دور مصر أكبر من بوابة أو مقاول في مشروعات الإعمار داخل غزة

دوائر سياسية في القاهرة تخشى أن يقود الانهماك في عملية إعادة الإعمار إلى تبدل في الأولويات والأدوار.
الجمعة 2021/11/19
الواقعان الإقليمي والدولي لا يسمحان بفتح طاقة أمل

القاهرة – يهدد انشغال مصر بالملف الإنساني لقطاع غرة بحصر دورها في مجرد توفير ممر للقطاع وتحولها إلى مقاول في مشروعات إعادة الإعمار، وبالتالي إبعادها عن دور الوساطة في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأعلن وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي الأربعاء أن بلاده وقّعت مع مصر اتفاقيات لتوريد وقود ومواد بناء أساسية لغزة خلال الاجتماع الوزاري للجنة الاتصال المخصصة لتنسيق المساعدات الدولية للفلسطينيين في أوسلو.

وقال سلطان المريخي إن الجهود التعاونية المشتركة تسهم في تحسين الظروف المعيشية بغزة، مشددا على أهمية تفاهمات التهدئة الحالية، وتسهيل حركة المسافرين عبر معبر رفح البري، والتواصل بين كافة الأطراف لتهدئة الأوضاع في المنطقة.

وتسعى القاهرة لأن تسير بالتوازي بين تخفيف المعاناة عن المواطنين في غزة واستئناف المفاوضات، غير أن الواقعين الإقليمي والدولي لا يسمحان بفتح طاقة أمل في عملية التسوية، لكنهما لا يمانعان من المساعدة كي لا يتحول الغليان إلى انفجار.

توقيع القاهرة والدوحة لاتفاقيات لتوريد الوقود ومواد البناء لقطاع غزة يذكر بالعلاقة بين الطرفين خلال عهد مبارك

ودعت هذه المخاوف مصر إلى تقديم مقاربة جديدة لإعادة الإعمار أعلنت من خلالها تقديم 500 مليون دولار مساعدات لغزة، وتحاول تمرير مقاربتها عبر تفاهمات واتفاقيات مع إسرائيل وقطر وقوى دولية لها علاقة بما يجري في القطاع، فإذا لم تكن قادرة على التحرك سريعا في مسار التسوية فعليها التحرك على مسار الإعمار.

وتخشى دوائر سياسية في القاهرة أن يقود الانهماك في عملية إعادة الإعمار إلى تبدل في الأولويات والأدوار، ويصبح هذا الملف حاكما للكثير من تصورات مصر في التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث مثلت القضية الفلسطينية أحد أهم محددات الأمن القومي خلال عقود طويلة.

وعقد متابعون مقارنة بين ما يجري بشأن التركيز على إعادة الإعمار والمشروعات التي تسعى مصر للانخراط فيها داخل غزة، وبين العلاقة التي ربطتها بالقطاع في السنوات الأخيرة لعهد الرئيس المصري الراحل حسني مبارك.

 واقتصر دور القاهرة حينذاك تقريبا على التغاضي عن تهريب المساعدات للقطاع عبر الأنفاق، وضبط عملية دخول الفلسطينيين من معبر رفح وخروجهم، ما أرهق الإدارة المصرية في الدفاع عن نفسها والحفاظ على أمنها القومي.

ويشير المتابعون إلى أن إسرائيل تمكنت في عهد مبارك من جذب انتباه مصر لغزة وأغرقتها في تفاصيل فرعية، وتم تصوير ما كان يجري فيها على أنه جوهر القضية.

ويمكن أن تعيد التطورات الراهنة مربع الزخم المصري الذي ولدته حرب غزة إلى الوراء مرة ثانية، فحجم معالجة الأوضاع من إعادة إعمار وضبط المقاومة والتهدئة والأمن أصبح يفوق التركيز على الجوانب الرئيسية في القضية الأم.

ويمكن أن يحصر الانجذاب إلى معادلة الإعمار وروافدها الاقتصادية دور مصر في قضايا إنسانية بحتة، وهو ما تريده إسرائيل لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها التاريخي الاستراتيجي، بما يؤثر سلبا على الأمن القومي المصري على المدى البعيد.

تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها التاريخي الاستراتيجي
تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها التاريخي الاستراتيجي

ويدعم الاتفاق الأمني الذي عقدته اللجنة العسكرية المصرية – الإسرائيلية بشأن زيادة عدد قوات حرس الحدود مؤخرا، في ممر صلاح الدين داخل رفح من ناحية غزة، ما يشاع بأن القطاع يستعد لمرحلة جديدة من الترتيبات، فوجود قوات عسكرية مصرية أكبر يشير إلى أن هناك توجهات من المرجح أن يتمّ تدشينها خلال الفترة المقبلة تتعلق بمشاركة القاهرة بقوة في مشروعات إعادة الإعمار داخل غزة.

وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب إلى أن الاتفاقيات بين مصر وقطر جرت بموافقة إسرائيل، وشهدت الفترة الماضية اجتماعات متتالية بين الأطراف الثلاثة لضمان وصول المشتقات النفطية إلى محطات الكهرباء في غزة لزيادة ساعات تشغيلها، وتجد الدوحة في التعاون مع القاهرة عبر المشاركة في تمويل تلك الإمدادات فرصة مناسبة على طريق التقارب السياسي بينهما.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الجهود الاقتصادية المصرية في القطاع تخدم التحركات السياسية على أكثر من مستوى، إذ أنها تسعى للحفاظ على حالة التهدئة والإسراع بجهود إعادة الإعمار وتهيئة الأجواء المناسبة لتأمين الحدود الشرقية لمصر.

وأوضح أن قطر لم يكن لها دور على مستوى إدخال مواد البناء والتعاون مع مصر ما يضمن لها حضورا أكبر على مستوى إعادة الإعمار، في حين أن القاهرة تحتاج إلى الأموال القطرية التي تسهم في تسريع وتيرة جهود شركاتها العاملة في القطاع وقد قامت بإزالة الأنقاض في بعض المناطق جراء الحرب الماضية.

وعززت مصر دورها في القطاع بالعديد من الأدوات مؤخرا، وفتح نجاحها في وقف الحرب الإسرائيلية على القطاع في مايو الماضي بابا لإمكانية أن يتسع تأثيرها في المنطقة بعد أن ثمنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الدور.

وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري في كلمته عبر تقنية الفيديو كونفرانس لاجتماع أوسلو ضرورة التزام المانحين الدوليين بمواصلة تقديم الدعم للشعب الفلسطيني، وأهمية قيام المجتمع الدولي بدوره لتوفير البيئة الملائمة لاستئناف المسار التفاوضي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بما يُفضي إلى إيجاد تسوية شاملة استنادًا إلى مقرّرات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

1