دور رعاية المسنين ليست دائما خيارا سيئا

تعتبر إقامة المسن بين أفراد أسرته قاعدة أساسية في جميع المجتمعات، إلا أنه وللعديد من الأسباب يكون وضعه في إحدى دور المسنين الحل النهائي، ورغم معارضة المجتمعات العربية هذا التوجه من قبل الأبناء، ويعتبرونه عقوقا إلا أنه يعتبر في الكثير من الأحيان خيارا مثاليا يوفر الأمان والرعاية والتواصل الاجتماعي للمسنين مقارنة بما يعيشونه من وحدة وتهميش في منزل الأبناء.
القاهرة - عندما يكبر الوالدان ويصبحان لا حول ولا قوة لهما ينهار كل ما حولهما بعدما يدب المرض في جسديهما أو يحتاجان إلى من ينفق عليهما، ويذوقان مرارة الإحساس بأن مصيرهما أصبح مرهونا بما يقرره أبناؤهما الذين أصبحت لكل منهم حياته الخاصة من زوجة أو زوج وأبناء، وعلى مضض ينتقل أحد الوالدين أو كلاهما للإقامة لدى ابنه أو ابنته وبين أحفاد، وفي بعض الحالات يتم وضعه في دور رعاية المسنين للتخلص من متطلباته، وقد تدعم دور المسنين النموذجية التي توفر الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية، إن وجدت، رفاهية كبار السن وتضمن حقوقهم وتحميهم من كل أشكال الاستغلال.
وأكد أخصائيو علم الاجتماع أنه رغم الشعور العميق بالذنب حيال إيداع الأقارب دور رعاية المسنين، حيث لا يأتي القرار بإيداعهم اختياريا، إذ تجبرهم الظروف على ذلك، ورغم وجود الرغبة لدى الكثيرين في توفير الرعاية لذويهم من المسنين، فإنهم في حقيقة الأمر لا يتمكنون من ذلك، مشددين على أن خيار إيداع المسنين دور رعاية لا يعد خيارا بل هو أمر واقع يفرضه عجز المسن عن التكيف مع المجتمع من حوله.
وأكد مختصون أنه قد تكون الإقامة في إحدى الدور المخصصة لكبار السن أفضل في بعض الأحيان من الإقامة في منزل الابن أو الابنة نظرا إلى ما يمكن أن يتعرض له كبير السن من سوء المعاملة والتهميش من قبل أبنائه وزوجاتهم وأحفادهم، حيث توفر هذه الدور أهم متطلبات العيش دون إزعاج، مع الرعاية اللازمة، بالإضافة إلى التواصل مع أشخاص في نفس الظروف تقريبا.
وأضافوا “مع الضغوط التي تعيشها الأسر العصرية وخروج أغلب الزوجات إلى العمل ووضع الأبناء في الحضانات طوال اليوم يعاني الأب المسن أو الأم المسنة من الوحدة طوال اليوم وقد يتعرضان إلى الإصابات أو تعكر حالتهما الصحية دون أن يجدا من ينجدهما، لذلك قد يكون إدخالهما دور المسنين خيارا صائبا لحمايتهما، وإحاطتهما الاجتماعية”.
وتؤكد الدكتورة إقبال محمود، أستاذة علم الاجتماع في مصر، أن هناك مستويين أسريين بالنسبة لوجود مثل هذه الحالات من الجحود الإنساني والإخلال بالالتزامات الاجتماعية والأخلاقية والدينية تجاه الوالدين اللذين يصبحان في أشد حالات الضعف والاحتياج للعيش بين من يشاركونهما آلامهما وأحزانهما وأفراحهما دون كلل أو تذمر، والمستوى الأول هو الولاء الأسري والاجتماعي للأسرة الكبيرة ممثلة في الوالدين.
أما المستوى الثاني فهو الولاء للأسرة الصغيرة والجديدة التي كونها أحد الأبناء عقب بلوغه وزواجه من طرف آخر. وأضافت “بالطبع فإن إحساس أحد الوالدين أو كليهما عقب انتقاله للإقامة مع أحد أبنائه بأنه محدد الإقامة ولا يتصرف بحرية، يشعره بمرارة كبيرة قد تدفعه إلى العزلة الأسرية والاجتماعية ويعاني التهميش، وكلها نماذج لأمراض اجتماعية عصرية أسهمت في ترسيخها الصورة السلبية في وسائل الإعلام”.
ونبهت إلى أنه “يجب على هؤلاء الأبناء أن يأخذوا في اعتبارهم أن الوالدين عند بلوغهما الكبر يصبحان أكثر حساسية في تعاملهما مع الأبناء وأحفادهما، وللأسف الشديد فإن هذه الانتهاكات الاجتماعية والإنسانية لتقاليدنا وعاداتنا وثوابتنا الدينية العربية ليست سوى نموذج صارخ لتحلل حضاري وقيمي يجب البحث له عن علاج سريع”.
وأكدت البحوث أن عدد المسنين الذين يعيشون بمفردهم يشهد ارتفاعا بسبب التحول الذي تعرفه الكثير من المجتمعات، حيث بدأت تتراجع الأسرة الممتدة التي تضم ثلاثة أجيال لفائدة الأسرة النووية التي يبحث فيها الزوجان عن استقلالية سكنية، وهو تحول يؤثر سلبا على السنوات الأخيرة من عمر الإنسان من الناحية النفسية على الخصوص. وكشفت دراسة أعدتها الباحثة المغربية السعدية راضي، والباحث الفرنسي جون نويل فيري، أنه على الرغم من الدعم المالي والمادي واللوجستي الذي يقدمه الأبناء لآبائهم إلا أن نسبة منهم ينتهي بها المطاف للعيش وحيدة، واعتبرا أن الدعم غير كاف.
واقترحا التعجيل بتنظيم الرعاية العمومية الخاصة بالأشخاص المسنين في ظل التحول الديموغرافي الذي سيحمل تغييرا مهما في تركيبة “النشيطين وغير النشيطين” من السكان.
وأشار الباحثان إلى أنه “على الرغم من تعبير الأبناء عن تفانيهم وطاعتهم للوالدين إلا أن تجليات هذه الطاعة في الواقع تحدث تباعدا أكثر من التقارب”.
ونبها إلى أن هذا الوضع يطرح تحديات كبيرة، إذ يجب التفكير في كيفية مواكبة المسنين اجتماعيا وصحيا، كما يطرح تحديات بخصوص كيفية دعم التضامن بين الآباء والأبناء، ما يعني أن الإشكال لا يحتاج حلولا تقنية فقط، بل اجتماعية بالأساس.
وقد يكون السكن في إحدى دور رعاية المسنين خيارا آمنا للكثير من المسنين المهمشين في منازل أبنائهم ويعانون الوحدة، شرط أن تكون هذه الدور مهيأة على أحسن وجه وتوفر لهم حياة اجتماعية ومعيشية مختلفة، وهو ما نفتقده في أغلب الدول العربية، حيث تطالعنا بين الفينة والأخرى
على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد أقل ما يقال عنها إنها مؤثرة لآباء مسنين يعانون من سوء المعاملة والاستغلال في هذه الدور، ويستجدون رؤية أبنائهم ولو للحظات قبل أن يفارقوا الحياة.