دفع الغرب إلى الركوع.. وفاة أحمد زكي يماني وزير البترول السعودي

عرّاب الذهب الأسود في السعودية نجا من خطف "الثعلب" وكان أول أمين عام لـ"أوبك".
الثلاثاء 2021/02/23
أقوى رجال البترول العرب

الرياض – غيب الموت أحمد زكي يماني الذي أصبح رمزا يجسد بزوغ قوة النفط العربي، ووجها يمثل الحظر النفطي العربي الذي دفع الغرب إلى الركوع في العام 1973.

وكان يماني شاهدا عام 1975 على اغتيال العاهل السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي اختاره، وهو شخصية مغمورة من خارج الأسرة الحاكمة، ليشغل منصب وزير البترول. وفي وقت لاحق من العام نفسه تعرض يماني للخطف خلال اجتماع لمنظمة أوبك على يدي إيليتش راميريز سانشيز الملقب بكارلوس الثعلب.

وقالت وسائل الإعلام الرسمية السعودية الثلاثاء إن يماني توفي في لندن عن 91 عاما.

ويلقّب يماني بعرّاب الذهب الأسود في السعودية، وذلك لدوره في تطوير صناعة النفط في المملكة، إذ شغل الراحل على مدى ربع قرن تقريبا منصب وزير البترول والثروة المعدنية في السعودية بين عامي 1962 و1986.

واشتهر يماني بكياسته وباللحية الصغيرة التي أصبحت سمة من سماته. وجعلت منه السنوات الأربع والعشرون التي أدار خلالها شؤون النفط في أكبر دول العالم إنتاجا، شخصية عالمية خلال "الصدمتين النفطيتين" بما تسببتا فيه من تضخم خلال عقد السبعينات.

وفي ديسمبر 1975 حضر يماني اجتماع أوبك (منظمة البلدان المصدرة للبترول) الذي انتهى في فيينا بوابل من الرصاص، أطلقه كارلوس الفنزويلي الجنسية وخمسة من أعوانه على السقف. وسقط ثلاثة قتلى من الموجودين في المكان.

وكان كارلوس قد استهدف يماني باعتباره أثمن رهينة، وقال له أكثر من مرة إن الحكم قد صدر بإعدامه. واحتجز الوزراء لمدة يومين في غرفة ملغمة بالديناميت قبل السماح للخاطفين بالسفر من النمسا على متن طائرة مع رهائنهم.

ومضت 43 ساعة أخرى مروعة على متن الطائرة التي توجهت إلى الجزائر ثم إلى ليبيا قبل أن تعود إلى الجزائر، وخلق ذلك نوعا من الألفة بين المخطوفين والخاطفين.

وقال يماني لجيفري روبنسون كاتب سيرته "كان أمرا غريبا لكن بدا الأمر، ونحن جالسون معا نتحاور، وكأننا قد أصبحنا أصدقاء. أفاض في الحديث معي علما منه أني سأموت".

وتم التوصل إلى اتفاق في الجزائر واختفى كارلوس إلى أن تم القبض عليه في العام 1994.

تقلد منصب وزير البترول  من 1962 إلى 1986
تقلد منصب وزير البترول من 1962 إلى 1986

وولد يماني في 30 يونيو 1930 لأحد فقهاء الدين الإسلامي كان يعمل قاضيا في مكة، وكان من المتوقع أن يقتدي الابن بوالده وجده في سلك التعليم.

وبعد دراسة القانون في القاهرة سافر يماني إلى جامعتي نيويورك وهارفارد. وعندما عاد إلى السعودية أسس مكتبا للمحاماة وتولى أعمالا حكومية، مما لفت انتباه الأمير فيصل إليه قبل أن يصبح ملكا.

وتولى يماني منصب وزير النفط في 1962، وأصبح شخصية قيادية في تطوير منظمة أوبك التي تأسست في العام 1960. واستطاع انتزاع صناعة النفط السعودية من قبضة الشركات الأميركية في سلسلة من الخطوات التي أسفرت عن اتفاق على ملكية البلاد لشركة أرامكو السعودية في 1976.

ولا تزال أرامكو واحدة من أغنى شركات العالم من حيث الأصول.

وفي سنوات يماني الأولى في إدارة وزارة النفط كانت نعرة القومية العربية في صعود، وكانت قوة النفط عنصرا رئيسيا في جوهرها.

وعندما قامت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 أعلن يماني حظر إمدادات النفط للدول الصديقة لإسرائيل، لكن الحظر لم يكن مؤلما، فقد ساهمت في سد العجز ضخامة المخزونات في الغرب وزيادة الإمدادات من فنزويلا ومن إيران قبل قيام الثورة الخمينية.

وفي 1973 دفعت الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة يماني إلى إعلان حظر نفطي آخر. وأفلح الحظر هذه المرة فارتفع سعر النفط إلى أربعة أمثاله لتتبلور بذلك سطوة منظمة أوبك، ودفع ذلك الدول الغربية إلى ركود اقتصادي وارتفاع شديد في التضخم في ما أصبح يعرف باسم صدمة النفط الأولى.

ولخص يماني تلك اللحظة التي أمسك فيها منتجو النفط بالزمام، فقد قال "حانت اللحظة. نحن سادة سلعتنا".

وبانتهاء الحرب والحظر توصلت السعودية إلى وفاق مع الولايات المتحدة.

وأصبح يماني من المعتدلين في ما يتعلق بالأسعار ونصيرا للرأي القائل إن الأسعار المرتفعة ستدمر الطلب في نهاية الأمر، وتشجع الإنتاج من الاستكشافات الجديدة في مناطق مثل بحر الشمال.

يماني توقع أن تضر التكنولوجيا بمنتجي النفط
يماني توقع أن تضر التكنولوجيا بمنتجي النفط

وفي عام 1979 رفع أغلب أعضاء أوبك أسعار النفط وأصدرت الرياض، التي أصبحت تربطها الآن بواشنطن صلة وثيقة، قرار يماني بالإبقاء على الأسعار السعودية عند الأسعار الرسمية للتخفيف من معاناة المستوردين.

وكان للاعتدال الجديد في الأسعار ثمنه الذي اضطر يماني إلى دفعه، فقد أفضت وفرة المعروض خلال الركود الذي أصاب الغرب في أوائل الثمانينات إلى تراجع الطلب على الوقود.

وطالب الملك فهد يماني بالعمل على حماية نصيب المملكة من سوق النفط ورفع الأسعار. وبدلا من ذلك خفض يماني الإنتاج السعودي إلى أدنى مستوياته في 20 عاما ليصل إلى مليوني برميل فقط في اليوم في محاولة لرفع الأسعار.

ولم تكن الدول الأعضاء في أوبك على نفس الدرجة من الالتزام بالإنتاج، وتعرض يماني لانتقادات في الداخل حين زادت دول أخرى حصصها في السوق على حساب الرياض. ومع تزايد وفرة المعروض انهارت أسعار النفط إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل.

ودفع يماني الثمن بعد أن خالف أوامر الملك فهد وفشل في تحقيق المطلوب، ليتم عزله في أكتوبر 1986.

وانسحب يماني إلى حياته الخاصة وأصبح رئيسا شرفيا لمؤسسة استشارية هي مركز دراسات الطاقة العالمي. وعند إطلاق المؤسسة في لندن في 1989 حين كان سعر النفط الخام لا يزال 20 دولارا للبرميل، تنبأ يماني بأن الأسعار ستتجاوز في يوم من الأيام 100 دولار للبرميل، وهو ما حدث في الألفية الثالثة.

وأجرت رويترز مقابلة مع يماني في سبتمبر عام 2000 بمناسبة مرور 40 عاما على إنشاء أوبك. وكان النفط الصخري غير معروف في ذلك الوقت وكانت وسائل الطاقة المتجددة في مهدها، غير أن يماني توقع أن تضر التكنولوجيا بمنتجي النفط.

وقال يماني إن "التكنولوجيا عدو حقيقي لأوبك. التكنولوجيا ستقلل الاستهلاك وتزيد الإنتاج من مناطق خارج أوبك. وستكون الضحية الحقيقية هي السعودية باحتياطيات هائلة لا يمكن أن تفعل شيئا بها".

وأضاف "العصر الحجري لم ينته لأن الحجارة نفدت من العالم، والعصر النفطي سينتهي قبل فترة طويلة من نفاد النفط من العالم".