دمشق تضيّق الخناق على حراك السويداء مع إتمام عامه الأول

العشرات من العائلات فوجئت برفع الدعم الحكومي.
السبت 2024/08/10
السلطات السورية تتجنب الصدام المباشر مع المحتجين

تعمل الحكومة السورية على تضييق الخناق على حراك السويداء مع إتمام عامه الأول، وقد انتهجت في الفترة الأخيرة أساليب مختلفة من بينها رفع الدعم عن أسر النشطاء وتسليح مجموعات محلية للتصدي للمتظاهرين وترهيبهم.

دمشق - فوجئ الكثير من المواطنين في محافظة السويداء جنوب سوريا باستبعادهم من الدعم الحكومي، بحجة السفر خارج القطر لمدة تجاوزت العام، رغم إقامتهم في السويداء، كما أن بعضهم لم يسافر قط إلى خارج البلاد.

وتزامنت خطوة رفع الدعم مع معطيات تتحدث عن إقدام السلطات السورية على تسليح مجموعات محلية من أبناء المحافظة وتقديم الدعم المادي واللوجستي لأفرادها، فيما بدا الغرض من ذلك ضرب الحراك من الداخل وترهيب المحتجين.

وتشهد محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية احتجاجات مستمرة منذ عام، وحملت الاحتجاجات في البداية مطالب اجتماعية، قبل أن تتحول إلى مطالب ذات خلفية سياسية تدعو إلى إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد، وتطبيق قرار مجلس الأمن الخاص بالحل السياسي في البلاد، المعروف برقم 2254.

وتعاملت السلطات السورية مع احتجاجات السويداء بحذر شديد وتجنبت الدخول في صدام مع المتظاهرين، كي لا يتكرر خطأ 2011، حينما عمدت إلى استخدام العنف في قمع المظاهرات التي اندلعت آنذاك، وهو ما انتهى بالبلاد إلى حرب أهلية مدمرة، مازالت تعاني من جروحها.

ولا تزال السلطات السورية تراهن على سياسة النفس الطويل في التعامل مع حراك السويداء، مع السعي إلى استهدافه من الداخل، عبر ضرب الروح المعنوية للمواطنين وخلق حالة من الشرخ في النسيج المجتمعي للمنطقة.

وذكرت شبكة “السويداء 24” التي تغطي الحراك منذ اندلاعه أن عدداً من مواطني المحافظة فوجئوا الخميس باستبعادهم من الدعم الحكومي.

ووصلت رسائل نصّية إلى العشرات من المواطنين من مزود خدمة البطاقة الذكية، تخطرهم برفع الدعم عنهم بسبب سفرهم خارج البلاد، وتطلب منهم مراجعة أقرب فرع للهجرة لتصحيح الخطأ في حال وجوده.

الحكومة السورية لجأت إلى رفع الدعم عن أسر النشطاء المشاركين في الحراك بُغية زيادة الضغط عليهم

وجاء في رسائل نشرها بعض المشمولين برفع الدعم في السويداء عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي “سيتم رفع الدعم بسبب السفر خارج القطر لمدة تجاوزت العام”، مؤكدين عدم مغادرتهم المحافظة.

ونقلت الشبكة المحلية عن أحد الذين وصلتهم الرسالة قوله إنه راجع فرع الهجرة والجوازات في السويداء، ولاحظ وجود العشرات من الأشخاص الذين وصلتهم رسائل الاستبعاد من الدعم رغم وجودهم داخل الأراضي السورية.

والملفت في الأمر أنه لدى مراجعته دائرة الهجرة والجوازات أُبلغ من قبل الموظفين بأنه مطلوب للأجهزة الأمنية، وقالوا له بأنهم لا يستطيعون تصحيح حركته ما لم يكن سجله الأمني خالياً من مذكرات التوقيف.

وتساءل المواطن الذي يعيل أسرة ويواجه ظروفا معيشية صعبة “هل كان مقصوداً استبعادي والكثيرين غيري من الدعم بالخطأ رغم وجودنا على الأراضي السورية؟ أم أن هناك نية مبيتة لدى الحكومة برفع الدعم عن المطلوبين أمنياً والذين يزيد عددهم على عشرات الآلاف في السويداء وحدها؟”.

وعلق مواطن يدعى نصر على منشور “السويداء 24” قائلا “استبعدوا أهلي أيضا من الدعم بحجة أن أبي خارج القطر” مضيفا بلهجة محلية “مع العلم أن والدي منذ 40 سنة يمكن مش نازل عشام”.

وقال ضياء نوفل “أخي حصلت له نفس المشكلة وقالوا إنه مسافر إلى ألمانيا منذ سنة ورفعوا عنه الدعم، مع العلم أن أخي لا يملك حتى جواز السفر”.

السلطات السورية لا تزال تراهن على سياسة النفس الطويل في التعامل مع حراك السويداء

وأعلنت وزارة الاتصالات السورية في وقت سابق من الخميس عبر منشور على فيسبوك أنها أرسلت رسائل نصية إلى مالكي البطاقات الإلكترونية (الذكية) الذين سيتم استبعادهم من منظومة الدعم الحكومي، بسبب وجودهم خارج القطر لأكثر من عام.

وأوضحت وزارة الاتصالات أن الرسائل المذكورة تتضمن إخطار المواطنين الذين سيتم استبعادهم من الدعم بعد أسبوع من إرسال الرسالة.

ويرى متابعون أن الحكومة السورية لجأت إلى رفع الدعم عن أسر النشطاء المشاركين في الحراك بُغية زيادة الضغط عليهم، ودفعهم إلى التخلي عن فكرة مواصلة الاحتجاجات التي باتت تعطي نتائج عكسية.

ويقول المتابعون إن الدافع الأساسي إلى الحراك كان في البداية تحسين الأوضاع الاجتماعية وتخفيف أعباء غلاء المعيشة، والحكومة اليوم تريد استغلال هذه الورقة، بإيصال رسالة تفيد بأن الاستمرار في الحراك يعني زيادة تلك الأعباء.

وبالتوازي مع ذلك ذكرت مصادر أن السلطات السورية عمدت خلال الفترة الأخيرة إلى استقطاب عدد من أبناء السويداء وتسليحهم، للتصدي للحراك المدعوم أيضا من مجموعات مسلحة، وهو الأمر الذي قد ينتهي بالحراك إلى العسكرة.

وكان متظاهرون منعوا الأربعاء، من قبل الأهالي، من الوصول إلى إحدى ساحات بلدة مفعلة شمال السويداء، وذلك لتمركز مجموعة مسلحة في المكان المتفق عليه للتظاهر، وتعمد عناصرها إطلاق الرصاص في الهواء ورمي قنبلتين صوتيتين، إضافة إلى التهديدات التي أطلقوها بأنهم لن يترددوا في الرد على التظاهرة.

ويرى نشطاء أن ما حدث في مفعلة لا يمكن اعتباره حدثا عابرا، خصوصاً أنه أول تهديد معلن بمواجهة الحراك من قبل مجموعة محلية موالية، فضلا عن اكتشاف أن من يقود المجموعة هو سليم حميد، قائد “قوات الفهد” سابقاً.

وتعرض حميد قبل نحو عامين لعملية عسكرية قادتها مجموعات محلية من أبناء المحافظة، أدت في النهاية إلى تفكيك مجموعته وتسليم سلاحه ثم اختفائه عن الأنظار.

وشكّل ظهور حميد مجددا في مقطع مصور قبل أسبوع مفاجأة لسكان المحافظة، إذ أعلن عن تشكيل عسكري جديد “تحت مظلة الوطن وقيادة بشار الأسد”.

ونقل “مركز إعلام السويداء” عن مصدر في البلدة مقرب من المجموعة بأنها تلقت دعماً مالياً ولوجستياً من قبل الأجهزة الأمنية، مضيفاً أن المقابل هو “إحداث عمل أمني مع تصريح لهم بإطلاق النار على المتظاهرين”.

 وقال المركز إن “دعم العصابات من قبل السلطة في السويداء هو إحدى السياسات المتبعة لإنهاك المجتمع ومشاغلته”، و”إحداث فتنة داخلية“.

واعتبر  مدير شبكة “السويداء” ريان معروف في تصريح لموقع “المدن” أن تسليح المجموعات هو الخطوة الأخطر، من ضمن خطوات بدأ العمل عليها منذ مايو الماضي لمحاصرة الحراك.

وأوضح معروف أن البداية كانت بتغيير المحافظ وتنصيب شخصية أمنية ثم تعزيز المحافظة بالعناصر الأمنية، وصولاً إلى تنشيط حاضنة شعبية للنظام عبر عقد اجتماعات للوقوف على المطالب الخدمية، ومنح امتيازات للبعثيين ولبقايا الموالين للنظام.

2