"دلافين" صبي إماراتي يعاني فقد والديه وهما على قيد الحياة

الجمعة 2014/12/19
الفيلم في جانب منه يصور العلاقة الإشكالية والغريبة بين صبيين أحدهما معوق

دبي- فيلم إماراتي روائي جديد، يضاف إلى نتاجات السينما الإماراتية في السنوات الأخيرة، حيث شاهد جمهور مهرجان دبي السينمائي 2014 المنتهية فعالياته مؤخرا، فيلم “دلافين” من سيناريو وحوار أحمد سالمين، ومن إخراج وليد الشحي الذي سبق وقدّم العديد من الأفلام القصيرة الوثائقية والروائية، لتأتي هذه التجربة هي الأولى من نوعها في عالم الأفلام الروائية الطويلة.

مباشرة يحيل العنوان “دلافين” وباعتباره فيلما إماراتيا، إلى الكثير من الغرابة والدهشة التي تفرضهما طبيعة البيئة الموجودة في الإمارات.

وما إن تشاهد الفيلم وتفهم طبيعة الروابط التي تؤطر الحياة العامة لشخصياته، حتى تفهم أن هذا الاسم الرمزي، إنما يشير إلى نمط اجتماعي سائد، أساسه جوهر العلاقات القائمة والمتبادلة بين أب وأم وابنهما وصديقه، بعلاقتهم جميعا مع الوسط المحيط من وقائع وأحداث ومعطيات راهنة ومستجدة دائما. وهي إشارة واضحة إلى الشخصيات نفسها.

تدور الأحداث عن طفل يعاني من فقدان أبيه وأمه، بينما هما لا يزالان على قيد الحياة. فالفقد هنا ليس جسديا، بل عاطفيا. الجميع منشغلون عنه إلاّ صديقه المصاب بإعاقة في رجله، فهو ومع مرور الأيام أصبح مرآة حية لصبي في الرابعة عشرة من العمر، يحتاج إلى أن يعبّر عن غضبه واستيائه ممن حوله، وكل ذلك أمامه فقط.

الشيء الذي جعل العلاقة بين الولدين في الفيلم إشكالية وذات طابع غريب وجاذب دراميا. خاصة في ظل الشخصيات الموجودة، من أب يعمل منقذا كسائق في سيارة إسعاف إحدى مستشفيات رأس الخيمة، وأم تبحث عن زوج جديد بعد أن طلّقت من اثنين سابقا، ودائما يخيب أملها.

فيلم إماراتي روائي يعرف جمهور دبي السينمائي 2014 على الحياة في إمارة رأس الخيمة من خلال قصة صبي في الرابعة عشرة

لكن في الوقت نفسه، يخطئ من يظن أن العمل يعالج مسألة “الطلاق” من خلال الدراما، الآثار السلبية التي توقعها هذه المنظومة المجتمعية على عاتق الأبناء. إذ تذهب الحكاية في اتجاه مختلف تماما، إنها لا تحاكي قانونا أو مفهوما أو نظاما اجتماعيا، إنها تحاكي حالة معينة التقطها أحمد سالمين في حياة عائلة من إمارة رأس الخيمة، اختار منها 24 ساعة، ليعززها بعده وليد الشحي شكلا ومضمونا.

ولعلنا هنا، نركز على الاجتياح الفظيع للبحر في قارب فانتازي، والذي يمكن أن نسقطه على كل الحالات النفسية والجسدية التي يمر بها الفتى بطل الفيلم. لتتكشف لدينا خبايا روحه الداخلية أكثر وأكثر، فترى البحر يؤججها ويطفئها في حالة من التناغم الدرامي وصلت إلى حد الذروة في هذا المشهد.

الأجواء العامة المشكّلة لمشاهد الفيلم، ساحرة وجميلة بصريا ومشهديا. تعكس السحر الموجود في إمارة رأس الخيمة، حيث تم تصوير الفيلم لقطة لقطة. حاول الشحي من خلال الكاميرا، أن يرصد ملامحها بدقة تجسّد العفوية المميزة لها، فالطبيعة البكر ما زالت مفهوما يعرفه الناس ويدرك جماليته في هذه الإمارة.

أيضا فالوجوه فيها لا تزال تصرّ على الاحتفاظ بروحها القديمة، الأصيلة نوعا ما، بعيدا عن ضجيج الحياة المتطورة والمعاصرة، وإن كاميرا الشحي تركز في هذا العمل على نقل صورة مباشرة وحقيقية من رأس الخيمة؛ البحر، الناس، الأماكن، العادات، التقاليد الإماراتية، البخور، اللباس التقليدي وغيرها أشياء وتفاصيل أخرى.

ومن جهة ثانية، استطاعت اللقطات المتتالية أن تشكل ما يشبه الصور الفوتوغرافية الثابتة أو اللوحات المرسومة، لكل منها موضوع متكامل بحدّ ذاته وسط الكادر العام والخاص في الوقت نفسه.

كما يطرح “دلافين” مسألة البحث عن الحب، الحاجة إليه مع عائلة مفككة الأطراف، لافتا نظر الشخصيات إلى ضرورة التشبث به مع الأشخاص القريبين منا، حتى لا نخسرهم في لحظة عابرة ونصبح نادمين طيلة حياتنا القادمة، ولعل تلك الالتفاتة من الأم التي اكتشفت أن ابنها ليس موجودا، تشعل عاطفة بداخلها كنا نظن أنها تلاشت.

16