دول الخليج تفتح نوافذ التجارة الحرة مع تركيا

رهان الطرفين على المزيد من الانفتاح مرده التنافس بين التكتلات والمجموعات الاقتصادية الأخرى.
الجمعة 2024/03/22
بانتظار ماراثون المفاوضات الشاقة

يراقب المحللون مساعي دول الخليج العربي لفتح منافذ جديدة أمام تحفيز نمو اقتصاداتها بشكل أكبر خلال السنوات المقبلة من خلال إقامة شراكات تجارية إستراتيجية وصلت هذه المرة إلى تركيا، والتي يرجح أن تتبعها اتفاقيات أخرى أكثر وزنا.

أنقرة - أبرمت دول الخليج الخميس اتفاقية لبدء مفاوضات التجارة الحرة مع تركيا، في خطوة تؤكد التناغم الذي باتت عليه دول المنطقة لبلوغ التكامل الاقتصادي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع شركاء لهم قيمة كبيرة في الأسواق.

وتسعى أنقرة إلى بناء أسس وثيقة مع بلدان المنطقة بعد توقفها لسنوات نتيجة تردّي العلاقات، في سياق محاولات تنشيط اقتصادها، الذي بدت عليه علامات تشوه جراء السياسات غير التقليدية أملا في إعادة ضبط المؤشرات.

وتعد هذه الاتفاقية الأولى من نوعها هذا العام التي يوقعها مجلس التعاون الخليجي بعد الصفقتين اللتين وقعهما مع كل من كوريا الجنوبية وباكستان خلال العام 2023، في إطار تعزيز علاقات الاستثمار والتجارة مع الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين في آسيا.

وجرى التوقيع على الإعلان المشترك في العاصمة أنقرة، بين الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، ووزير التجارة التركي عمر بولات الذي وصف هذه الخطوة بـ”التاريخية”.

وقال جاسم البديوي إن توقيع البيان المشترك لبدء مفاوضات التجارة الحرة بين المجلس وتركيا “دلالة على قوة الشراكة الإستراتيجية والعميقة بين دول مجلس التعاون وجمهورية تركيا”.

وأضاف “كما إنه دلالة على ما حققته دول المجلس من مكانة إقليمية ودولية على كافة الأصعدة ومنها المكانة التجارية والاقتصادية والمالية”.

وأشار البديوي إلى أن الاتفاقية تؤكد على الأهمية الحيوية للتعاون الوثيق بين تركيا ودول الخليج لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، بالإضافة إلى تطلعهما المستمر إلى توسيع التجارة والاستثمار وتحقيق التعاون على كافة الأصعدة.

2.4

تريليون دولار قيمة المنطقة الحرة التي يتوقع ولادتها، وستضم 142.6 مليون نسمة

وتتطلع حكومات الخليج إلى الانتقال بأقصى سرعة في عملية التحول الاقتصادي خاصة مع الظروف والمتغيرات العالمية التي تتطلب عقد شراكات طويلة المدى مع اقتناص أكثر ما يمكن من الفرص لتعظيم المبادلات التجارية وزيادة الانفتاح الاستثماري.

وتوفر اتفاقيات التجارة الحرة لبنات قوية لضمان وجود أسواق قوية وكبيرة للسلع والخدمات مع إعفاءات جمركية توفرها دول الخليج مع الانفتاح الكبير الذي تبحث عنه في العديد من الأسواق والتكتلات مثل مجموعة آسيان.

ومع تحسن العلاقات، تريد دول المنطقة التعاون مع أنقرة للمساعدة في تطوير الصناعات المحلية ونقل التكنولوجيا في إطار مساعيها الطموحة لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط.

وبالنسبة إلى تركيا فإنها تنظر الآن بشكل مختلف إلى منطقة الخليج، وذلك في أعقاب عودة العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من الجفاء بسبب سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان المناقضة لمواقف بعض دول المنطقة وفي مقدمتها الإمارات والسعودية والبحرين.

وفي العقد الماضي، تمتعت تركيا بعلاقات سياسية واقتصادية واستثمارية وتجارية قوية مع قطر، فيما تركت حبل التوازن مع كل من الكويت وسلطنة عمان.

وبعد سنوات من التوتر أطلقت تركيا حملة دبلوماسية لإصلاح العلاقات مع دول الخليج، وتحديدا مع الإمارات والسعودية، ووقعت منذ ذلك الحين صفقات بمليارات الدولارات، ومن بينها قطر.

ويراهن الأتراك على حيازة حصة كبيرة من التعاملات مع أسواق الخليج، ومنافسة دول أخرى مثل الصين، من أجل تعزيز القدرة التنافسية لصادرات بلادهم، وأيضا تعزيز أمن الطاقة.

وفي كلمة خلال حفل التوقيع، أكد بولات أنه عند اكتمال المفاوضات بشأن الاتفاقية، ستظهر الفرصة لتطوير وتنويع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين ضمن إطار أكثر شمولا.

وشدد على أن الهدف هو تقديم مساهمة جدية لرفاهية تركيا ودول الخليج مع استكمال عملية التفاوض ودخول اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين حيز التنفيذ.

الاتفاقية المرتقبة ستكون الأولى لدول الخليج في 2024 بعد اتفاقيتين أبرمتهما خلال العام الماضي مع باكستان وكوريا الجنوبية

وقال بولات عقب إبرام الاتفاقية على حسابه في منصة إكس إن “الاتفاقية ستحرر تجارة السلع والخدمات وتسهل الاستثمارات والتجارة، وتزيد تجارة بلادنا مع المنطقة”. وعبر عن اعتقاد أنقرة بأن المحادثات ستكتمل في أقرب وقت ممكن.

ومن المتوقع أن تؤدي الاتفاقية النهائية بعد عملية من المفاوضات والنقاشات على مدار أشهر إلى واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم بين تركيا ودول الخليج بقيمة إجمالية تبلغ 2.4 تريليون دولار في منطقة ستضم 142.6 مليون نسمة.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وتركيا بلغ خلال العام الماضي، أكثر من 26 مليار دولار، ما بين استيراد وتصدير.

وتتصدر دولة الإمارات دول المنطقة في المبادلات التجارية مع تركيا بنحو 19 مليار دولار، في حين حلت السعودية في المرتبة الثانية بواقع 5.6 مليار دولار.

وحلت سلطنة عُمان بالمركز الثالث بحوالي 1.4 مليار دولار، تليها قطر بنحو 1.33 مليار دولار ثم الكويت بحوالي 791.6 مليون دولار، بينما جاءت البحرين في المركز السادس بنحو 577.6 مليون دولار.

وكان أردوغان قد قال في يوليو الماضي قبل جولته الخليجية إن “حجم التبادل التجاري الثنائي بين تركيا ودول الخليج خلال العقدين الأخيرين ارتفع من 1.6 مليار دولار إلى نحو 22 مليار دولار”.

ومنذ عام 2021، عندما أطلقت أنقرة جهدا دبلوماسيا لإصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات، ساعدت الاستثمارات والتمويل من الخليج في تخفيف الضغط على الاقتصاد التركي ومخزن العملة الصعبة.

وتصنف دول الخليج العربي الست على أنها ثالث أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية في السوق التركية بعد كل من بريطانيا وهولندا، فيما تكشف أرقام وزارة الاقتصاد التركية عن وجود 1973 شركة خليجية تنشط في العديد من القطاعات.

ووافقت الإمارات في العام 2022 على اتفاق تبادل بما يوازي خمسة مليارات دولار بالعملات المحلية مع أنقرة دعما لليرة. وأعلنت شركات إماراتية منذ ذلك الحين ضخ استثمارات عديدة نحو الوجهة التركية.

وأكد تركيا وبريطانيا في الأسبوع الماضي أنهما ستطلقان محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة جديدة موسعة لتشمل السلع والخدمات.

11