دفعة تمويل جديدة تعكس الثقة في إصلاحات تونس

المؤسسة الدولية الإسلامية للتجارة تقدم إلى الحكومة تسهيلات بقيمة 1.2 مليار دولار على ثلاث سنوات.
الثلاثاء 2024/04/30
خط دفاع آخر في وجه الأزمات

ساهمت ثقة المانحين في تعزيز الخطط الإصلاحية لتونس، والتي لم تنتظر كثيرا لتؤكد أنها قادرة على مواجهة تحديات التمويل بعيدا عن صندوق النقد الدولي في مساعيها الدؤوبة للتحوط من الأزمات التي كبلت الاقتصاد رغم التحذيرات من أن البلد مازال معرضا للمخاطر.

الرياض - أعطت اتفاقية التمويل التي وقعتها تونس مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة الاثنين، على هامش الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية في الرياض، تأكيدا على ثقة المانحين ببرنامج الإصلاح في البلد بينما اقتصاده يعاني.

وأبرم الطرفان اتفاقية تحصل بموجبها تونس على قرض بقيمة 1.2 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، لتمويل واردات بعض الشركات العمومية من المواد الأساسية كالنفط الخام والمنتجات البترولية.

والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، التي يرأسها هاني سالم سنبل ومقرها مدينة جدة السعودية، بدأت نشاطها منذ عام 2008، وتأسست من أجل دفع التجارة إلى الأمام وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلدان الإسلامية.

وتواجه غالبية الشركات الحكومية في تونس أزمات هيكلية وتمويلية وغالبيتها، أي نحو مئة شركة، تسجل خسائر مالية منذ سنوات.

ومن بين الشركات الكبرى التي لم تسترجع نشاطها الإنتاجي الكلي منذ عام 2011 شركة فوسفات قفصة، التي كانت تحتل المراتب الأولى في العالم في استخراج وتحويل هذه المادة وكانت تمثل مصدر تمويل مهما من العملة الصعبة لموازنة الدولة.

وأعربت وزيرة الاقتصاد والتخطيط فريال الورغي في بيان أوردته وزارتها على حسابها في منصة فيسبوك عن ارتياحها “لمستوى التعاون المالي والفني المتميز القائم بين تونس والمؤسسة”.

وأكدت حرص تونس ورغبتها في المزيد من توطيد العلاقات مع المؤسسة، خاصة في هذه الظرفية العالمية المتقلبة، وفي ضوء التأثيرات السلبية المتزايدة لظاهرة التغيرات المناخية، لاسيما تداعياتها على الأمن الغذائي والطاقة والبيئة.

وتونس في حاجة ماسة إلى مساعدات دولية منذ أشهر، في الوقت الذي تواجه فيه ماليتها العامة أزمة أثارت قلقا من احتمال تخلفها عن سداد ديونها، وأسهمت في نقص الغذاء والوقود، وفقا لمنتقدي الحكومة.

وتعرض الاقتصاد التونسي لضربات عديدة على مدى السنوات الماضية، إذ تسببت اضطرابات سياسية وهجمات مسلحة في الإضرار بقطاع السياحة الحيوي، حتى قبل بزوغ تحديات أخرى مثل جائحة كورونا وشح السلع العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا.

3.9

مليار دولار ديون تونس الخارجية هذا العام بارتفاع 40.6 في المئة عن 2023

وعمقت قلة الموارد تحديات ارتفاع الدين العام للبلاد رغم تحقيق الحكومة فائضا نادرا في الموازنة عام 2022، وهو ما زاد احتياجات التمويل في بلد يكافح بكل الوسائل لتخفيف أزماته الاقتصادية المتراكمة.

وتعاني البلاد، التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، من ارتفاع معدلات التضخم منذ عامين مع زيادة أسعار المواد الغذائية في بعض الأحيان ثلاثة أضعاف، وهو ما أدى إلى تراجع أوضاع الطبقتين العاملة والوسطى.

وبلغت نسبة النمو الاقتصادي خلال العام الماضي نحو 0.4 في المئة متأثرة بأزمة جفاف متواصلة منذ خمس سنوات. وتناهز نسبة الدين الداخلي والخارجي 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ورفض الرئيس قيس سعيّد العام الماضي اتفاقا مبدئيا أبرم مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة ملياري دولار.

واعتبر الإصلاحات التي يوصي بها الصندوق، من إعادة هيكلة الشركات الحكومية والرفع التدريجي للدعم عن بعض المنتجات الأساسية، “إملاءات”.

وكان البرلمان التونسي قد أقر في مطلع فبراير الماضي تعديلا يمكّن البنك المركزي من منح تسهيلات تمويلية بقيمة 3.18 مليار دولار لفائدة الخزينة العامّة، في خطوة “استثنائية” وفق الحكومة، لكنّ تداعياتها المحتملة على التضخّم وقيمة الدينار تثير قلق الخبراء.

ويأتي تمويل المؤسسة الإسلامية، التي قدمت إلى تونس 280 مليون دولار العام الماضي لتمويل واردات الوقود، وسط مخاوف من تخلف تونس عن سداد ديونها.

ورأت وكالة موديز في يناير الماضي أن استحقاقات الديون الكبيرة التي يتعين على البلاد سدادها تزيد من مخاطر إعادة التمويل في غياب تمويل خارجي شامل، موضحة أن البلاد تواجه فجوة في التمويل الخارجي، بسبب ضخامة الأقساط الخارجية المطلوب سدادها.

الاتفاقية ستعمل على دعم واردات الشركات الحكومية التونسية من المواد الأساسية كالنفط الخام والمنتجات البترولية

وأشار خبراء الوكالة في تقريرهم إلى أن تونس ستفتقر إلى تمويل خارجي شامل إذا لم تحصل على دعم صندوق النقد الدولي، ولم تنل بعد موافقة مجلس إدارة الصندوق على برنامجها المرتقب.

وفي الشهر ذاته رجحت كابيتال إيكونوميكس أن تواجه تونس خطر التخلف عن سداد ديونها السيادية، ما يضمها إلى قائمة الدول المهددة بالتعثر، ومنها الأرجنتين والإكوادور وبوليفيا وباكستان.

وأوضحت المؤسسة البحثية، الواقع مقرها في لندن، في تقرير آنذاك أنه يتعين على تونس سداد مبالغ ديون كبيرة في الفصول المقبلة، وبالتالي يتطلب الوضع إعادة الهيكلة وسط مخاوف المستثمرين المتزايدة بشأن التخلف عن السداد.

وردا على هذه التوقعات قال رئيس الحكومة أحمد الحشاني، أثناء لقائه مع مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجييفا في منتدى دافوس هذا العام، إن بلاده “أوفت بجميع أقساط ديونها الخارجية في 2023، ولن تتأخر عن سدادها في عام 2024”.

وحسب مشروع الموازنة العامة في تونس لعام 2024، تبلغ خدمة الدين الخارجي (الفوائد وأصل الدين) 12.3 مليار دينار (3.9 مليار دولار) بارتفاع نسبته 40.6 في المئة عن القيمة المقدرة في 2023 والبالغة 2.8 مليار دولار.

وتتوقع الموازنة الحالية أن تصعد تكاليف خدمة الدين إلى 14.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، من 13.1 في المئة العام الماضي، وعشرة في المئة خلال عام 2022.

وكان البنك الدولي قد ذكر في تقرير نشره مطلع نوفمبر الماضي أن الاقتصاد التونسي يرزح تحت عوامل سلبية عدة، من أبرزها “الجفاف المستمر، وتحديات التمويل الخارجي، وتواصل تراكم الديون المحلية لأهم المؤسسات العمومية، والعقبات التشريعية”.

وأوضح أن تونس لا تزال تواجه تحديات تتمثل في تأمين التمويل الخارجي اللازم، وذلك في ظل جدول زمني هام فيما يخص سداد الديون الخارجية على المدى القصير، في ضوء ارتفاع الدين العام من 66.9 في المئة إلى 79.4 في المئة بين عامي 2017 و2022.

وخلال يونيو الماضي خفضت وكالة فيتش تصنيف تونس إلى الدرجة عالية المخاطر سي.سي.سي سالب، وذلك في ظل الضائقة التي تواجهها البلاد، وعدم اليقين بشأن قدرتها على حشد التمويل الكافي لتلبية احتياجاتها المالية.

10