دع سمائي

من أبرز الأصوات العربية التي تركت بصمتها على سجلات الفن الغنائي، المطربة فايدة كامل التي يعود رصيدها من الأناشيد الوطنية إلى صدارة البث الإذاعي كلما واجه العرب حدثا جسيما أو حربا طاحنة كالتي يعرفها قطاع غزة حاليا.
قبل 12 عاما، وتحديدا في 21 أكتوبر 2011، توفيت الفنانة الكبيرة بعد رحلة طويلة بين الغناء والمحاماة والعمل السياسي. كانت توصف بأنها "مطربة السلطة"، حيث قلدها جمال عبدالناصر وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، وفي عهد أنور السادات حظيت بعضوية مجلس الشعب لأول مرة في العام 1971 عن دائرة الخليفة بالقاهرة، وفي عهد حسني مبارك استمرت في هذا المنصب حتى العام 2005، أي حوالي 34 سنة، ما جعلها تدخل موسوعة غينيس كأقدم برلمانية في العالم.
عرف عنها أنها عاشقة للعربية الفصحى في غنائها وفي وظيفتها البرلمانية وحتى في منزلها، ومما تميزت به أنها ولدت وترعرعت في أسرة تميل إلى الأدب والفن وتقدس العلم والتعليم، حيث أن شقيقها عبدالرحمن كان مطربا وملحنا درس الموسيقى في إيطاليا، وشقيقها سليمان عمل محاميا وكان ملحنا وعازف عود من الطراز الأول، وشقيقها فوزي حصل على بكالوريوس تجارة وأجاد عزف الكمان، وأختها أميرة كامل عرفت كمطربة وراقصة من ألمع نجوم الفنون الشعبية.
وفايدة كامل من مواليد 1932، وظهرت عليها موهبة الغناء منذ طفولتها، وشاركت في برامج الأطفال في الإذاعة ثم التحقت بمعهد الموسيقى العربية.
دشنت مسيرتها الفنية فعليا في العام 1949، وبدأت ملامح تجربتها الفنية تتشكل بعد ثورة يوليو 1952، وخصوصا من خلال الأغاني والأناشيد الوطنية، ولعل من أشهرها “دع سمائي فسمائي محرقة/ دع قنالي فمياهي مغرقة” والتي غنتها خلال العدوان الثلاثي في العام 1956 وهي من كلمات الشاعر كمال عبدالحميد وألحان الموسيقار علي إسماعيل، ونظرا للنجاح الكبير والانتشار الواسع اللذين حظي بهما ذلك النشيد، وللحماس الذي بثه في نفوس المصريين والعرب، صرخ رئيس الوزراء البريطاني آنذاك أنطوني إيدن قائلا "أسكتوا هذا الصوت اللعين”، فيما وقف القائد البريطاني في منطقة الشرق الأوسط وأعلن من محطة إذاعة “الشرق الأدنى" أنه سيرسل طائرات لقصف محطة إرسال الإذاعة المصرية في منطقة أبوزعبل وإسكات صوت فايدة كامل.
سجلت فايدة كامل العشرات من الأغاني الوطنية التي تتغنى بمصر وبعدد من الدول العربية كالعراق واليمن والمغرب والجزائر، ومن بينها "قوميتنا اللي بنحميها واللي حياتنا شموع حواليها.. جنة بتضحك للي يسالم وجحيم ساير على أعاديها"، وشاركت إلى جانب وردة وصباح ونجاة الصغيرة وهدى سلطان وعبدالحليم حافظ في أوبريت "الوطن الأكبر" كلمات أحمد شفيق كامل وألحان محمد عبدالوهاب.
أثناء مسيرتها الفنية التحقت فايدة كامل بكلية الحقوق وحصلت على ليسانس، وتزوجت من وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل الذي تولى المنصب في الفترة من 2 فبراير 1977 إلى غاية 2 يناير 1982، والذي تعرفت عليه في بداية الخمسينات عندما كان نقيبا في الشرطة عن طريق بهيجة جاهين شقيقة الشاعر الكبير صلاح جاهين.
لا يزال صوت فايدة كامل قادرا على إثارة الكثير من المشاعر التي سادت خلال مرحلة المد القومي، لكن مجرد الاستماع إلى تسجيلات الخمسينات والستينات يكفي للتذكير بأنّ لا الأراضي المحتلة تحررت، ولا الشعوب توحدت، ولا القضايا وجدت طريقا إلى الحل. وحدها الشعارات لا تزال تجد من يرفعها سواء من الحكام أو المحكومين.