دم العالم المهدور في الصراعات الداخلية الأميركية

الخميس 2015/03/12

أرسل 42 عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ الأميركي رسالة إلى القادة الإيرانيين، يحذرون فيها من عواقب توقيع اتفاق بشأن المشروع النووي مع الرئيس باراك أوباما دون أن ينال هذا الاتفاق موافقة غالبية أعضاء الكونغرس.

قال الجمهوريون للإيرانيين بوضوح إن ” أي اتفاق يتعلق ببرنامجكم النووي من دون أن ينال موافقة الكونغرس، ليس سوى اتفاق تنفيذي بين الرئيس أوباما وخامنئي، وأن الرئيس المقبل قد يبطل اتفاقا تنفيذيا من هذا النوع بجرة قلم، كما أن أعضاء الكونغرس الجدد قادرون على تعديل شروطه في أي وقت”.

الموقعون على هذه الرسالة حرصوا على تذكير القادة الإيرانيين أن ولاية الرئيس أوباما تنتهي في يناير لعام 2017، في حين أن العديد منهم مستمرون في مناصبهم بعد هذه الفترة.

رد الرئيس أوباما على رسالة الكونغرس معتبرا أنها تُشكّل مفارقة غير مألوفة، وتمثل تحالفا غير معتاد بين جمهوريي الولايات المتحدة ومتشددي إيران.

الناطق باسم البيت الأبيض جوش إيرنست قال إن هذه الرسالة تشكل “استمرارا لجهد منحاز يهدف إلى إضعاف قدرة الرئيس على قيادة السياسة الخارجية للولايات المتحدة”.

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، اعتبر من جهته، أن التحذير الذي أرسله جمهوريو الكونغرس إلى إيران لا يمتلك أي “قيمة قانونية” ويأتي من “باب الدعاية”. وأضاف “على أعضاء مجلس الشيوخ أن يعلموا أنه وفق القانون الدولي، فإن الكونغرس لن يستطيع تغيير مضمون الاتفاق، وأن أي خطوة من الكونغرس تهدف إلى منع تطبيق اتفاق محتمل ستكون انتهاكا للالتزامات الدولية للحكومة الأميركية”.

هذا الشد والجذب بين الجمهوريين وأوباما الذي يفترض أنه مجرد حراك سياسي أميركي داخلي، يمكن ملاحظة تداعياته في كافة الجبهات المشتعلة في المنطقة، والقابلة للتمدد لتشمل كافة أصقاع العالم.

يرتبط الاتفاق على المشروع النووي الإيراني بكافة ملفات المنطقة. من هنا قد يؤدي نجاح الجمهوريين في إفشاله إلى سلسلة من التطورات الخطيرة قد تكون استحالة انتخاب رئيس للبنان أبسطها.

خسارة إيران للتوكيل الأميركي بإدارة شؤون المنطقة والسيطرة عليها، لن يؤدي سوى إلى قيامها بتشغيل كل خلاياها التفجيرية المزروعة في قلب أكثر من بلد عربي، ما سيتسبب في ارتفاع منسوب العنف الدموي المستشري في المنطقة إلى مستوى كارثي.

نجاح الرئيس الأميركي باراك أوباما في تمرير اتفاق مع إيران، يرى معظم الأطراف الفاعلين في المنطقه أنه سيكون على حسابهم، سيتسبب في تقوية التطرف وتحول خطاب الحرب على الإرهاب الذي تنادي به دول الخليج ومصر ومعظم دول المنطقة إلى خطاب العداء المفتوح لإيران، والسعي إلى مواجهتها بكل السبل المتاحة.

لا يبدو أن أحدا في الإدارة الأميركية يهتم لمصير المنطقة أو يؤرقه سيل الدماء الجاري في مدنها وشوارعها، أو يبالي لو بات العالم كله مسرحا لهذا التناطح الداخلي على السلطة الذي يتعاطى بخفة مع مصائر الشعوب والأمم.

الولايات المتحدة الأميركية انسحبت من المنطقة بعد أن خلفت وراءها تركة ثقيلة من التخلف، والجهل، والفقر، والتفكك، وغياب الرؤية، وتمكين الدكتاتوريات، وهي تدير علاقتها بالمنطقة حاليا عبر البناء على ما كانت قد أسست له.

الجمهوريون لا يريدون اتفاقا مع إيران لأن أوباما يريد ذلك، هو كان قد انتهج سياسة تقوم على أبلسة المرحلة البوشية، والحرص على التناقض التام معها. هكذا لا يكون الخارج بالنسبة للطرفين سوى وسيلة لعب في الصراع على السلطة.

أوباما يريد أن يكون رئيسا للتاريخ، وأن يسجل اسمه بوصفه الرئيس الذي أنهى الصراعات التاريخية مع إيران وكوبا.

أوباما يريد أن يغادر الرئاسة تاركا للرئيس القادم الذي سيكون جمهوريا على الأرجح مهمة معالجة كل الملفات التفجيرية من مأزق الاتفاق النووي مع إيران وتداعياته، وصولا إلى موضوع الحرب على الإرهاب.

تمارس أميركا بجناحيها الجمهوري والديمقراطي احتقار العالم عامة والمنطقة خاصة. من هنا قد يكون الأولى بشعوب المنطقة جميعا أن تبادر إلى إيجاد تسويات تضمن لها النجاة من المصير الكارثي الذي تقودها إليه أميركا خدمة لصراعاتها الداخلية حول السلطة.

أي دولة في المنطقة تعتقد أن بإمكانها عقد حلف مع أميركا يصب في مصلحتها هي واهمة، وحتى إيران التي تتغول حاليا تحت عنوان حلفها مع الولايات المتحدة الأميركية، ستجد نفسها في المدى المتوسط وليس البعيد أسيرة كوارث ستصيبها في مقتل.

هل تعتقد إيران أن محاولتها للسيطرة على المنطقة ستكون بلا عواقب، وأن السنة سوف يقبلون إمبراطوريتها المنشودة ويستقبلونها بالورود والرياحين؟

هل تعتقد إيران أن أميركا ستهتم بإنقاذها عندما تنشأ ردة فعل سنية داعشية الطابع ترد على مجازرها بالطريقة نفسها، وربما بشكل أكثر وحشية وقسوة؟

إذا كان هناك من سياسة خارجية لأميركا فإنها تقتصر حاليا على إدارة المجازر المفتوحة، وتوظيفها في سياق صراعات السلطة في الداخل الأميركي.

7