دول الخليج في سباق لتعظيم حصصها في سوق الغاز

شركات الطاقة في المنطقة تعمل ضمن إستراتيجية استثمارية توسعية لزيادة الإيرادات المستدامة.
الأربعاء 2025/06/25
انظري إلى كمية رقع الإنتاج على الخريطة

مع تفوق الغاز الطبيعي المسال على سلع الوقود الأحفوري الأخرى، تعمل دول الخليج عبر شركاتها للطاقة على توسيع عملياتها الاستثمارية لمنافسة الشركات الغربية الكبرى، خاصة وأن هذا المورد النظيف يحقق إيرادات تجارية كبيرة في ظل المؤشرات على تنامي الطلب.

لندن - تخوض دول الخليج سباقًا متسارعًا لتعظيم حصصها في سوق الغاز العالمي، مدفوعةً بتغيرات جيوسياسية واقتصادية ومناخية فرضت نفسها على مشهد الطاقة في السنوات الأخيرة.

ومع تصاعد الطلب العالمي على مصادر الطاقة الأقل تلويثًا للبيئة، بات الغاز الطبيعي، وخاصة المسال، الخيار المفضل للعديد من الدول الباحثة عن بدائل للنفط والفحم.

وفي هذا السياق تعمل دول المنطقة، وفي مقدمتها قطر والسعودية والإمارات والكويت، على توسيع قدراتها الإنتاجية والتصديرية لتعزيز مكانتها كمنتجين وتجار لهذا المورد.

ورغم تشابه الأهداف تختلف أدوات التنفيذ والإستراتيجيات بين هذه الدول، لكن القاسم المشترك هو السعي لحجز موقع متقدم في سوق الغاز المتقلب، الذي بات لا يقل أهمية عن سوق النفط من حيث التأثير الجيوسياسي والاقتصادي.

وتتوسع شركات النفط العملاقة في المنطقة بقوة في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي، بهدف مضاعفة طاقتها الإنتاجية تقريبًا خلال العقد المقبل بدعم حكومي قوي ومليارات الدولارات المتاحة لها.

أوغان كوس: أرباح استثمار الغاز وتداوله نادرة في أي سلعة أخرى
أوغان كوس: أرباح استثمار الغاز وتداوله نادرة في أي سلعة أخرى

وتستثمر أرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وقطر للطاقة بكثافة في إنتاج الغاز المسال وتداوله، مدفوعةً بالطلب المتزايد عليه كوقود انتقالي، ورغبتها في تنويع استثماراتها بما يتجاوز النفط الخام.

وصرح أوغان كوس، المدير الإداري لشركة أكسنتشر للاستشارات التجارية، لبلومبيرغ قائلا “يبدو أن الغاز الطبيعي المسال لا يزال الخيار الأمثل بين جميع السلع الهيدروكربونية المختلفة.”

وأشار إلى أن هوامش الربح من الاستثمار في الغاز الطبيعي المسال وتداوله “نادرة جدًا في أي سلعة هيدروكربونية أخرى.”

وفي حين أن الغاز الطبيعي عادةً ما يكون ثانويًا بعد النفط في أسواق الطاقة العالمية، يشهد الغاز الطبيعي المسال طلبًا مستدامًا ونموًا أسرع بفضل دوره كوقودٍ فاصلٍ في عملية الانتقال إلى الطاقة المتجددة.

ومع ذلك تأثرت الكثير من مشاريع الغاز بالتأخيرات وتجاوزات التكاليف الكبيرة، ما يتطلب سيولةً إضافيةً لإنجازها على النحو المطلوب.

وبحسب أليكس كيماني الخبير الاقتصادي المخضرم الذي يكتب لمنصة “أويل برايس” الأميركية، فإن هذا يتيح فرصةً لدول الخليج الغنية بالسيولة لاستعراض قوتها في مجال الطاقة والمنافسة المالية والجيوسياسية.

وعلاوةً على ذلك يرى صناع القرار الخليجيون في الغاز المسال فرصةً ذهبيةً لتوسيع مكاتب تداول السلع الأساسية وسد الفجوة مع عمالقة تجارة الطاقة الأوروبية، مثل شل وبي.بي.

وتتطلع السعودية وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عُمان إلى التوسع في تداول الغاز المسال، فقد أصبحت تجارة النفط والغاز مصدر دخل رئيسيا لشركات الطاقة العملاقة، خاصةً في ظل التقلبات الشديدة في أسواق السلع الأساسية.

وتتدفق الصفقات بوتيرة سريعة. ففي الأسبوع الماضي قدمت شركة إكس.آر.جي، الذراع الاستثمارية لشركة أدنوك، عرضًا بقيمة 18.7 مليار دولار لشراء شركة سانتوس الأسترالية.

الغاز فرصة ذهبية لسد الفجوة مع عمالقة تجارة الطاقة الأوروبية، مثل شل وبي.بي
الغاز فرصة ذهبية لسد الفجوة مع عمالقة تجارة الطاقة الأوروبية، مثل شل وبي.بي

وتأتي الخطوة في الوقت الذي تسعى فيه شركة النفط العملاقة في الشرق الأوسط إلى توسيع محفظة الغاز الطبيعي المسال لديها.

وتدفع سانتوس بخطة استثمارية طموحة لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال بنسبة 50 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي.

وبينما أحبطت هذه الإستراتيجية المستثمرين الباحثين عن عوائد سريعة وقصيرة الأجل، يبدو أنها نجحت في جذب شركة مثل إكس.آر.جي التي تبحث عن إمكانات نمو عالية.

وأطلقت الشركة الإماراتية التي تأسست أواخر 2024 حملة شراء مكثفة في الغاز والمواد الكيميائية، مستهدفةً قيمة مؤسسية تبلغ 80 مليار دولار.

وفي العام الماضي بدأت شركة قطر للطاقة الإنتاج في مشروع غولدن باس للغاز الطبيعي المسال في سابين باس في تكساس.

وغولدن باس هو مشروع مشترك مملوك لشركة قطر للطاقة بنسبة 70 في المئة وشركة إكسون موبيل الأميركية التي تمتلك الحصة المتبقية.

وقد ضاعف هذا المشروع إنتاج قطر للطاقة من مشروع توسعة حقل غاز الشمال من 77 مليون طن سنويًا إلى 160 مليون طن متري سنويًا.

ويُسمح لغولدن باس بتصدير قرابة 937 مليار قدم مكعب سنويًا من الغاز الطبيعي إلى دول اتفاقية التجارة الحرة ودول أخرى غير أعضاء في اتفاقية التجارة الحرة، على أساس غير مضاف، على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة.

أدنوك وقطر للطاقة وأرامكو تقتنص عقد الصفقات وإبرام شراكات واستحواذات في مشاريع في الولايات المتحدة وأستراليا

وفي أبريل الماضي حصل المشروع المشترك على موافقة هيئة تنظيم الطاقة الفيدرالية الأميركية لبدء تنفيذ المشروع.

وقبل عامين دخلت أرامكو قطاع الغاز المسال بعد استحواذها على حصة أقلية إستراتيجية في شركة ميد أوشن إنيرجي الأسترالية مقابل 500 مليون دولار.

وكانت الشركة السعودية قد رفعت العام الماضي حصتها في ميد أوشن إلى 49 في المئة، ووافقت أيضًا على تمويل شراء الشركة لحصة 15 في المئة في مشروع بيرو للغاز الطبيعي المسال من شركة هانت أويل.

وتبنت ميد أوشن إنيرجي إستراتيجية نمو لإنشاء أعمال عالمية متنوعة للغاز، حيث تعمل على الاستحواذ على حصص في أربعة مشاريع أسترالية تعمل في هذا المجال.

وفي غضون ذلك أفادت بلومبيرغ بأن شركة البترول الكويتية تجري محادثات مع مجموعة وودسايد إنيرجي الأسترالية لشراء حصة في مشروعها المقترح للغاز الطبيعي المسال في لويزيانا بالولايات المتحدة.

وقبل شهرين وافقت وودسايد، أكبر منتج للغاز في أستراليا، على بيع حصة 40 في المئة في مصنع لويزيانا للغاز المسال، الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 27.6 مليون طن سنويًا، إلى شركة ستونبيك مقابل 5.7 مليار دولار.

واشترت وودسايد شركة تيلوريان الأميركية مقابل 1.2 مليار دولار في عام 2024، سعيًا لتطوير مشروع لويزيانا للغاز لتلبية الطلب المتزايد على هذا المورد. ومن المتوقع أن تبلغ كلفة المرحلة الأولى من المشروع الضخم 16 مليار دولار.

ومع ذلك، لا يقتصر شغف الغاز على الشرق الأوسط. فشركة النفط والغاز الحكومية الماليزية، بتروليام ناسيونال بي.أتش.دي، وشركات أخرى في جنوب شرق آسيا، تتطلع إلى توسيع إنتاج الغاز خارج حدودها.

وبشكل عام، يرى الخبراء أن التوسع السريع في أسواق الغاز المسال أمرٌ إيجابي، إذ من المرجح أن يُفيد وجود مجموعة أكبر من الموردين ويعزز المنافسة، ويُنوّع الخيارات.

10