دفتر "أحوال الأمل" كتاب جماعي يبحث عما يفقده العرب

بودابست - تنطلق فكرة الكتاب الجماعي “أحوال الأمل”، الذي حرره وقدم له الشاعر الجزائري خالد بن صالح، من تساؤل: أين يكمن الأمل في الخيارات المتاحة لهؤلاء الكتاب أو لغيرهم؟ حيث يصبح من الضروري، عبر الجغرافيا العربية المترامية، التفكير في وجهات النظر المختلفة باختلاف الظروف والأمكنة، بالوقوف على ترمومتر الأمل ومعرفة مدى حضوره في المعيش اليومي أو انعدامه وتعثره، وفق محددات واقعية وإنسانية تختبر الآمال والمآسي الخاصة والعامة للناس، في نسيج شائك لأسباب الحياة الضئيلة في مقابل وفرة ما يعدمها أو يقلل منها.
وصدر الكتاب حديثا عن محترف أوكسجين للنشر في أونتاريو وبودابست، ضمن سلسلة “دفاتر أوكسجين” التي أطلقها المحترف متخذا من الكتابة الإبداعية الفردية والجماعية مشروعا يستكمل ما تأسست عليه “مجلة أوكسجين” منذ انطلاقها عام 2005، إذ يأتي هذا الدفتر بمشاركة مجموعة من الكتاب من الجزائر وسوريا وتونس وليبيا وفلسطين ومصر.
بدأت فكرة الكتاب من تساؤل حول الأمل الذي قد يبدو ضئيلا بمجرد التفكير في البحث عنه وعن أحواله، وسط كومة اليأس التي تهيمن على أكثر من بلد عربي، لذا يجمع هذا الكتاب/ الدفتر حكايا ومصائر بشر يحولون وقوفهم على أطلال الأمل إحياء له، هكذا يصبح “الأمل التزاما”، كما يقول الكاتب السوري زياد عبدالله، لمن شاركونا تجاربهم، وإصرارا لا راد له على الكتابة وتقصي التفاصيل المغيبة، في الهامش، وفي الحياة اليومية، القادرة دائما على مفاجأتنا.
يبدأ الدفتر، الذي جاء في 148 صفحة وتضمن سبع مواد مختلفة وقوية، مع الكاتب الجزائري العربي رمضاني، وهو ينطلق من ذكريات الطفولة والصداقات الممتدة وصولا إلى لحظة فارقة في تاريخ الجزائر وهي لحظة الحراك الشعبي الذي حمل آمال وآلام شريحة كبيرة من المجتمع كان الشباب في مقدمتها، راصدا سيرورة الأحداث من خلال حوارات حية وحالات امتزج فيها الحب واليأس والرغبة في التغيير.
وإذا كانت تسمية الأشياء أمرا صعبا بالحديث عن الأمل فإن ابنة سيدي بوزيد الشاعرة التونسية سماح البوسيفي تعرفنا على الأمل الذي يعود، بإصرار من يوصله، كما لو أنه “ديلفري”، فبعد سنوات طويلة من الخضوع استطاع حدث طارئ إعادة تشكيل خارطة البلاد من جديد: قامت ثورة من أجل الحرية، ولكن التحديات كانت أكبر خاصة بالنسبة إلى نساء مكافحات ورثن الصمود جيلا بعد جيل.
أما العائد من أميركا إلى مدينته طرطوس الشاعر والمترجم السوري أحمد م. أحمد فالأمل عنده جسدٌ واحد إذا اعتل فيه عضو استماتت بقية الأعضاء في سبيل ترميمه واستنهاضه، ليأخذنا في جولة يومية قاسية عبر الشوارع والساحات، وبين القصائد والأفكار السوداوية، تاركا الحرب في مكانها تعبث بالآمال الصغيرة، وهو يحاور أشخاصا من مختلف الأعمار امتزج في وجوههم بؤس الحياة بكبرياء البحر الذي تطل عليه هذه المدينة.
وتسافر الكاتبة الجزائرية سلمى قويدر بين مدينتين، في رحلة الصيف والشتاء بين قسنطينة شرق الجزائر ووهران في غربها، لنتعرف على شخصيات تتمسك بالموسيقى كبارقة أمل، أو كحتمية وجودية لا مناص منها للبقاء على قيد الحب والحياة. لكننا مع الكاتب الليبي أنيس البرعصي سنتعلم كيف نحفر قبر مصارع سومو بملعقة شاي، متتبعين مصير جثة امرأة نيجيرية، شكل الأمل في دفنها بكرامة منتهى ما تطمح إليه عائلتها وكيف اتحدت من أجل ذلك جهود الليبيين الذين لم تنقص الحرب ومآسيها وصراعاتها من طيبتهم شيئا.

في فلسطين، نكتشف مع الكاتبة الفلسطينية رلى جريس حالات “سوء الأمل” الذي يكمن في أشعة الصور التي تلتقط لحياتنا، ومعتقداتنا الخاطئة تجاه أنفسنا. وكيف يكون المرء مكافحا في الطريق الصحيح للنجاة. أخيرا سنعتقد على نحو سريالي كما كتب الكاتبان المصريان محسن البلاسي وغادة كمال أوركيدتهما الغائبة؛ أن حيوان الأمل الذي ينمو جسده بالنزيف الدائم، هو الرجل الرملي الذي يتجول في شوارع القاهرة وضواحيها، وسنقرأ مسيرة التحرر بالحب والتطلع إلى الحرية وضوئها الساطع في مجابهة جحافل الضباع التي تلقي بعتمتها في كل مكان.
ضمن هذا السياق نقرأ من مقدمة الكتاب التي جاءت بعنوان “البحث عن الأمل المفقود”: “تتكرر كلمة ‘أمل’ كثيرا عبر صفحات هذا الدفتر، ومعها يتكرر ما يناقضها ويدحضها ويرممها في الوقت نفسه. ولتكتشفوا معنا التجارب القاسية والهامشية للجماعات والأفراد، بإضاءات لافتة من مدينة إلى أخرى، ومن نص إلى آخر، وفي كل ما يمكن مشاركته واختباره معا، في كتاب لم تختلفْ وقائعه عن أحواله، بمواد يقودها النثر الذكي والشكل الجريء للقصص والحكايات التي تتقاطع كأجساد وأماكن وروائح وغيوم”.
ويذكر أن دفتر “أحوال الأمل” هو الدفتر الأول من سلسلة “دفاتر أوكسجين” التي يصدرها محترف أوكسجين للنشر، وهي سلسلة إبداعية تعنى بتقديم سياق سردي حر للحياة العربية المعاصرة، يختبر طاقاتها وأحوالها، يحاورها ويستخلص منها جماليات لا تنفصل عن الواقع، وسرديات لا تكتفي فقط باتخاذ منظور مغاير عن الرسمي والمكرس والمتداول، بل تضيء أيضا على المعيش والهامشي والمغيب. وهي بذلك ورشةٌ إبداعيةٌ متواصلةٌ منفتحةٌ على الأفكار وأنماط التعبير المختلفة، سواء عبر التأليف الجماعي أو الفردي.