها هناك، ومن المرجح أن تستفيد من تمتعها بوضع مهيمن في الشرق الأوسط لممارسة الضغط على الدول الآسيوية المجاورة، التي تعتمد أيضا على المنطقة.
ونظرا لأن دول الشرق الأوسط ترى وتتوقع مستقبلا ينحسر فيه التواجد الأميركي، بينما يتزايد التواجد الصيني، فإن الولايات المتحدة ستكون مضطرة للغاية إلى الحيلولة دون غرس نفسها في البنية الأساسية المادية والتكنولوجية للمنطقة. والصين تعزف عن أن يكون لها نفس التواجد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، أو أي منطقة أخرى، ولكنها حريصة على تعزيز أمنها بطرق أخرى.
والمتتبع للدبلوماسية الصينية يجد أنها تتميز باستخدام الشراكة الاستراتيجية كبديل عن التحالفات، فهي بنية هرمية من العلاقات، هدفها الأساسي تلبية واسعة للمصالح الصينية على المستويين الإقليمي والدولي، لكن هذه المصالح تكون أحيانا على حساب أمن ومصالح الدول الشريكة.
وقد تجد الولايات المتحدة نفسها قد خرجت من الشرق الأوسط بشكل كامل أو بأسرع مما كانت تخطط، في وقت تواصل فيه أسعار طاقة الشرق الأوسط التحكم في تحديد الأسعار العالمية. كما أن إيران سوف تستغل أيضا ما تراه تراجعا أميركيا، حيث تسعى لأن تصبح قوة مهيمنة في الخليج، لكن من المرجح أن هذه لن تكون عملية سلسة في ضوء تعقيدات الإيرانيين في ما يتعلق بالآليات غير المتماثلة وقدرة دول الخليج العربية على الوقوف في وجهها بما تتمتع به من ترسانات أسلحة قوية وإمكانيات مالية كبيرة.
وستركّز الإدارة الأميركية المقبلة على احتواء برنامج إيران النووي ونشاطاتها التخريبية الأخرى في المنطقة، لكن دول الخليج لن تقبل هذه المرة تغييبها في الحديث عن نووي إيران، حيث تطالب بأخذ مخاوفها في الاعتبار وتضغط من أجل السير في اتفاق جديد.
ولم يعد الأمر يقف عند مخاوف السعودية أو الإمارات من خطر القدرات الصاروخية الإيرانية، وإنما بات يهم إسرائيل بصفة أكبر، خاصة مع زيادة تسليح القوات الإيرانية والميليشيات الحليفة المتمركزة في سوريا ولبنان، ونقل الخطر إلى الحدود الإسرائيلية.
وبات من الصعب على أي إدارة أميركية أن تقارب الموضوع الإيراني دون وضع مصالح إسرائيل في الميزان، وهو أمر ستستفيد منه دول الخليج خاصة في ظل التقارب مع إسرائيل ضمن مسار السلام الجديد.
وأكد مسؤول أمني إسرائيلي أن "بلاده منفتحة على فكرة الانخراط في تعاون عسكري مستقبلي مع حلفائها في الخليج لمواجهة نفوذ إيران المتنامي في المنطقة والمساعدة في استقرار الشرق الأوسط".
وقال موشيه باتيل رئيس منظمة الدفاع الصاروخي في إسرائيل لموقع "ميديا لاين"، "بالطبع، هناك الكثير من الفوائد في ما يتعلق بتبادل تكنولوجيا الصواريخ بين إسرائيل وحلفائها الجدد في الخليج".
وأضاف "مع ذلك، تجب مناقشة الموضوع والموافقة عليه من قبل إسرائيل والولايات المتحدة أولا، ولا ينبغي توقع تقدم ملموس في المستقبل القريب".