دمشق حذرة في التعاطي مع رسائل أنقرة

وزير الخارجية التركي يجدد الدعوة إلى تفاهم بين المعارضة والنظام في سوريا.
الأربعاء 2022/08/17
استدارة تركية جديدة

دمشق- تتعاطى السلطات السورية بحذر شديد حيال تصريحات المسؤولين الأتراك التي تعكس تغيرا في مقاربة أنقرة للأزمة المتفجرة منذ نحو أحد عشر عاما في سوريا.

ويرى مراقبون أن الصمت الرسمي السوري حيال التصريحات التركية المتتالية بشأن التسوية السورية مفهوم في ظل انعدام الثقة بين الطرفين، وربما تنتظر دمشق خطوات عملية من أنقرة من قبيل حدوث اتصال هاتفي بين الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان.

وجدّد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الثلاثاء دعوته إلى “تفاهم” بين الحكومة السورية والمعارضة، بعد دعوة مماثلة أطلقها الأسبوع الماضي وأثارت تظاهرات مناهضة لتركيا في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في سوريا.

◙ أردوغان جاد في الذهاب قدما وإن بشكل بطيء لتطبيع متدرج مع دمشق

وقال جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اللاتفي إدغارز رينكيفيش في أنقرة “يجب أن يتصالح النظام والمعارضة. هذا ما قلته (…) نرى أن المصالحة ضرورية لإحلال سلام دائم في سوريا”.

وكان وزير الخارجية التركي أعلن الخميس خلال مؤتمر صحافي في أنقرة “علينا أن نجعل النظام والمعارضة يتفاهمان في سوريا، وإلا لن يكون هناك سلام دائم”.

وكشف جاويش أوغلو عن لقاء جمعه بنظيره السوري فيصل المقداد على هامش قمة دول عدم الانحياز في أكتوبر من العام الماضي.

وأثارت تصريحات وزير الخارجية التركي حينها غضب أوساط المعارضة السورية في شمال وشمال غرب سوريا، حيث تظاهر الآلاف من السوريين منددين بهذه التصريحات، وقام عدد منهم بحرق العلم التركي.

وأوضح جاويش أوغلو الثلاثاء “استخدمت كلمة تسوية وليس مصالحة”، مؤكدا أنه تمّ “تحريف” أقواله.

ولعبت تركيا منذ بداية النزاع في سوريا عام 2011 دورا أساسيا في دعم واحتضان المعارضة لاسيما التنظيمات الإسلامية الراديكالية، ولطالما وصف الرئيس التركي نظيره السوري بـ”القاتل”. وقال في مايو إنه لن يعيد اللاجئين السوريين الموجودين في بلاده إلى “أفواه القتلة”.

دولت بهتشلي: رفع الحوار مع دمشق إلى المستوى السياسي من أهم القضايا

ويقول المراقبون إن التغير الطارئ في موقف أنقرة الذي كان يقوم على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد ليس مفاجئا بالنسبة إلى الكثيرين في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة، والتي تستند على تبريد الجبهات وحل النزاعات بعد فشل ما سمي “بالربيع العربي”.

ويشير المراقبون إلى عوامل أخرى مهمة جدا في ما يمكن اعتباره استدارة تركية جديدة، في مقدمتها إنهاء ما تعتبره أنقرة التهديد الكردي في شمال شرق سوريا، وتدرك تركيا أن شن عملية عسكرية جديدة في هذه المنطقة هو محل رفض من القوى الدولية لاسيما من روسيا والولايات المتحدة.

ومنذ العام 2016 شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية واسعة في سوريا استهدفت بشكل أساسي المقاتلين الأكراد، وتمكنت قواتها بالتعاون مع فصائل سورية موالية لها من السيطرة على منطقة حدودية واسعة في شمال البلاد.

وأظهرت أنقرة نوايا لاستغلال الظرفية الدولية المتمثلة في حرب أوكرانيا وتداعياتها للقيام بعملية جديدة ضد الأكراد، لكن هذه النوايا اصطدمت بصخرة الرفض الروسي – الإيراني إلى جانب الموقف الأميركي المعارض.

ويقول المراقبون إن تركيا ترى أنه من الأجدى تعديل سياستها لمحاصرة الوجود الكردي في سوريا، وضرب طموحاتهم في الانفصال، وقد يكون الخيار الأمثل تحقيق مصالحة بين الحكومة السورية والمعارضة بالتوازي مع تطبيع متدرج في العلاقة مع دمشق.

ويأتي هذا التغيير في الموقف التركي بُعيد لقاء جمع أردوغان في الخامس من أغسطس بنظيره الروسي فلاديمير بوتين. ويعتقد أنه تم خلال هذا اللقاء الذي جرى في سوتشي الروسية بلورة تصور كامل حيال سبل تنفيذ معالم هذه الاستدارة على الأرض والتي بدأت بمحاولات تركيا لجس النبض واستيعاب ردود فعل قوى المعارضة السورية التي بدت منقسمة على ذاتها وهو ما يظهر في المواقف التي أعقبت التظاهرات في شمال سوريا.

ويرى المراقبون أنه على خلاف تأويلات البعض بشأن المواقف التركية الأخيرة، والتي يعتبرونها مجرد مناورة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، حيث يريد أردوغان إنهاء ملف اللاجئين الذي يؤرقه في الداخل ويتسبب له في ضغط شعبي، فإن المؤشرات تصب في جهة أنه جاد في الذهاب قدما وإن بشكل بطيء لتطبيع متدرج مع دمشق.

وكان رئيس حزب “الحركة القومية” التركي دولت بهتشلي رحب في وقت سابق بالتصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المتعلقة بالشأن السوري.

◙ الصمت الرسمي السوري حيال التصريحات التركية المتتالية بشأن التسوية السورية مفهوم في ظل انعدام الثقة بين الطرفين

وذكر بهتشلي الذي يعد حليفا رئيسيا لحزب العدالة والتنمية في بيانه “خطوات تركيا في سوريا قيمة ودقيقة، والتصريحات البنّاءة والواقعية لوزير خارجيتنا حول إحلال السلام بين المعارضة السورية ونظام الأسد هي متنفّس قوي للبحث عن حل دائم”.

وأضاف البيان الموقع باسم رئيس الحزب “لا يجب على أحد أن ينزعج من هذا”، وأوضح أن رفع محادثات تركيا مع دمشق إلى مستوى الحوار السياسي، في سياق إخراج “التنظيمات الإرهابية” من كل منطقة توجد فيها، هو من أهم القضايا المطروحة على الأجندة السياسية في المستقبل.

وأعرب بهتشلي عن رغبته في أن تسود أجواء التطبيع كل منطقة ومع كل جار لتركيا بحلول عام 2023، مع الإشارة إلى علاقة الأخوة والروابط القوية القائمة على التاريخ والثقافة والإيمان بين الأتراك والسوريين. وأضاف “هناك شعب مستقل حقًا.. هناك أيضا أنظمة ومعارضة.. 11 عاما مضت ومات كثير من الناس. كثير من الناس غادروا بلادهم. يجب أن يتمكن هؤلاء الناس من العودة بمن فيهم أولئك الموجودون في تركيا”.

وتسبّب النزاع في سوريا بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة وأدى إلى نزوح وتشريد الملايين من السكان داخل البلاد وخارجها.

2