"دليفري" فني

يكذب البعض حين يتخيّل أن هناك سوقا للفن في العالم العربي، في الواقع هناك متعهدون يعقدون صفقات سرية ما بين مقتنيين هم في الغالب ضحايا شائعات روّج لها أولئك المتعهدون وبين فنانين وقع عليهم الاختيار بسبب خضوعهم لإملاءات.
هي عبارة عن وصفات جاهزة لإنتاج أعمال فنية ترضي المقتني، لأنها تستجيب لذائقته التي هي ليست من صنعه، بل أوحي إليه بأنها الذائقة التي تقدمه خبيرا وعارفا بشؤون الفن.
لعبة اخترعها المتعهدون بمكر وذكاء شيطاني ليكونوا من خلالها سادة على المقتنيين والفنانين في الوقت نفسه، لم يعد المقتني وفق أصول تلك اللعبة في حاجة إلى زيارة المعارض الفنية أو مشاغل الفنانين، كل ما يحتاجه سيأتيه إلى عقر داره جاهزا.
أما الفنان المرضيّ عنه من قبل المتعهدين، فإنه سيعمل في الخفاء على تلبية ما يُطلب منه من غير أن يشعر بالحاجة إلى أن يعرض تجاربه الفنية على جمهور، صار في غنى عنه. أما النقد الفني فقد تبيّن أن لا قيمة له بالنسبة لذلك الفنان الذي صارت أعماله تُباع من غير أن يقيّمها النقد سلبا أو إيجابا.
إنها سوق سوداء بكل ما ينطوي عليه ذلك المفهوم من معان، سوق دفعت ثمنها قاعات العرض الفني الشرعية، فالمبيعات من خلال تلك القاعات تكاد لا تُذكر.
لقد تم تعطيل قدرة تلك القاعات على اجتذاب زبائن ميسورين، فأولئك الزبائن صاروا يفضلون أن تصل البضاعة إلى بيوتهم بأسلوب الـ”دليفري” بدلا من مكابدة الذهاب إلى القاعات واختيار الأعمال الفنية بشكل مباشر.
يخبرني فنانون أصدقاء أنهم سيقيمون معارضهم من غير أن يحلموا بأن تباع قطعة واحدة منها.
ما يخيف في الأمر أن الوضع لو استمر كما هو عليه الآن، فإن قاعات عرض فني كثيرة ستغلق أبوابها ولن يجد الفنان الحقيقي مكانا يعرض فيه أعماله، وهو عقاب كان من الممكن توقّعه في ظل الصمت الجماعي على نشاط المتعهدين الذي لم يكن يخفى على أحد.