دقلو في صعود: إعلان مع المدنيين وجولات خارجية

قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو نجح بسرعة في تحقيق مكاسب كثيرة على حساب خصمه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان. والصراع على الشرعية يبدو أنه حسم لصالح الأول، فيما بدا الثاني معزولا ولا أوراق له للمناورة.
الجزيرة (السودان)- بقي قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في الظل خلال الأشهر التسعة الأولى من النزاع في السودان، إلى أن وقّع مؤخرا إعلانا مع المدنيين وقام بجولة أفريقية يبحث خلالها عن شرعية دولية سعيا لحسم معركته مع الجيش.
وفي أواخر العام الماضي، قام قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بجولات خارجية تزامنت مع جهود دبلوماسية لإنهاء الحرب التي اندلعت منتصف أبريل، وألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. في المقابل بقي خصمه دقلو المعروف بحميدتي، بعيدا عن الأنظار واكتفى بمواقف من خلال التسجيلات الصوتية.
لكن في الأيام الأخيرة، ومع تحقيق قواته تقدما ميدانيا، استبدل دقلو زيّه العسكري بالملابس المدنية، وقام بجولة خارجية تخللتها لقاءات مع مسؤولين كبار في أوغندا وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا.
وأثار الاستقبال الرئاسي الذي وجده دقلو في الدول التي زارها غضب البرهان الذي قال الجمعة إن الجيش سيقاتل قوات الدعم السريع “حتى تنتهي أو ننتهي”.
وأضاف البرهان في كلمة ألقاها في ولاية البحر الأحمر أن “السياسيين الذين أبرموا اتفاقا مع الدعم السريع أخطأوا بالحديث مع متمردين”، في إشارة إلى الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية “تقدم” وقائد قوات الدعم السريع لإنهاء الحرب.
وقال إن “اتفاق السياسيين مع قوات الدعم السريع غير مقبول ولا قيمة له”.
وأعلن البرهان “تسليح المقاومة الشعبية بأيّ سلاح لدينا”، ومضى قائلاً “لن نمنع المقاومة السودانية من جلب أيّ سلاح”، مشيراً إلى أن “لا صلح ولا اتفاق مع الدعم السريع”.
وأجهضت زيارات قائد قوات الدعم السريع الخارجية محاولات البرهان الظهور على أنه قائد البلاد الوحيد، وبلا منازع، وظهر جليا أن دقلو لايزال الطرف
القوي على الصعيد السياسي بما لا يقل عن قوته العسكرية في ميادين الحرب التي خاضتها قواته في مناطق عديدة بالسودان وحققت فيها انتصارات لافتة جعلت قوات الجيش أمامها تبدو ضعيفة.
ويرى الخبير في الشأن السوداني أليكس دي فال أن دقلو “في حالة صعود”.
ويقول كليمان ديهي، المتخصص في الشؤون السودانية في جامعة السوربون بباريس، إن دقلو تمّ استقباله “بمراسم تخصص لرئيس دولة”.
ومنذ اندلاع القتال في 15 أبريل بين الحليفين السابقين البرهان ودقلو، أودت الحرب في السودان بأكثر من 12190 شخصا، وفق تقديرات منظمة “مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها” (أكليد)، وهي حصيلة يُعتقَد أنها تبقى دون الفعلية.
كما تسببت بنزوح أكثر من سبعة ملايين شخص داخل البلاد وخارجها بحسب الأمم المتحدة.
وأبعد من الميدان، يحاول دقلو تحقيق مكاسب سياسية في حربه ضد الجيش. وقد وقّع الثلاثاء في العاصمة الإثيوبية إعلانا سياسيا مع عبدالله حمدوك الذي سبق له تولي رئاسة الوزراء في السودان قبل أن يطيح به انقلاب عسكري قاده البرهان ودقلو في العام 2021.
وكانت الهيئة التنسيقية للقوى الديمقراطية المدنية برئاسة حمدوك دعت مؤخرا لعقد “لقاءات عاجلة (مع الجيش وقوات الدعم السريع) تبحث قضايا حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وسبل وقف الحرب عبر المسار السلمي التفاوضي”.
ونتيجة لاستجابة الدعم السريع فقط لهذه الدعوة إلى حدّ الآن، وقّع دقلو وحمدوك “إعلان أديس أبابا” الذي تبدي من خلاله قوات الدعم “استعدادها التام لوقف عدائيات فوري وغير مشروط عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة”.
كما تتعهد بـ“فتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية”، و”تهيئة الأجواء لعودة المواطنين لمنازلهم في المناطق التي تأثرت بالحرب”.
ويرى أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة كينغز كوليدج بلندن أندرياس كريغ أن الإعلان “هو الخطوة الأكثر أهمية التي يمكن (لدقلو) القيام بها لكسب الشرعية”.
ويقول ديهي لفرانس برس إن توقيع المدنيين على اتفاق مع حميدتي “يمنحه الشرعية في نظر المجتمع الدولي”.
وقبل نشوب النزاع بينهما، كان دقلو نائبا للبرهان، وقاما بتنظيم انقلاب أكتوبر 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية برئاسة حمدوك. وأعيد الأخير إلى منصبه لفترة وجيزة، قبل أن يستقيل في مطلع 2022 ويغادرالسودان.
ولم يلتق القائدان العسكريان منذ اندلاع الحرب رغم محاولات الوسطاء.
وترى المحللة السودانية خلود خير أن جولات دقلو الخارجية أشعرت البرهان بـ”استياء”، خصوصا مع محاولات الأول الذي يرأس مجلس السيادة “تقديم نفسه كزعيم سياسي وطني”.
وتوضح المحللة السودانية “الشائعات السابقة حول وجود صلة بين قوى الحرية والتغيير وحميدتي تزايدت الآن بسبب مشهد الاجتماع” بين حمدوك ودقلو بغياب البرهان.
وفي مقاطع فيديو نشرت على منصات التواصل لاجتماع أديس أبابا، شوهد حمدوك وغيره من السياسيين وهم يصطفون لمصافحة دقلو. وتقول خير “ظهر حميدتي خلال الاجتماع وكأنه هو المسؤول”.
وكانت الهيئة التنسيقية للقوى الديمقراطية المدنية نشأت من كتلة المعارضة الرئيسية، أي ائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي أدى دورا رئيسيا في الإطاحة بالرئيس عمر البشير. وترى خير أن هذا التحالف المشكل حديثا لا يزال “ائتلافًا ضعيفًا مكونًا من ائتلافات ضعيفة”، وقد لا يمتلك القدرة على تغيير الأوضاع.
الشائعات حول وجود صلة بين قوى الحرية والتغيير وحميدتي تزايدت الآن بسبب مشهد الاجتماع بين حمدوك ودقلو
ويستبعد خبير الشؤون الأفريقية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن كاميرون هيودسون أن يلبّي البرهان حاليا دعوة حمدوك للقائه، خصوصا بعد الإعلان بين الأخير ودقلو.
الا أنه يرجح أن يكون “هذا هو القصد تحديدا (من الطرفين)، لأنه (عدم لقاء البرهان بحمدوك) سيجعل الجيش يبدو معارضا للسلام ويصور حميدتي على أنه الطرف الأكثر عقلانية ومسؤولية”.
ويرى دي فال أن حمدوك ارتكب “خطأ دبلوماسيا” فادحا بالظهور مع الدعم السريع وبعيدا عن الجيش.
من جهته، يعتبر ديهي أن الجيش أصبح “معزولا أكثر فأكثر”، وأن ما تكبّدته القوات المسلحة من خسائر في الميدان أبعد عنها حلفاء أقوياء مثل القاهرة.
ويضيف أنه بات في مقدور دقلو الآن “بدء المفاوضات من موقع قوة”، محذّرا من أن عزل البرهان بشكل إضافي “سيؤدي حصرا إلى تعقيد الوضع وتوفير المزيد من الوقت والمجال لاستمرار القتال”.