دمشق تحاول إزعاج أردوغان بالانسحاب من الحسكة والقامشلي

دمشق- انسحبت القوات السورية، السبت، من مناطق سيطرتها بمدينتي الحسكة والقامشلي شمال شرق البلاد، تاركة مواقعها لصالح الأكراد، في خطوة تؤكد أن دمشق تريد إزعاج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإرباك رهانه على أن تقدم المسلحين الإسلاميين يخدم أجندته ويجعله اللاعب الأول في الملف السوري.
يأتي هذا فيما تشير انسحابات القوات السورية من المناطق الجنوبية إلى وجود ترتيب مع القوى المحلية تجنبا لأيّ صدام ما يمكّن القوات الحكومية من الدفاع عن مدنية حمص وعن العاصمة دمشق وإفشال رهانات هيئة تحرير الشام في السيطرة عليها، كما جرى في حلب وحماة.
وسحب نظام الرئيس بشار الأسد قواته من مركز محافظة الحسكة ومدينة القامشلي بريفها، شرق نهر الفرات، وقبلها بيوم من دير الزوز، وفسح المجال أمام سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليها، ومهد لها الطريق للسيطرة على مساحات كبيرة تفوق أربعين في المئة من الأراضي السورية بما في ذلك على الحدود مع العراق.
ويقول مراقبون إن فسح المجال أمام الأكراد للسيطرة على مناطق الشرق يهدف بالأساس إلى منع المسلحين الإسلاميين من الوصول إلى تلك المناطق الحيوية على الحدود مع العراق ومنع تكرار سيناريو تمدد داعش في 2014، وهو مطلب سوري وعراقي وإيراني في آن واحد.
لكن الهدف المباشر من الخطوة الحكومية السورية هو الرد على أردوغان، الذي صار وكأنه ناطق رسمي باسم هيئة تحرير الشام، يصفق لنجاحاتها ويسوّق لها دبلوماسيا ويضع لها خريطة التمدد من ذلك الحديث عن أن “الهدف هو دمشق“.
وتزيد الخطوة السورية من قوة الأوراق التي بيده الأكراد وتحولهم إلى لاعب رئيسي في سوريا لا يمكن تهميشه أو عزله، ما يمثل تحديا لتركيا ويضعف سعيها لتسويق نفسها كلاعب مؤثر في سوريا.
وسيطر الأكراد على مدينة دير الزور في شرق سوريا والمعبر الحدودي الرئيسي مع العراق الجمعة، ليستولوا بذلك على المناطق الصحراوية الشاسعة في شرق سوريا في تحركين خاطفين.
وقال عمر أبوليلى، وهو ناشط من منصة “دير الزور 24” الإعلامية وله اتصالات في المدينة، إن قوات الحكومة السورية والمقاتلين العراقيين المدعومين من إيران انسحبوا من دير الزور قبل أن تكتسحها قوات سوريا الديمقراطية.
وقال مصدران بالجيش السوري لرويترز إن قوات سوريا الديمقراطية اجتاحت بعد وقت قصير معبر البوكمال الحدودي مع العراق.
وهذا ما يشير إلى أن الانسحاب تم بخيار من القوات الحكومية، وهي التي تركت الفرصة للأكراد لينتشروا بدلا منها بشكل منظم ودون اشتباكات.
◄ أخطر ما يواجهه النظام بعد كل هذه الانسحابات أنه لا يستطيع أن يقول إنه يعتمد على قوة مهمة تساعده في البقاء
وفي الجنوب انسحبت القوات الحكومية من مواقعها من محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا وذلك ضمن اتفاق مع قوى محلية حتى لا يقع الصدام بين الطرفين خاصة أن أغلب تلك القوى لا تنتمي لهيئة تحرير الشام، ويتوقع أن تصطدم بها في حال سعت الحركة الإسلامية المتشددة لوضع يدها على مناطق القوى المحلية.
وكان لافتا أن القوات الحكومية خرجت من المناطق التي انسحبت منها هي وقوات حليفة لها دون أن يتعرض لها أحد.
والقوات المنسحبة تنقسم إلى مجموعتين؛ الأولى من السنة والدروز، وبعضهم ذهب إلى داره والآخر قرر الصمود مع النظام لانعدام الخيارات، والثانية من العلويين الذين لا يجدون أمامهم إلا الصمود مع النظام لأن مسألة بقائهم أصبحت على المحك.
وأخطر ما يواجهه النظام السوري بعد كل هذه الانسحابات، شمالا وشرقا وجنوبا، أنه لا يستطيع أن يقول إنه يعتمد على قوة مهمة تساعده في البقاء مثل روسيا وإيران، ولا حتى على قوة داعمة مثل حزب الله الذي يجد أن بقاءه نفسه على المحك في حال وجد نفسه في معركة مباشرة مع المسلحين الإسلاميين السنة خاصة بعد تراجع إمكانياته وخسارة نخبته المقاتلة في الضربات الإسرائيلية.
وأهم ما يمتلكه النظام من أسلحة هو أن المهاجمين إسلاميون وسبق وأن مارسوا بطشا تجاه الناس، وأن الأسد نفسه ليس من النوع الذي يهرب من المواجهة مهما قست الظروف.
وأكد مكتب الرئاسة السورية السبت أن الأسد يواصل عمله من العاصمة دمشق، نافيا الشائعات التي تم تداولها حول مغادرته دمشق أو قيامه بزيارات قصيرة إلى دول أخرى.
ويسعى الأسد من سحب القوات في المناطق الجنوبية ليستخدمها في محاولته قلب المعادلة في حمص ومنع دخول المسلحين الإسلاميين إليها، والأمر نفسه بالنسبة إلى العاصمة دمشق.
وأعلن وزير الداخلية السوري محمد الرحمون السبت أن هناك “طوقا أمنيا وعسكريا قويا” في محيط العاصمة السورية مع إعلان فصائل معارضة استعدادها لـ”تطويق” دمشق.
وقال الرحمون للتلفزيون السوري الرسمي خلال جولة في العاصمة “أطمئن المواطنين أن هناك طوقا قويا جدا، أمنيا وعسكريا، على الأطراف البعيدة لدمشق وريف دمشق،” مضيفا أنه “لا يمكن لأيّ كان، لا هم ولا مشغلوهم ولا داعموهم أن يخترقوا هذا الخط الدفاعي الذي تقوم به القوات المسلحة“.
وقال الجيش السوري إن وحداته تقوم بتعزيز “خطوط انتشارها في جميع أرجاء ريف دمشق والمنطقة الجنوبية منعا لوقوع أيّ حوادث،” مضيفا أنه يواصل تنفيذ “عمليات نوعية” في أرياف حماة وحمص وريف درعا الشمالي.
وتركزت دفاعات الحكومة على حمص، إذ أفاد التلفزيون السوري الرسمي ومصادر عسكرية سورية بشن غارات جوية كبيرة على مواقع للمعارضة ووصول موجة من التعزيزات للتمركز في محيط المدينة.
وقال جوناثان لانديس وهو متخصص في الشأن السوري بجامعة أوكلاهوما “حمص هي المفتاح. وسيكون من الصعب للغاية على الأسد الصمود، ولكن إذا سقطت حمص فسوف يتم إغلاق الطريق السريع الرئيسي من دمشق إلى طرطوس والساحل مما يعزل العاصمة عن جبال العلويين”.