"دورا سلوان وادي السير" سيرة فلسطيني يحلم بالعودة

عمان - لأن لكل إنسان روايته التي يجب أن تخرج وتُروى، يروي عادل بصبوص في كتابه “دورا سلوان وادي السير.. وبالعكس” سيرة ذاتية يعود بها إلى الوراء سنوات طوالا لشق كتل الأعوام واستعادة أحداثها وما رافق لحظاتها من شعور.
يضم الكتاب، الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” (2023)، حكايا ذاتية ومرويات لكل مرحلة عاشها الكاتب على مدار ستة عقود في ثلاثة أمكنة: دورا وسلوان (في فلسطين)، ووادي السير (في الأردن).
تتبع السيرةُ حياة كاتبها الشخصية التي بدأت في دورا (محافظة الخليل) التي لجأت إليها عائلته التي تعود أصولها إلى قرية الدوايمة. تعاني عائلته خلال بداية حياتها في بلد اللجوء الفقر وصعوبة العيش، ثم تنتقل إلى سلوان (إحدى ضواحي مدينة القدس) لتبدأ حياة أفراد العائلة في بيت صغير حيث يعانون الفقر نفسه.
وفي تفاصيل السيرة يكبر المؤلف مع إخوته في ذلك البيت ويذهب إلى المدرسة حتى تندلع الحرب ثانية (1967) ليجد نفسه مع عائلته في وادي السير، وهناك يتفوق الطالب -رغم حياة العوز والفقر- في المدرسة، ثم يجد نفسه مضطرا إلى العمل لمساعدة أهله على تأمين عيشهم وتأمين كلفة دراسة أخيه في لبنان، فيقوم إلى جانب دراسته بأعمال شاقة بالنسبة إلى طفل لم يكن يومها قد بلغ الثانية عشرة من عمره؛ إذ يعمل في سوق الخضار عتالا ثم عاملا في ورشات البناء.
ويستمر الكاتب في سرد أحداث حياته، لنعرف أنه كان -بالرغم من حياة الفقر وضيق العيش وازدياد عدد أفراد عائلته- متفوقا على زملائه، حتى حقق في امتحان الثانوية العامة مجموعا مكنه من دراسة الهندسة في الجامعة، ثم يتخرج وتبدأ حياته العملية التي تضمنت سفرا يمكنه من التقدم في عمله، ليستطيع وعائلته الانتصار على الفقر آنذاك وتوسيع بيت العائلة. ويواصل الكاتب سرد حياته، فقد تزوج، وأنجب أطفالا، وحقق المزيد من التقدم في عمله.
وأول ما نلمحه في هذه السيرة قدرةُ الكاتب على سرد أحداث حياته بشكل يجعل القارئ متطلعا وفضوليا لمعرفة ما سيرويه بصبوص في الفصل التالي؛ كأننا أمام عمل روائي كامل العناصر، فكما يقول جورج ماي “الرواية والسيرة الذاتية هما شكلان يمثلان قطبين لجنس أدبي مترامي الأطراف”.
ونلمحُ في الكتاب السيري مكونا داخليا هو “العنوان”، لنجد أن عنوان كل فصل يحمل للقارئ متعة لما سيقدمه ذلك الفصل؛ إذ جاء الكتاب في عدة فصول قسمها المؤلف على فترات حياته، فنجد مثلا عناوين مثل: “وحياة ألبي وأفراحه” و”يا دبلة الخطوبة!” و”عريس لقطة” وغيرها.
تتسم اللغة في الكتاب بالسلاسة، بكل تعابيرها وصياغتها، بما ناسب استذكار الأحداث واسترجاع الذكريات.
ويذكر الكاتب أخيرا رؤيته تجاه هذه السيرة بقوله “لم أكن أستعيد الأحداث والذكريات فقط؛ وإنما أعيشها بكل تفاصيلها مرة أخرى، فكثيرا ما توقف القلم عن الكتابة في ذروة الانفعال وانهمار الدموع من المآقي.. كانت تجربة فريدة امتزجت فيها البهجة بالألم على مدى سبعة شهور متتالية لتكتمل في النهاية فصول هذه الحكاية”.
ويضيف “انتهت السطور ولم تنته رحلة العمر؛ فمازال على هذه الأرض ما يستحق الحـياة”، في توظيف لعبارة محمود درويش الشهيرة.