دول الخليج تفتح نوافذ التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية

يراقب المحللون باهتمام مساعي دول الخليج العربي لفتح منافذ جديدة أمام تحفيز نمو اقتصاداتها بشكل أكبر خلال السنوات المقبلة من خلال إقامة شراكات إستراتيجية وصلت هذه المرة إلى كوريا الجنوبية، والتي يتوقع أن تتبعها شراكات أخرى أكثر وزنا.
سيول - أبرم مجلس التعاون الخليجي الخميس اتفاقية للتجارة الحرة مع كوريا الجنوبية، في خطوة تؤكد التناغم الذي باتت عليه دول المنطقة لبلوغ التكامل الاقتصادي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع شركاء لهم قيمة كبيرة في الأسواق.
وتعد هذه الاتفاقية الثانية من نوعها هذا العام التي يوقعها المجلس بعد الصفقة التي وقعها مع باكستان خلال شهر سبتمبر الماضي، في إطار تعزيز علاقات الاستثمار والتجارة مع الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين في آسيا.
وتتطلع حكومات الخليج إلى الانتقال بأقصى سرعة في عملية التحول الاقتصادي خاصة مع الظروف والمتغيرات العالمية التي تتطلب عقد شراكات طويلة المدى مع اقتناص أكثر ما يمكن من الفرص لتعظيم المبادلات التجارية وزيادة الانفتاح الاستثماري.
ويقول المتابعون إن كوريا الجنوبية تمكنت من إبرام اتفاقية التجارة الحرة مع دول الخليج متقدمة بذلك على كل من اليابان والصين والدول الكبرى الأخرى كبريطانيا، ومن المتوقع أن تكون بمثابة فرصة لتوسيع نطاق ازدهار الأعمال في الشرق الأوسط.
ويراهن الكوريون الذين يحاولون حيازة حصة كبيرة من التعاملات مع دول الخليج، ومنافسة دول أخرى مثل الصين، على تعزيز القدرة التنافسية لصادرات بلادهم، وأيضا تعزيز أمن الطاقة.
وتضمنت الاتفاقية 18 فصلا شملت التجارة في السلع والخدمات والمشتريات الحكومية وأيضا التجارة الرقمية والتعاون في مجالات الشركات الصغيرة والمتوسطة والإجراءات الجمركية والملكية الفكرية وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وبموجب الاتفاقية ستلغي الحكومة الكورية الرسوم الجمركية على ما يقرب من 90 في المئة من جميع السلع والبضائع لاسيما الغاز الطبيعي المسال والمنتجات البترولية الأخرى.
وتعد كوريا الجنوبية من بين أكبر عشرة مستوردين للنفط الخام وأكبر خمسة مستوردين للغاز المسال في العالم، وتوفر لها دول الخليج الموارد اللازمة في هذا المضمار، حيث تحتل السعودية صدارة الشراكات التجارية معها.
في المقابل ستلغي دول الخليج الرسوم الجمركية على 76.4 في المئة من المنتجات المتبادلة، وأربعة في المئة على البضائع المتبادلة.
وقال الأمين العام للمجلس جاسم البديوي في بيان إن الاتفاقية “أتت كثمرة لمفاوضات استمرت على مدى خمس جولات، وقد عكست الرغبة الحقيقية المشتركة في تعزيز الشراكة الإستراتيجية والتعاون الاقتصادي بين الجانبين”.
ووصف البديوي الاتفاقية بأنها “خطوة تاريخية نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي ونحو تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين”.
كما رحب وزير التجارة الكوري الجنوبي آن دوك جيون بالاتفاق قائلا في تصريحات أوردتها وكالة يونهاب الكورية إنه “سيعظم من نتائج التكامل بين التجارة والصناعة والطاقة”.
ومن المتوقع أن تسهم الاتفاقية في زيادة حجم التجارة الثنائية وزيادة التبادل التجاري في السلع والخدمات بين الطرفين، وتعزيز خطط التنوع الاقتصادي في دول الخليج وكوريا.
وشدد البديوي على أن “اتفاقيات التجارة الحرة مع كل من باكستان وكوريا، خلال ثلاثة أشهر، تعبر عن المكانة الاقتصادية الرائعة التي وصلت إليها دول مجلس التعاون، كقبلة لدول العالم التي تسعى للدخول معها في العديد من الاتفاقيات والشراكات”.
ووقّع مجلس التعاون الخليجي، المكون من ست دول، على عدد قليل من اتفاقيات التجارة الحرة بسبب تعقيدات التعامل مع تضارب الأولويات داخل المجلس، ويمكن أن تستغرق المحادثات من هذا النوع مع الصين، والتي بدأت في عام 2004، سنوات.
لكن المحادثات التجارية اكتسبت زخما كبيرا مع سعي دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها، واستحداث مصادر جديدة للدخل بعيدا عن النفط والغاز.
وكانت المحادثات بين دول مجلس التعاون الخليجي وكوريا الجنوبية، والتي بدأت في عام 2007، قد تم تعليقها لمدة 13 عاما تقريبا قبل أن يتم إحياؤها في العام الماضي.
وقفز حجم التجارة بين الخليج وكوريا الجنوبية إلى نحو 78 مليار دولار من 50 مليار دولار بين عامي 2021 و2022، وفقا لبيانات من مركز أبحاث آسيا هاوس ومقره لندن.
وتشير إحصائيات المركز إلى ارتفاع حجم التجارة بين دول الخليج العربي ودول الاقتصادات الناشئة في آسيا، بما في ذلك الصين، إلى 516 مليار دولار العام الماضي من 383 مليار دولار في 2021.
وذكرت وزارة التجارة في بيان عقب إعلان الاتفاق أن من بين البنود الرئيسية، تتوقع كوريا الجنوبية نموا في صادرات السيارات وقطع غيار السيارات والآلات والأسلحة إلى الدول العربية من خلال الاتفاقية.
وأشارت إلى أن واردات الطاقة الرخيصة من الدول العربية ستعزز القدرة التنافسية للمصدرين الكوريين الجنوبيين.
وفي غضون سنوات تحولت كوريا الجنوبية من مُصدر للقوى العاملة لدول الخليج إلى مُصدر للتكنولوجيا والخدمات المتقدمة في وقت يتسم بالتغيير السريع في منطقة الخليج.
وتزايدت خلال الفترة الأخيرة وتيرة مفاوضات دول الخليج العربية مع دول في مقدمتها اليابان والصين وبريطانيا وتكتلات اقتصادية كبرى مثل آسيان والاتحاد الأوروبي للدخول في اتفاقات تجارة حرة تسهل عمليات التبادل التجاري.
78
مليار دولار حجم المبادلات التجارية بين الطرفين بين عامي 2021 و2022 وفق التقديرات
وناقش المجلس الوزاري المشترك بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي، في اجتماعه بالعاصمة العمانية مسقط، في أكتوبر الماضي، سبل تعزيز العلاقات الإستراتيجية المشتركة وتوسيع التعاون الاقتصادي والطاقة المتجددة، وتبادل الخبرات وتعظيمها بين التكتلين.
وخلال الشهر ذاته طرقت بلدان المنطقة عبر أول قمة تجمعها مع تكتل آسيان، والتي احتضنتها الرياض، أبواب التوسع والانفتاح الاقتصادي مع هذه المجموعة التي ستعود عليها بالمزيد من المكاسب وتجعل اقتصادات المنطقة تحقق ازدهارا أكبر في المستقبل.
وتهدف القمة التاريخية بين دول الخليج ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، إلى رفع التعاون بين الجانبين إلى المستوى الإستراتيجي، واستكشاف الفرص الاستثمارية والتجارية الجديدة.
ودشنت الإمارات أيضا مجموعة من الاتفاقيات التجارية الثنائية منذ 2021 ضمن إستراتيجية لتعزيز أولوياتها الاقتصادية والسياسية وسط المنافسة الإقليمية المتزايدة، خاصة مع السعودية.
وفي أكتوبر الماضي، اختتمت الإمارات وكوريا الجنوبية المفاوضات بشأن اتفاقية تجارية ثنائية. ولا يعرف بالضبط حتى الآن موعد توقيعها رسميا.