دول الخليج تجني مكاسب الرهان على تدفق الاستثمار الخارجي

تعكس أحدث الإحصائيات الدولية الرسمية بشأن حصاد دول الخليج العربي للتدفقات الاستثمارية المباشرة من الخارج أن حكومات المنطقة كسبت رهانها على تنمية هذا المجال بفضل سياساتها الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال ودعم تنويع الاقتصاد.
جنيف - أظهرت بيانات نشرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) هذا الأسبوع أن أسواق منطقة الخليج العربي استقطبت خلال السنوات الثلاث الماضية رؤوس أموال أجنبية مباشرة بمقدار 169.8 مليار دولار.
وهذا الرقم أقل مما ضخته دول المنطقة كاستثمارات في الخارج خلال الفترة ذاتها والذي بلغ حوالي 185.5 مليار دولار، حيث جزء كبير منه كان من صناديقها السيادية وخاصة الإمارات والسعودية.
وتنظر دول الخليج باهتمام إلى الاستثمارات الخارجية كونها “لا تجلب رأس المال فحسب، بل توفر أيضا المعرفة القيّمة والوصول إلى الأسواق وفرص التكامل العالمي”، كما قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال منتدى دافوس 2024 قبل أشهر.
وتسلط العديد من التقارير والخبراء الضوء على الأهمية الإستراتيجية للاستثمار الأجنبي المباشر في تشكيل المشهد الاقتصادي لدول الخليج العربي، التي تعمل على تنويع مصادر إيراداتها لتكون محركا للنمو إلى جانب الوقود الأحفوري.
وتتنوع الاستثمارات الأجنبية في الخليج بين مجالات العقارات والطاقة المتجددة والتكنولوجيا وصناعة الطيران والسيارات، إلى جانب الأموال التي تتدفق على أسواق المال من خلال طرح الشركات في البورصات.
وبحسب تقرير أونكتاد، تصدّرت الإمارات دول الخليج في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الأعوام الثلاثة بقيمة 74 مليار دولار، في حين بلغت الاستثمارات الصادرة منها للفترة عينها 69.7 مليار دولار.
وحل البلد في المركز الثاني عالميا بعد الولايات المتحدة في عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة خلال عام 2023 مع تسجيله 1323 مشروعا جديدا بنسبة نمو بلغت نحو 33 في المئة، مقارنة بالعام السابق.
ونمت التدفقات من مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة خلال العام الماضي بنسبة 35 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى حوالي 30.7 مليار دولار، وفق أرقام المنظمة الأممية.
وتوفر دولة الإمارات العديد من الحوافز لاستقطاب المستثمرين، كالسماح لهم بتأسيس وتملك الشركات بالكامل في كافة القطاعات الاقتصادية، مع استثناء عدد من القطاعات ذات الأثر الإستراتيجي التي تتطلب موافقات خاصة.
وكان لإتاحة الإقامة الذهبية للمستثمرين وأفراد عائلاتهم دور مهم في تنمية الأعمال حيث ساعدت الخطوة في فتح الأبواب أمام كبار المستثمرين والأثرياء العالميين في القدوم إلى البلاد، وتبدو دبي أبرز مثال على ذلك بعدما استفادت من تداعيات الحرب في أوكرانيا.
ويعد الاستثمار الأجنبي المباشر عاملا مهما يؤدي إلى تسجيل معدلات عالية من التنمية لما يضيفه للبلد المستضيف في تحقيق أهدافه القابلة للاستمرار عبر توفير فرص العمل ونقل التكنولوجيا الحديثة ورفع كفاءة الإنتاج وتحفيز الصادرات ودعم القدرات التنافسية.
ولهذا، فإن السعودية تبدو مهتمة كثيرا بهذا الجانب، حيث يقود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أجندة التحول المقرر انتهاؤها بحلول 2030 التي ترتكز في جزء منها على الاستثمار الخارجي.
وحل أكبر اقتصاد عربي في المركز الثاني خليجيا، حيث جذب البلد استثمارات أجنبية مباشرة تناهز 63.5 مليار دولار، خلال ثلاث سنوات، وبما يقل بنحو 4.2 مليار دولار عن الاستثمارات الصادرة منه خلال الفترة ذاتها.
وتسعى السعودية التي تقود تحالف أوبك+ مع روسيا للوصول بمساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية العقد الحالي، بهدف تعزيز الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في إطار رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على صادرات النفط الخام.
كما أقرّت الحكومة السعودية مطلع العام الحالي الإقامة المميزة والتي تستهدف استقطاب المستثمرين وأصحاب المواهب. وقبلها أقرّت حوافز للشركات العالمية التي تتخذ الرياض مقرا إقليميا لها.
وبالنسبة لسلطنة عمان، فبذلت جهودا منذ العام 2021 وحتى العام 2023 في ظل سياسة إصلاحية جديدة يقودها السلطان هيثم بن طارق من أجل تحسين بيئة الأعمال وإغراء المستثمرين سواء من منطقة الخليج أو المنطقة العربية أو العالم.
واحتلت السلطنة المركز الثالث، في بيانات منظمة أونكتاد، بجذبها استثمارات أجنبية تجاوزت 19 مليار دولار، لتتفوق بقوة على الاستثمارات الصادرة البالغة حوالي 2.3 مليار دولار.
وأعلنت مسقط منتصف عام 2021، عن برنامج جديد، تمنح بموجبه المستثمرين الأجانب إقامات طويلة الأجل، ضمن إستراتيجية السلطنة لتعزيز بيئة الاستثمار.
وتهدف الخطة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاعات الصناعة والسياحة والتعدين والخدمات اللوجستية والزراعة والتعليم والصحة وتقنية المعلومات والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
واللافت أن البحرين، وهي أصغر اقتصادات الخليج، كانت أفضل من الكويت وقطر في استقطاب المستثمرين الأجانب خلال ثلاث سنوات.
وحل البلد في المركز الرابع خليجيا من حيث إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إليه خلال فترة ما بعد جائحة كورونا، حيث استقطب حوالي 11.4 مليار دولار، بينما بلغت الاستثمارات الصادرة منه 3.1 مليار دولار.
وتنفذ البحرين، التي تعدّ أقل دول المنطقة اعتمادا على النفط، خطة متعددة السنوات للتعافي الاقتصادي، تستهدف جذب استثمارات إستراتيجية تزيد قيمتها عن 30 مليار دولار لتعزيز النمو غير النفطي.
وتساعد درجة تصنيف البلد عند مستوى بعيد عن المخاطر العالمية حكومة البلاد للمضي قدما في تخطي التحديات مع مواصلة الدفاع عن موقع البلد كمركز مالي منافس في المنطقة.
أما بالنسبة للكويت فقد حظيت برقم أقل من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية لتحل في المركز الخامس على مستوى المنطقة جراء الخلافات السياسية التي عطلت تنفيذ رؤية 2035 في الكثير من جوانبها.
وبلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إليها 3.4 مليار دولار، وبفارق كبير عن الاستثمارات الصادرة منها، والتي فاقت 40.4 مليار دولار.
وعانى البلد من جمود لسنوات، ما دفع أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في مايو الماضي، إلى حل مجلس الأمة (البرلمان) ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن 4 سنوات، في خطوة يُرتقب أن يكون لها انعكاس سياسي واقتصادي.
وشهدت قطر، التي كانت تعول على عمليات التشييد قبل كأس العام في 2022، انكماشا في إجمالي تدفقات الاستثمارات الأجنبية خلال السنوات الثلاث الماضية بواقع 1.49 مليار دولار، في حين سجلت تصدير استثمارات مباشرة بنحو 2.3 مليار دولار.