دمشق تحيي ذكرى إلياس الزيات وتجربته في التشكيل السوري

دمشق - “الفنان لا يموت، يبقى خالدا في أعماله”، بهذه الكلمات للفنان التشكيلي إلياس الزيات استهلت الندوة الحوارية التي أقامتها جامعة دمشق بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة ومؤسسة مدد للفنون البصرية بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيله، متضمنة الدور الفني والأكاديمي الرائد للراحل الذي كان أحد رواد التشكيل السوري والمؤسسين لحراك فني وأكاديمي للتشكيل في البلاد.
بدأت الندوة بعرض فيلم قصير عن الراحل الزيات، وفي إطارها قال نائب رئيس جامعة دمشق لشؤون الطلاب والشؤون الإدارية الدكتور محمد تركو “تحتفي جامعة دمشق هذه السنة بالذكرى المئوية لتأسيسها، حيث قدمت الجامعة خلال هذه السنوات إبداعا علميا وفنيا في جميع المجالات كإضافة علمية في الحضارة الإنسانية”.
وأشار تركو إلى أنه مرت خلال هذه الفترة قامات علمية، والفنان الراحل الزيات يعتبر جزءا مهما من تاريخ جامعة دمشق التي بدورها تثمن عالياً كل مساهماته وإبداعاته التي قدمها في جميع المجالات، مقدماً باسم جامعة دمشق درعاً تكريمياً للراحل استلمها ابنه المهندس ميشال الزيات.
وُلد الفنان الراحل إلياس الزيات في دمشق عام 1935، وتخرّج في قسم التصوير الزيتي في أكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة البلغارية صوفيا عام 1960، ثم أكمل دراسته في كلية الفنون الجميلة في القاهرة. وفي عام 1973، تخرّج في أكاديمية الفنون الجميلة في بودابست في اختصاص الترميم الفني. ثم انتقل إلى سوريا، حيث درّس في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق بين عامي 1980 و2000، وخلال هذه الفترة نشر العديد من المقالات عن الفن والترميم.
استوحى الزيات من خوابي التاريخ والحضارة جمالياتها وسعى إلى إعادة توليدها تجريديا وفق حس فني معاصر، فخاض أنواع الفنون كافة واستقى من كل مدرسة أبعادها ليصل إلى صيغته الشخصية، واستخدم وسائل متنوعة لإظهار الشخصية المحورية في أعماله، ففي بعض الأحيان كان الحضور مكثَّفاً وعلى طبقات عدة، وفي أخرى كانت تتراءى طافية في فضاء اللوحة أو منخرطة في مشهد سردي. ويستحضر في الكثير من أعماله الأيقونات المسيحية في أعمال الفسيفساء البيزنطية والتي تمتاز بوجوه ذات أنوف طويلة وعيون واسعة.
كما استلهم الفنان دراسته في مجال الزجاج المعشَّق ومعرفته بالتقنيات التقليدية لرسم وتقديم ما ورد في الإنجيل من قصص، وكانت له لمسته الخاصة في تزيين الكثير من الكنائس والأديرة في سوريا بأيقونات ولوحات جدارية.
ما بين العمارة والفنون روابط كثيرة، وفي هذا الصدد قال الفنان التشكيلي والمهندس المعماري الدكتور طلال عقيلي “إن إلياس الزيات ليس فقط من أعمدة الفن في سوريا، وإنما هو من أعمدة التعليم الأكاديمي وأعمدة كلية الفنون الجميلة التي كانت سابقا وفي سنيها الأولى تضم الفنون الجميلة والعمارة”.
وأضاف عقيلي أن “من حقه علينا أن نعيد قراءة إلياس الزيات لنوظف تجربته ورؤيته في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها سوريا لنمشي قُدما في الاتجاه الذي أراده إلياس الزيات”.
وفي هذا السياق، أكد الباحث والناقد في الفن التشكيلي سعد القاسم “أن إحياء الذكرى السنوية الأولى للراحل والمعلم الزيات، أحد أركان الفن السوري، هو فرصة لنحيي بعضا من فكره ومسيرته باعتباره مفكراً ومثقفا واسع الطيف، ومن أهم من بحث في جذور الفن السوري وخاصة الفن التدمري والفن المسيحي والفن الصوفي الإسلامي”.
ورأى الفنان التشكيلي إدوار شهدا الذي تربطه علاقة طويلة مع الراحل الزيات “أن الألقاب تحد ولا تعطي القيمة الحقيقية للقامات، أفضل أن أدعوه باسمه لأن اسمه فوق كل الألقاب”.
وأضاف شهدا “إن علاقتي بالزيات بدأت قبل دخولي إلى كلية الفنون الجميلة، فترددي الدائم على مرسمه الصغير في منطقة القصاع جعلني أقف مبهورا لما أشاهده، وبعد دخولي الكلية، أخذت العلاقة شكلا احترافيا، واستقيت منه الكثير فهو نبع معرفي وفني وثقافي”.
وفي مداخلة مسجلة للدكتورة منى أتاسي قالت “إن إيمان إلياس الزيات العميق بالفن ممارسة وحياة جعله يترفع عن صغائر الأمور، وتمسك ساعياً بحكمة وصبر لبلوغ بهاء الفن والفكر، ليتركه لنا بأسمى تجلياته”.
وفي السياق نفسه، قال المهندس المعماري ميشال الزيات ابن الراحل “جئنا اليوم لتخليد ذكرى أحد أعمدة ومؤسسي كلية الفنون الجميلة، ولنسلط الضوء من خلال المحاورين الذين عاصروه على أثره والعلاقة التي تربطهم به”.
يذكر أن الفنان إلياس الزيات تدرب أيضا على ترميم اللوحات الفنية بأكاديمية الفنون الجميلة في بودابست، كما قام بدراسات على كيمياء الألوان وتحليل المواد في متحف الفنون التطبيقية فيها، وشارك في العديد من المعارض المحلية والعربية. أعماله مقتناة من قِبل مؤسسات مثل الجامعة الأميركية في بيروت؛ ومعهد العالم العربي في باريس، والمتحف البريطاني، ووزارة الثقافة السورية، والمتحف الوطني في دمشق، ومتحف دُمّر، والقصر الجمهوري، ووزارة الشؤون الخارجية في دمشق ومتحف تدمر وكذلك في مجموعات خاصة.
وبفضل مكانته كمعلم ومرشد للكثير من الفنانين على الساحة الفنية السورية وشهرته الكبيرة في أرجاء العالَم العربي، اشتغل خلال مسيرته على مواضيع تاريخية ودينية وأسطورية، وتمتاز أعماله بغنى لافت على المستوى الرمزي.
وفي حديث له عن تطور أسلوبه على امتداد مسيرته الفنية، قال الزيات “لا وجود لما قبل أو ما بعد في الفن. فعلى سبيل المثال، بدأتُ بالتجريد، ثم هجرته من الستينات إلى السبعينات، وعدتُ إلى الفن التشخيصي. كان تجريداً بنائياً. والآن أودّ العودة إلى التجريد، ولكن ليس في إطار بنائيّ”.
ويعتبر الراحل من الرواد الأوائل في تأسيس البداية الحقيقية للتشكيل السوري، حيث شارك في تأسيس كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، وقام بالتدريس فيها منذ تأسيسها، وحصل على رتبة أستاذ منذ العام 1980، وشغل منصب رئيس قسم الفنون، ووكيل الكلية للشؤون العلمية أثناء عمله فيها. كما ألّف كتاب “تقنية التصوير ومواده”. وكان قد توفي في سبتمبر العام الماضي عن عمر ناهز 87 عاما.

